إساءات ترجمة الرواية, ترجمة رواية (أيّام حَسو الثلاثة) الكرديةِ (نموذجاً)

دراسة بقلم:  خالد جـميل محمد

القسم الأول

في الرواية:

(SÊ ŞEV Û SÊ ROJ)[1] أو (أيام حَسو الثلاثة)[2] كما نقلها إلى العربيةِ المترجمُ (إبراهيم محمود) أو (ثلاثة أيام بلياليها) كما يمكن أن تـُترجم إلى العربية، هي الرواية الأولى للروائي الكردي (لالَشْ قاسُو ) (Laleş Qaso) (ولد بنصيـبـين 1957م)، من كردستان الشمالية. تبدأ الرواية بمؤشر زمني (سنة 1969) وعودة إلى سنوات تسبق هذا التاريخ لعرض وقائع وأحداث كثيرة تبدأ من الليلة الأولى، ثم تتشعَّب وتتداخل في نسيج مُحْكَمٍ يشكِّل بنية النص الروائي الذي عرضَ نماذج مدروسة بدقة قبل أن يتمَّ تعيـيـنُها في عالم الرواية الواسعِ.

تبدأ الأحداث في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، في (زوراڤا)، إحدى القرى المتاخمة للحدود التركية السورية، حيث تنتشر عشائر كردية، عاداتٌ، أعراف، مشاحنات، خلافات، مخافر حدودية، عسكر، مهرِّبون، قتلٌ لأسباب تافهة وبحجج وذرائع لها علاقة بنمط الحياة في البيئة التي تجري فيها أحداث الرواية؛ اعتداءات على قرويـين أبرياء، طريق الحرير، سكة قطار، أسلاك شائكة وألغام تفصل الحدود بين سوريا وتركيا. جغرافية واسعة لها تاريخها، رائحة الموت تنـتشر في كل مكان، وشبح الخوف يهيمن على قلوب سحقتها يدُ الاستبداد.
(حَسو) زعيم عائلة (الپزوريـين)، و(جرجيس) زعيم عائلة (الهوريـين) شخصيتان محوريتان، بينهما عداوة لم يَمْحُها زواج كلّ منهما من أخت الآخر، زواجَ الشِّغار، حقناً للدماء، وإنهاءً للعداوة التي تجدَّدت مذ قُتِلَ (روتو/ والدُ حَسو) على يد (شوتو/ والد جرجيس). (سارة) زوجة (حَسو) وأخت (جرجيس)؛ امرأة شجاعة، قوية الإرادة، لا تعرف الخوفَ، تقوّي من عزيمة زوجها (حَسو)، تدخل معه في مشاحنات كلامية، تقرِّعه فيها لأنه لم يوافق على رأيها في الانـتقام من العسكر، وتظل تتباهى بأنها قادرة على دحر العسكر، ووضع حدٍّ لتجاوزاتهم. وهو ما رفضه زوجها يقيناً منه أن المسألة لا تنـتهي بمقتل بضعة عساكر، إنما الخطورة في مغبّة ذلك، وما يعقبه من كوارث يأتي بها مثل هذا السلوك؛ حيث يمكن أن تأتي إمدادات من (أنقرة) لتحسم الموضوع نهائياً. (مَيْرو) زوجة (تمو بنِ حَسو)، تهتم بحميها (حَسو) المصاب بـحُمّى في تلك الليلة الباردة، خوفاً مما سيأتي به الصباح من إهانةٍ وعذابٍ للقرويين على أيدي العسكر، بذريعة قَطْعِ المهربين الحدودَ.
يسرد (حسو) تفاصيل كثيرة وأحداثاً متداخلة عن حالات القتل التي تَذكّرها في تلك الليلة المرعبة، وقد تعذّر عليه النوم. المهربون قطعوا الحدود، والعسكر سيدهمون القرية صباحاً، فاشتعلت نار انتظار المصير المقبل.
في الصباح كان الرعب مهيمناً على (زوراڤا). كل شيء صار شبحاً يذكِّرُ بالعسكر الذين أحاطوا بالقرية. (محمد بـيچَر) ضابط عنيف، قاسي المعاملة، شديد الهيـبة، أمر بتمشيط القرية، واجتماع أبنائها، حيث انهال عليهم بالضرب والشتائم والتعذيب.
أحداث كثيرة تخلّلَتْ تفَقُّدَهم. وبعد مغادرة العسكر بدأت المشاحنة بين عائلتي (حَسو) و(جرجيس)، حيث أخذ كلٌّ من الطرفين يوجه التهمَ إلى الآخر بأنه عميل للضابط والمخفر، فحدث قتالٌ أسفر عنه جرحُ عدد من رجال الطرفين. توجَّه زعيما العائلتين إلى مخفر (ستليلي) ولقيا هناك إهانة شديدة، لم تنقذهم منها الرُّشوةُ التي حملاها، وعادا خاسِرَينِ، خائبـَينِ.
ثمَّ سُجن (جرجيس) ثلاثة أشهر..بعد ذلك لم تعد تحصل خلافات بين القرويين، وانشغل كلٌّ بعمله وحياته..حتى كان عام (1970) حين بدأت الأحزاب الكردية واليسارية بالظهور، مما أدى إلى ضعف الخلافات في ذلك الفضاء الروائي الذي يشمل قرى كردية متاخمة للحدود السورية التركية.

في الترجمة:

الترجمة، في تعريفها العام، عمليةُ تبديل نصٍّ في لغةٍ، بنصٍّ في لغة أُخرى، واستبدال مفرداتٍ معجميةٍ وقواعدَ في نصٍّ من لغة الهدف (نص الترجمة)، بما يقابلها في نص من لغة المصدر (الأصل)[3]، شريطةَ أن يحقق ذلك الاستبدالُ تكافؤاً بين وحدات النصينِ، وهذا التكافؤ يتوقف على كفاءات المترجم في لغتَيهما. والمبدأ العامُّ لعملية الترجمة أنها تبدأ بعد الانـتهاء من مرحلتَي القراءة الأساسيتين، وهما: مرحلة القراءة الاستكشافية التي يتم فيها فَهْمُ المعاني وتعرُّفُ الدلالات، وهذه تعتمد على الكفاءتين اللغوية والأدبـية معاً، كما تعتمد قبل تَيْنِكَ الكفاءتينِ على بديهيةِ إتقانِ المترجمِ هجاءَ حروفِ الكلماتِ هجاءً يؤهِّله لعملية القراءة الاستكشافية في المرحلة الأولى. وأما المرحلةُ الثانيةُ فهي مرحلة القراءة الاسترجاعية التأويلية التي تنتهي بتوضيح وحدات الدلالات الكامنة في النص، والقدرةِ على نقلها، من لغة النصِّ/الأصلِ، إلى لغة النص/الهدف، نقلاً سليماً. والقراءة الأولى هي مفتاح القراءة الثانية[4].
فإذا كانت القراءة الأولى (الاستكشافية) ضعيفةً فإن الثانية ستفشل بالضرورة، وهذا ينعكس على الترجمة وآلياتها، وعلى لغتي النصين (الأصل والهدف) معاً. كما أنَّ نجاحَ القراءة الأولى (الاستكشافية) أيضاً ليس إرهاصاً يُـؤْذن بنجاح القراءة الثانية بالضرورة، وليس شرطاً لنجاح القراءة الثانية (الاسترجاعية التأويلية) لأن امتلاكَ مهاراتِ القراءة الاستكشافيةِ قد لا تُسعف مترجماً يفتقر إلى مهارات الترجمة بتشعُّباتها اللغوية، الإحالية، المعرفية والاختصاصية.
أمّا القراءة الاستكشافية التي مَتحَت منها ترجمة (أيام حَسو الثلاثة) لغتَها وأسلوبَها فهي القراءة التي اعتمدت على تهجية غيرِ سليمة لكثير من المفردات التي أشكلتْ صُوَرُها الخطِّـيَّةُ على المترجم فأخطأ في قراءتها غالباً؛ أي أخطأ في تقطيع حروفها، وفي النطقِ بهذه الحروف بصوامتها وصوائتها نطقاً يحافظ على معناها ومبناها سليمين. وهي القراءة التي حالت بـين المترجم والرواية فتحوَّل عن دلالاتها المقصودة إلى دلالات غيرِ مقصودة، حيث لم تحقق الترجمة تلك البديهيةَ التي تسبق القراءة الاستكشافية، وبذلك ألحقَتْ إساءاتٍ إلى عملية التواصل بين خطاب الرواية والقرّاء الذين يدخلون مع الترجمة في متاهةٍ لغوية، وإشكالات تدلُّ على عدمِ تمكّن منفّذِها من تعرُّف مغازي النص/ الأصل، كما تدلُّ على ابتعاد شديد عنها. فقد جاءت المقابِلات الترجمية والمعجمية غيرَ معادِلة لِما اشـتملَ عليها الأصل من دلالات وعلامات لغوية لَـحَنَ المترجِمُ في قراءتها، صحَّف، حَرَّف، أوَّلَ، تدخَّل في الأحداث، زادَ شخصياتٍ، غيّرَ أسماءَ شخصيات، وخلخلَ الزمان والمكان خلخلة تَنمُّ عن ضعفٍ في فهم وظيفة الإنتاج الكلامي للروائي والراوي والشخوص، وقصورٍ في تمثُّلِ النصِّ بلغته الأصلية/ الكردية، فضلاً عن افتقار الترجمة إلى مؤشرات تدل على غنىً بثروة كافية من مترادفات لغوية، معجمية وترجمية تمكّن منفِّذَها من اختيارِ ما يناسب من مفردات، عبارات أو صيغ يمكن أنْ تُـعِينَ نصَّ الترجمة على الارتقاء برسالتها التواصلية، الأدبية، الفنية والجمالية.
مرَّت الرسالة اللغوية الأدبية للرواية عبر قنال (Canal) الترجمة التي عطَّلها الاضطراب في القراءة الأولى (الاستكشافية) والقراءة الثانية (الاسترجاعية التأويلية) على السواء، كما عطّلتها غَفلاتُ الترجمة عن حقيقة المقاصد التي تحملها العبارات أو تحيل إليها، وبذلك لم تحافظ الترجمة على الوظيفة التعبيرية لهذا الخطاب. وقد أدى الإخفاق – في النقل من الكردية إلى العربية – إلى قتل روح الرواية، وتشويهِ حبكتها ولغتها السردية والحوارية، فانتقلت الترجمة بالخطاب الروائي من الوضوح والبساطة إلى الغموض والتكلُّف، لعدمِ معايشةِ المترجمِ نصَّ الرواية في لغتها الكردية من ناحية، وعدم اكتراثٍ للبنية الفنية للرواية من ناحيةٍ ثانية، حيث لا تتوقف عملية ترجمة الرواية على إيجاد أو توفير المقابلات أو المعادِلات المناسِبة فحسبُ، ولا تقف عند حدود المعنى المعجمي، السياقي أو الدلالي لمفردةٍ، أو عِبارةٍ، أو أي وحدةٍ لغوية صغرى أو كبرى، إنما يُشتَرَط في ترجمة الرواية إحاطةُ القائم بها بجميع تفاصيل وخيوط العمل الروائي المتضافرةِ، وعناصرِه وإحالاتِه الممكنةِ، المحتمَلة أو المفترَضة، فضلاً عن شروط الترجمة التي لا تُغني عنها المهارات اللغوية بكلتا اللغتين بمعزل عن مهارات الإبداع الترجمي فيهما.
فترجمة (أيام حسو الثلاثة) لم تكترث للفرق بين ما مالت إليه من حَرْفِيَّةٍ (Litteralité) أي ترجمةِ كلمةٍ بكلمةٍ، وبين ما ابتعدت عنه من الأدبية (Litterarité) التي تتمثَّل في الحفاظ على أسلوب الكاتب الاستعاري للغة، وعلى المستويات الفنية والجمالية، والبِنى المكافئة لبِنى النص الأصل، حيث لم تتقيَّد الترجمة بالدلالات التي أرادها الروائي أن تنتقل إلى القارئ أحياناً بطريقة إيحائية تُلزِمُ الترجمةَ أن تتقيد بها وتنقلَها بأمانة ودقَّة، لكن الترجمة اخترقت هذا الشرط حيث أَخْفَقَت في معالجة القيم الجمالية والفنية للرواية جملةً وتفصيلاً، ومن ثَمَّ أدّتْ رسالةً يغلب على مضمونها الخلل والاضطراب، وعلى شكلها الركاكة، وانعدامُ الترابطِ والتناسقِ.
جاءت الترجمة متسرِّعةً استهدفت إنهاءَ العملِ لا استيعابَ الدلالاتِ ولا الإحاطةَ بفحوى الرسالة اللغوية الفنية التي تمَّ استسهالها بالابتعاد عن مقاصد النصِّ/ الأصلِ، وهي بذلك الابتعاد تشتِّتُ ذهنَ قارئها بتـناقضات يتعذّر وجْدانُ تعليلٍ فنيٍّ أو أسلوبيٍّ لها، حيث اختلَّت الأحداث واختلفت تفاصيلها. وقد أخلّت هذه الترجمة بأهمِّ القواعد التي تتمثَّل في الأمانة والدقّة في النقل. أما الأمانة والدِّقَّة في النقل فهما ليستا نصَّ قانونٍ ثابتٍ مقدَّسٍ يُحرَّم تجاوزُه، إنما يمكن عدم التزام هذين الشرطين عندما ينعدم التكافؤ الترجميُّ الممكن، حيث يحقُّ للمترجم أن يخترق شَرْطَي الأمانة والدِّقة في النقل من مبدأ الخصوصية التي تمتاز بها كلُّ لغة وكلُّ ثقافة، وقد يُشفَع للمترجم أن يتصرَّف في النصِّ / الأصل عندما يتعذّر العثور على حلول ترجمية ممكنة، لكن لا يَحِق للمترْجم التصرُّفُ في الأصل تصرُّفاً يخلُّ بالأبعاد والمقومات الفنية والدلالية، ولا يحِقُّ له ممارسة ما يُسمى عادةً (بخيانة الترجمة) بصورة اعتباطية أو فوضوية، بذريعة القول الإيطالي المشهور: “traduttore traditore (ترادوتوري تراديتوري) أي (الترجمان خَوّان!)” وهو قول اتخذته الترجمات العظيمة منها والرديئة (على السواء!) وسيلةَ دفاعٍ عن “الضيم” الذي يُدخله المترجم على اللغتين. لكنَّ الخيانة التي قصدها القول لا تعني أنَّ المترجم حُرٌّ حريّةً مُطْلَقةً يمكنه فيها أن يخترق قواعدَ الترجمةِ وشروطَها الأساسيةَ اختراقاً لا ضابط له. بل هي تعني أنَّ المترجم مهما سعى فإنه لا بدَّ أن ينحرف بالنص عن أصله سلباً أو إيجاباً، حيث يتعذر توفير ما يكافئ الأصل تماماً في نص الترجمة.
ومن الطبيعي أن يسعى المترجم إلى إظهار كفاءاته، لكنَّ ذلك السعيَ مشروطٌ بالأمانة والدقة والاحتراز من الخطأ، وما دام الروائي على قيد الحياة، ولم يكن الاتصال معه بالأمر المحال فإن الاستفسار منه ومراجعته كانت جائزة وممكنة، بل كان من شأن التعاون بين الروائي والمترجم أن يحقق نجاحاً، وينجزَ ترجمة رفيعة المستوى، إن توفرت في المترجم كفاءات الترجمة، وإن كان قادراً على التقيد بشروطها وقواعدها، وهذا لم يتحقق في ترجمة (أيام حَسو الثلاثة) التي تفتقر إلى مؤشرات تدلُّ على إبداعٍ أو نجاحٍ في أي مفصل من مفاصلها، لافتقارها إلى العناصر التي تؤدي الوظائفَ ذاتها، وتحمل القيم الفنية، الجمالية، الأدبية واللغوية نفسها التي يحملها الأصلُ.
ويدل التـناقضُ الواضحُ في ترجمة (أيام حَسو الثلاثة) على عدم استيفائها أبسطَ شروط نجاحها، فلا يكاد القارئ ينـتهي من قراءتها حتى يـبدأ بالتساؤل عن شخصيات عديدة اختفت في اللحظة نفسها التي ذُكرت فيها، أو يـبدأَ بالتساؤل عن أحداث تـناقضت مع السياق الذي وردت فيه، حيث لم تلتقط الترجمة كثيراً من تلميحات أو تصريحات النص/ الأصل الذي فَقَدَ خيوطاً هامَّة في الترجمة، وانقطعت خيوط أُخرى، ضاعت، أو غُيِّبَتْ، وزيدت خيوط غريـبة عن طبيعة الخطاب الروائي المعيَّنِ، فأدى ذلك إلى حدوث انقطاعات واضحة في سلسلة النظام اللغوي وفي سياق الأحداث، وهذه الانقطاعات تعكس افتقار الترجمة إلى بنية متماسكة ومنسجمة الوحدات.
محاكمة الرواية:

كانت محاكمة الرواية – استـناداً إلى الواقع الخارجي أو المتخيَّل في ذهن المترجم- خرقاً للإحالات النصِّـيَّة للوحدات الدلالية التي تمتاز بخصوصية علاقاتها داخل عالم الرواية، كما كانت تلك المحاكمةُ طعناً في خصوصية الفضاء الروائي الذي تجري فيه الأحداث وتتحرك فيه الشخوص. ولعل تفصيل المكان الروائي وفق المقايـيس التي فرضها المترجم هو سبب الخلل في بنية الرواية وهي مُتَرْجَـمةٌ، كما تحوَّل توصيفُ المكان من قِبل المترجم في المتن ضرباً من التدخل غير المشروع في شؤون تفصيل المكان وهندسته وفق ما رآه الروائي مناسباً وضرورياً، وفي ذلك إشهارٌ لسَطْوَة الترجمة، وممارسةٌ لسُلْطَةٍ مُجْحِفَة بحقِّ نصٍّ روائيٍّ أقْصَتِ الترجمة صاحبَه وراويَه لتفرضَ هيمنة مُنَفِّذها. ففي معرِض توصيفِ المكانِ، جاء في الرواية:

“Besta Zorava ji aliyê rohilat ve di ber gir re dirêjî nav mayinan dibû; binya hesin derbas dikir û xwe bi nav erdê binxetiyan de berdida. Best heta bi çend sal berê jî seraqet diherikî; lê di dû re hêdî hêdî av ji ser qut bû û best ku lehî raneba, di zivistanan de jî [nema herikî]*. Di jêra gir re rêya Îpekê derbas dibû. Deriyê qereqolê li rê dinerî. Di qiraxa rê de pêşberî hev du kulûbên eskerî hebûn. Bi tîpên mezin li ser hêtên [kulûbê]** hatibû nivîsîn ku Tirk bahoz e! Tirk birûsk e! Li jêr hema bi rê ve dîrekên têlê erda mayinkirî ji hindama qereqola Kewke heta ku diçû Nisêbînê, yek di ber yekî de çikandibûn. Gundê Qesra li jêra Îpekê dima…….. li jêra têlan mayin û li jêra mayinan jî rêya trênê bû”. [6-7 sê şev û sê roj]
* لعل المراد: [nema diherikî]
** لعل المراد:
[kulûbekê] أو [kulûban]

الترجمة الافتراضية[5]:

“كان وادي (زوراڤا) يمتد من جهة الشرق باتجاه الألغام؛ يجتاز أدنى الخط الحديدي، وينبسط في أراضي (بِن خَتِى)*. كان الوادي، وحتى سنوات سابقة، يسيل؛ ثم انقطع الماء عنه شيئاً فشيئاً. ولم يعد الوادي يفيض حتى في الأَشْـتِيةِ إنْ لم يكن ثمة فيضان. كان (طريق الحرير) يمرُّ من أسفل التلِّ، وبابُ المخفر يتجه نحو الطريق. ثَمّةَ محرسانِ عسكريان متقابلان، في طرف الطريق. وقد كتب على جدار المحرس بحروف كبيرة “التركي إعصارٌ! التركي برقٌ!”. في الأسفل بمحاذاة الطريق، من مخفر (كَوْكَه) حتى (نصيـبين)، نصبوا أوتاد أسلاك الأرض المزروعة بالألغام واحداً جنبَ الآخر. قرية (قَسْرا) كانت تبقى أسفلَ (طريق الحرير)… أسفلَ الأسلاك ألغامٌ، وأسفلَ الألغام سكَّة القطار”.
[*بن خَتِى: الاسم الكردي للأراضي الواقعة أدنى الخط الحديدي الفاصل بين سوريا وتركيا]

ترجمة المترجم[6]:

 “وادي “زورافا” من الجهة الشرقية للتل يمتد لصقه طويلاً بين الألغام لتكون سكة القطار حداً فاصلاً (مصطنعاً)، حيث تكون الحدود المزعومة لتركيا معروفة بـ(أعلى الخط/ السكة، ولسورية بـ(أدنى الخط/ السكّة) وذلك الوادي كان يقطع السكة ليمتد لاحقاً جنوباً (أدنى الخط/السكة)، وكان يتحول إلى مسيل ماء إذا فاضت أمطار الشتاء، بعد أن كان اسم مسيل الماء يغلب عليه حتى الأمس القريب، ولكنه رويداً رويداً شهد انحساراً له حتى انقطاع الماء عنه نهائياً.
طريق “ايبكي” كان يمر من أعلى التل، وكان باب المخفر ينفتح عليه، بامتداد الطريق، ومن الجانب الآخر كان هناك سبعة عشر محرساً عسكرياً، وقد كتب بالخط العريض على جدار المحرس: تركيا إعصار، تركيا برق! ما يلي الطريق شكت أوتاد وقد لفت عليها أسلاك شائكة، بدءاً من مخفر “كوكه” وصولاً إلى “نصيبين” ودون فجوات، وللعلم فإن قرية “قصرا” تقع أعلى “إيـبكي”…كان ثمة فراغ أعلى الأسلاك، ويلي الفراغ خط القطار..”
[12-13 (أيام حسو الثلاثة)]
كأنَّ الترجمة تقدِّم أطروحةً تاريخية أو سياسية تحتاج إلى توثيق جغرافي وخريطة تراءى للمترجم أن تنطبق تفاصيلُ (المكان الروائي) على تفاصيلِ المكانِ الذي تقصده تلك الأطروحة، وقد افترض المترجم (معادلاً موضوعياً دقيقاً) للمكان الروائي الذي امتاز في النص بخصوصية ليس من الضرورة أن تنطبق على ما هو واقعي، أو على ما افترضه المترجم. كما أن الرواية قد تغير خرائط الواقع الجغرافي تمشياً مع البنية الروائية وعوالم النص الروائي التي من البديهي ألاّ تتوافقَ مع العوالم التي يعرفها المترجم والقراء في الواقع الموضوعي الطبـيعي. ولا يخفى أن المترجم أقحم في المتن شرحاً مسهباً لا تحتاج إليه الرواية البتةَ، وهو شرح أصاب تسلسل الأحداث بترهُّلٍ كان الخطاب الروائي الأصلُ في غنى عنه، فضلاً عن نعت الحدّ الفاصل بأنه (مصطنع) وأن “الحدود المزعومة لتركيا معروفة بـ(أعلى الخط/ السكة، ولسورية بـ(أدنى الخط/ السكّة)…” لإظهار موقف (أيديولوجي!) في متن النصِّ. ولعلَّ في إسقاط نعتَي (مصطنعاً) و(المزعومةُ) اللذين فرضتهما الترجمة على النص عبئاً على الرواية وإجباراً لها على أن تنطق بما لم يشأ كلٌّ من صاحبها وراويها أن تنطق به. كما أن إبقاء اسم (إيـپكي) على حاله يحدث إيهاماً لدى القارئ الذي يمكن أن يعتقد بأن (إيـپكي) أيضاً هي قرية من تلك القرى الكثيرة التي ترد أسماؤها في الرواية، مع أن (إيـپكي) هو اسم (طريق الحرير) بالتركية، واستُحدث على هذا الطريق في النصف الثاني من القرن العشرين طريق جديد، ولعلَّ عدم الإشارة إلى ذلك في الترجمة سـبَّبَ خسارة لغوية ومعرفية ودلالية كبيرة للخطاب الروائي، لِـما في الإشارة إلى (طريق الحرير) من دلالات تاريخية، حضارية واقتصادية في المستوى الإحالي الـمَرْجِعيِّ، ومن دلالات نَصّـيَّة في المستوى الروائي، حيث يكتسب الفضاء الراوئي بتلك الإشارة قيمة تاريخية ومكانة بنيوية ترتبط بعلاقات وظيفية عميقة مع حركة ووجود الشخوص والأحداث وباقي مكونات الرواية والتي يعدُّ (طريق الحرير) واحداً منها، وفي ذلك ما يدل على عدم معرفة بالمكان الروائي ومكوّناته. كذلك تُشْكِل على قارئ الترجمة تفاصيلُ المكان الروائي، وتختلط محاور حركة الشخوص، واتجاهاتهم، على امتداد الرواية لعدم التفريق بين كلمتين متضادَّتين متقاربتين في اللفظ باللغة الكردية وهما (jêr/أسفل) و(jor/أعلى)، حيث حلت كلٌّ منهما محلّّ الأخرى على خلاف توصيف الراوي، وبذلك تداخلت الاتجاهات واختلفت محاورها من بداية الرواية حيث صارَ الأعلى أسفلَ وصارَ الأسفلُ أعلى. وتحوّل (محرسان اثنان) في الترجمة إلى سبعة عشر محرساً، كما استُـبدل بالألغام كلمة (فراغ) حيث قوبلت كلمة (mayin/الألغام) بكلمة (فراغ) التي أخلَّت بالدلالة، وبذلك الاستبدال غيّـبت الترجمة أهمَّ محتوياتِ المكانِ وعناصرِه.
أما فحوى الشعار الوارد في الفقرة المقتبسة فهو أن “التركي إعصار، التركي برق” وليس كما ورد في الترجمة بأن “تركيا إعصار، تركيا برق”! فالتعظيم للتركي وليس للدولة التركية. وعلى النحو نفسه وفي سياق الحديث عن شعارات مكتوبة بالتركية في فِـناء المخفر بأن “تركِيّاً واحداً يضاهي الدنيا” وأنَّ”التركيَّ يولَدُ عسكرياً” جاء في الترجمة أن “تركية تضاهي العالم. وهي توجد بالعسكر وعاصفة“[ص340] مقابل العبارة التالية:
 “tirkek himberî dinyayê ye! Tirk esker çêdibe! Tirk bahoz e!” [256- sê şev û sê roj].

كما نتج عن عدم تعرُّفِ المترجمِ تفاصيلَ المكان الروائي تشويهٌ لهندسة المكان الذي تجري فيه أهمُّ الأحداث، فقد نسب إلى القرية خنادق لم يعرفها الأصل، حيث قابل خطأً كلمة (kolan) التي تعني (الزقاق أو الشارع الفرعي) بكلمة (الخندق) مرة، وكلمة (الحفرة) مرات أخرى[ص406][ص18][ص23]. كما ورد في النصِّ/الأصل أن “أزقّة القرية امتلأت بالوحل” فصارت في الترجمة: “لقد امتلأت حفر القرية بالوحل” مقابل عبارة:“kolanên gund çamûrî bûbûn“[311]. ظناً من المترجم أن (kolan) في ذلك كله هي جمع (خندق) أو (حفرة). في نحو: “Kûçikan gasîn û kolanên gund ji guran re berdane.” [13] ويقصد بها: “تركت الكلاب أوكار القرية وأزقّتها للذئاب”  [الترجمة الافتراضية: خ.ج. م] وقوبلت في الترجمة بالعبارة التالية: “الكلاب خلفت الحفر والأوكار والثغور وراءها للذئاب..” [ص23]. إلا أن كلمة (kolan) هي مصدر يدلُّ على حدث الحَفْرِ لا على ما يُـنـتج عنه من (حفرة) قد يطلق عليها (kort)، (kortik)، (kortal) أو (koncal) فلا يمكن اشتقاق (kolan) بمعنى (الـحُفَر) من الفعل (حَفَرَ) (kola) أو من مصدره: (الحَفْر) (kolan) أو (kolandin/بالتشديد على المقطع الصوتي الأخير)، إنما وَضَعَ الكُرْدُ – اعتباطاً (دون تعليل)- وبإجماعٍ ضمنيٍّ كلمات: (kort)، (kortik)، (kortal) أو (koncal) لتكون دوالَّ لها مدلولاتها في أذهان الناطقين بالكردية، أو باللهجة الكرمانجية. وهذه الدوالُّ (الصور الصوتية/الخطية) تستدعي مدلولاتها (الصور الذهنية) لذلك الموجود الخارجي المقصود، والذي يكون المرجِع في العلاقة بين الدالِّ والمدلول.

بدأ الانزياح عن مسار الرواية منذ بداية الترجمة التي ابتدعت اسمين نعتـتْهما بـ “الزعيمين الأبويـين (حسو روتو) و(جرجيس شوتو)”، وكان الروائيّ و/أو الراوي يقصد بقوله أن: (روتو) هو والد (حَسو)، و(شوتو) هو والد (جرجيس)..بقوله: (bavê Heso Rûto û bavê Circîs Şûto (heta ku digihê وبذلك تكون الترجمة قد وقعت في اضطراب وتناقض لأنها قدمت شخصيتين جديدتين لا وجود لهما إلا في هذه العبارة الخاطئة التي تُدْخِلُ قارئ الترجمة في حالة من التيه والحيرة. ولأن المترجم قرأ العبارة الكردية وفق قواعد العربية التبست عليه، وعجز عن تفصيلها، وتفسيرها، فظنَّ ثم جزم، ثم اعتمد أنَّ الأول اسمه (حسو روتو) وأن الثانيَ اسمه (جرجيس شوتو) ليكون (روتو) كنية و/أو لقباً لـ(حَسو) ويكون (شوتو) كنية و/أو لقباً لـ (جرجيس)! وفي ذلك من الآفات التي تصيب جزءاً عظيماً من الأحداث بالعَطَبِ والخلل. جاء ذلك في الفقرة التالية:

“Bi kuştina Kido re, kuştin ji kuştinê vedikeve, heta ku digihê bavê Heso Rûto û bavê Circîs Şûto.
Rûto û Şûto bi armanca ku neyariyê ji nav xwe rakin, Qîzên xwe berdêlî dabûn hev. Xweha Heso Perîxanê jina Circîs, û xweha Circîs Sarê jî jina Heso bû. [Lê mixabin wê ev dostaniya wan dom neke…û Şûto Rûto bikuje]*. Bi kuştina Rûto re sereketî derbasî Heso û Cercîs [dibe]**…” [12]
*لعل المراد: [Lê mixabin vê dostaniya wan dom nekir…û Şûto Rûto kuşt]
** لعل المراد:
[dibû]

الترجمة الافتراضية:

“مع مقتل (كِدو) تعاقب القتل, إلى أن وصل إلى (رُوتو) والدِ (حَسو)، وإلى (شُوتو) والدِ (جرجيس).
وبهدف إنهاء العداوة بينهما زوّج (رُوتو) و(شُوتو) بنتيهمازواج الشِّغار. (پَريخانة) أخت (حَسو) كانت زوجة (جرجيس)، وأخت (جرجيس) (سارة) كانت زوجة (حَسو). لكن للأسف فإن صحبتهما هذه لن تدوم، لأن (شُوتو) قتل (روتو)…. مع مقتل (رُوتو) تنتقل الزعامة إلى (حَسو) و(جرجيس)..”

ترجمة المترجم:

“كان مقتل كيدو نقطة البداية لسلسلة متتابعة من حالات القتل والثارات تناسلت، وصولاً إلى الزعيمين الأبويين “حسو روتو” و”جرجيس شوتو”، ورغبة في استئصال جذور العداوة من بينهما لجأ “روتو” وشوتو” إلى زواج البدل (نكاح الشِّغار) فقد كانت أخت “حسو” “بريخانة” زوجة “جرجيس” وأخت جرجيس “ساره” زوجة “حسو” ولكن وكما هو متوقع إن هذا السلام المشروط لم يدم…..قتل روتو من قبل شوتو وهنا يتجدد الخلاف بين “حسو” و”جرجيس“..
اختلقت الترجمة شخوصاً لم تعرفهم الرواية كما لم يعرفهم الراوي، وهو اختلاقٌ لا يقتصر على الشخوص، ولا يقف عند حدود الأسماء، بل يتعدّاها ليؤثِّر في مجرى الأحداث، وفـنّـيتِها، وترتـيـبها، وفي مكانها وزمانها، ومن أمثلة ذلك ما جاء في الفقرة التالية:

“Pizûrî hemû li taxa jorê diman. Gund hemû sê tax bû. Rêyên kolanan ji ser hev qut kiribûn. Ne ji jorê kesek dikarîbû daketa jêr û ne jî ji jêrê kesek hilkişiya jor. Mercên ku Circîs û Heso danîbûn pirole dijwar bûn…… Birka avê ji danê sibehê heta ku seet dibû duduyê rojê di mista benda pizûran û seet ji duduyan heta sibehê jî di mista benda hûran de bû.” [10]

الترجمة الافتراضية:

“الپزوريون جميعاً يقيمون في الحارة العليا. القرية بمجملها كانت ثلاث حارات. سدّوا منافِذ الأزِقَّة على بعضهم. ما كان بمقدور أحد من الحارة العليا أن ينـزل إلى الحارة السفلى، ولا كان بمقدور أحد من الحارة السفلى أن يصعد إلى الحارة العليا. الشروط التي وضعها كلٌّ من (جرجيس) و(حَسو) كانت صعبة جداً.  بركة الماء من الفترة الصباحية حتى الساعة الثانية ظهراً كانت تحت تصرّف الپزوريـين، ومن الساعة الثانية حتى صباح اليوم التالي كانت تحت تصرُّف الهُوريـين.”

ترجمة المترجم:

 “(بزوري حمو) كان يسكن في الحارة الفوقانية. إذ كانت القرية مكونة من ثلاث حارات، فالخنادق التي حفروها فصلتها عن بعضها بعضاً. إذ ما كان في مكنة أحدهم -ببساطة- النزول من الأعلى إلى الأسفل، ولا كان العكس ممكناً بدوره. وكان من الصعب جداً الدنو من البستان الذي زرعه “جرجيس” أو “حسو”.. استثمار بركة الماء كان يبدأ من الفترة الصباحية حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، إذ يكون في ملكية (البزوريين) ومن الثانية ظهراً حتى الصباح يكون في ملكية (الهوريين)”
[-19 (أيام حسو الثلاثة)]
أشْكَلَ على المترجم معنى كلمة (merc) التي تعني (الشروط) حيث توقف عند مستواها الصوتي الذي ذكَّره بكلمة (مَرْج) فاستبدل بها كلمة (بستان). أما التحوير في التوقيت، فلم ينـتبه المترجم إلى الفرق الحاصل في حساب الوقت من (الثانية عشرة) إلى (الثانية) ظهراً، على خلاف ما ورد في الأصل. إضافة إلى ذلك فقد جعل البركة تُستثمر، ثم عاد وجعلها تُملَك! دون تميـيز بين دلالات الاستثمار والملكية! وليس في الرواية شخصية باسم (بزوري حمو) ولا هذا الذي اختلقه المترجم يسكن في الحارة التي نعتـتها الترجمة بـ( الفوقانية) إلا أن المسألة لا تتعدى أن المترجم أخطأ في قراءة كلمة (hemû) لعدم التميـيز بين صوتي (û) و (o) في آخر الكلمة المذكورة، فضلاً عن نسيانه أو عدم معرفته أن الكلمة لو كانت اسمَ علمٍ لَوَجَبَ أن تبدأ بحرف كبير وتنتهي بـ (o) على النحو التالي: (Hemo). كذلك نسي المترجم أن من يسكن في الحارةِ التي نعتها بـ(الفوقانية) ليس شخصاً واحداً، كما ظنَّ، إنما هم (الپزوريون جميعاً) ولعلَّ كلمة (hemû/جميعاً) هي التي أشكلت عليه في النص الأصلي فأبقاها على صورتيها الخطية والصوتية لتكون كـنْـيَةً لشخصية مجهولة الهوية في الرواية، ظهرت فاختفت.
ومن ناحية أخرى أخفقت الترجمة في إيصال الوقائع الاجتماعية/ الروائية ونماذجها التي جاءت في الأصل بسيطة واضحةً، وجاءت في الترجمة مُتَّسِمَةً بالتقعُّر والصعوبة والتكلُّف، إلى جانب التحوير غيرِ المعلّلِ فنياً وأسلوبياً ولُـغَوِيّـاً في الأحداث والأمكنة والحوار والسَّرْد. ومن أمثلة ذلك أن التصرف طال ما اشتملت عليه الرواية من أمثال شعبية لها دلالاتها وإحالاتها وقيمها الفنية، فـ(سارة) تقول في إحدى حواراتها مع زوجها (حَسو):

– “…ji xwe re li vê ecêbê binerin, min heyşt zik zarok anîn, ji xeynî ên mê, yekî nêr ne şibiya min, kuro! Qîzên min hemû li min hatin, lê qismê lawan mû ji wî qehfûrê serê te bernedane. [Di rojên ku ez dizam, xwezîka tu li êş baya]*. Belkî wî çaxî ew jî li min bihatana. Di vanên nêr de bi tenê hewara min Reşo maye. Ev lawik tam li pîrika xwe hatiye…” [29]
* لعل المثل هو: [xwezî wê şevê tu li êş baya] ويقصد بذلك [ليتك كنت في تلك الليلة (!) في الطاحونة]

الترجمة الافتراضية:

“- …يا للعجب! أنجبت ثمانية بطون، ما عدا الإناثَ لم يشبهني أحدٌ من الذكور! بناتي كلهنَّ أشبَهنَني، أما قسمُ الصبيان فإنهم لم يتركوا – في الشَّبَه- شعرةً من رأسك. الأيام التي كنت ألِدُ فيها ليتك كنت في الطاحونة، لعلهم كانوا سيشبهونني أيضاً. من هؤلاء الذكور، أملي في (رَشو) وحدَه. هذا الولد أشبهَ جدته تماماً..”

ترجمة المترجم:

“يا لها من مفارقة فيما سأقوله اسمعوا لقد خلفت ثمانية بطون، غير الذي يخصوننا مباشرة لم يتجاوب معي أحدٌ من هؤلاء..إن بناتي جميعاً يشبهنني. أما الذكور، فما أشبههم بك يا صاحب الدماغ المتحجر..ليت اليوم الذي ولدت فيه كنت في بلاد الواق واق، ربما وقتذاك يأتون عل صورتي..لكن من كل هؤلاء الذكور يبقى “رشو” استثناء هو أملي، وما أشبهه بزوجته..”
[43 (أيام حسو الثلاثة)]
تُظهِر المقارنة بين النص الأصلي وبين الترجمة أن عبارة (ji xeynî ên mê/ما عدا الإناثَ) أشكلت على المترجم فأخطأ في قراءة الحرف الصوتي في كلمة () فظنَّ أنَّ (ên mê/ الإناث) ضميرُ الملكية لجماعة المتكلمين (ên me/لنا) حيث تحولت الوحدة الصوتية الأخيرة (ê) إلى (e) لتكون وحدة تميـيزية (فونيماً) تُـغَيِّرُ المعنى المراد من العلامة اللغوية التي مات معناها باللحن في القراءة، فقابلها بعبارة ضعيفة في بنيتها ودلالتها وهي لا تعادل ما أراده الروائي في الأصل، حيث أدى الخطأ إلى تغيـيب عنصر (ên mê/الإناث) وهو عنصر له أبعاد تاريخية، اجتماعية، ونصّـيّة، بل أحدث هذا الخطأ مشكلة دلالية سبّـبتها القراءة الخاطئة، حيث قابلها بعبارة: “غير الذي يخصوننا مباشرة” فالاسم الموصول (الذي) لا يعود إلى أحدٍ ما في السياق، ولا معنى له، ولا دور، ولا تعليل. فمَن هم (الذين) أو مَنْ هنَّ (اللواتي) أو مَنْ هو “الذي يخصوننا مباشرة”؟! وقد سبّب هذا النقل غير الدقيق انقطاعاً في سلسلة الدلالات، كما أدى إلى إحداث فجوة في ترابط الأحداث التي تمَّ نقلها بالحوار المنسوب إلى (سارة) حيث لا يدلّ السياق على علاقة بين الاسم الموصول “الذي” الدالِّ على المفرد المذكر، وبين واو جماعة الغائبينَ في الفعل (يخصوننا). وزاد من سَعة الفجوة أن تحريفاً أصاب التركيب الإضافي (pîrika xwe/جدته) الذي ورد في نهاية حديث (سارة)، حيث تحولت (جدته) على يد المترجم إلى (زوجته) نتيجة خطأ في قراءة: (pîrika xwe) ظناً منه أنها (pîreka xwe)! ولعله خطأ ناجم عن الإهمال أو عدم الاكتراث، أو ضعف المراجعة والتدقيق إن كانَ الأخيران قد حَدَثا فعلاً! وفي ذلك من العواقب ما يسيء إلى جوهر السرد الروائي، وعلاقات الشخوص، وخصائص وسمات كل شخصية، كما يتدنى مثل هذا الخطأ بالمستوى الفني الجمالي من خلال الإساءة إلى المستوى اللغوي الذي يشكل مادةَ العملِ الروائيِّ الأساسيةَ، جسدَه وروحَه. ومثل هذا الخطأ يُـرْبِكُ القراءةَ السليمة؛ حيث يتساءل القارئ مباشرة عن حقيقة زواج (رشو) الأعزب في الرواية، والمتـزوج والأعزب معاً في الترجمة!
أما (رشو) فهو طالب في السابعة عشرة من عمره، وليس متـزوجاً كما يدلُّ على ذلك ما ورد في الصفحات (26-27-28-42) من الترجمة نفسها، أو الصفحات  (27-17-16-15)في الأصل. وهذا الخلْط أدّى إلى غياب كثير من تفاصيل الرواية. ففي هذه الفقرة المقتبسة قوَّل المترجم (سارة) القرويةَ، العفوية، البسيطة، بما لم تقله، لأن منطق الحياة والوعي يفترض أن امرأة كردية تعيش في بـيئة قروية لها خصوصيتها، وفي رواية لها بـيئـتها المماثلة لتلك البيئة التي ليس بالضرورة أن تكون معادلاً موضوعياً لها، لم تنطق (سارة) بعبارة (بلاد الواق واق) وهي بلاد تجهلها امرأة كـ (سارة). فهذه العبارة أقحمها المترجم من لدُنْهُ في حوارها المذكور ليكون –كما ظنَّ- مقابلاً مناسباً وقريـبـاً إلى أذهان القراء (في اللغة العربـية) أكثر من اسم (الطاحونة) الذي ورد في النصِّ/الأصلِ، رغم أن هذا المثل الذي ورد فيه اسم (الطاحونة) يحمل كثيراً من الدلالات الاجتماعية التاريخية الفكرية لمرحلة من مراحل المجتمع الكردي الذي قد تحيل إليه أحداث الرواية، حيث يكون كلُّ مثَلٍ وكلُّ اسم محملاً بنفحة من البـيئة والسياق التاريخي، ويعكِس في الوقت نفسه طبـيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية أيضاً. كما أن اسمَ (الطاحونة) والمثلَ الذي ورد فيه هذا الاسم ليسا غريـبين عن ذهنية قارئ الترجمة العربـية، أو – على الأقل-  يعرف هذا القارئ ما تدل عليه كلمة (الطاحونة) أكثر مما تدل عليه (بلاد الواق واق) البعيدة عن المخزون المعرفي لشخوص الرواية الكردية التي تمت ترجمتها! وفي ذلك ما ترفضه قواعد الترجمة التي تشترط أن يتناسب الحوار مع الشخصية، وأن يتـناسب المثَل مع لغة وثقافة قرّاء النصِّ/الأصل، أو الترجمة، بصورة لا تضرُّ بعوالم الرواية وبنيتها المعرفية. وتكرر ذلك في الصفحة (252) حيث قال حسو: “ليتني في مكان ناءٍ يوم صيروا ذكوراً في رحم أمهم! اثنان من أولادي في قرية “سريجكي” صارا تنبلين!”. فليس ثمة تعليل أو مسوِّغ لتجـنُّب الترجمةِ استخدامَ اسم (الطاحونة) في هذا المثل المشهور والمكرر للمرة الثانية.
التبست الكلمات، العبارات، المعاني، والدلالات على المترجم، فأخطأ في الاستبدال بمفردات ضعيفةٍ في ترجمته مفرداتٍ أكثر دقَّةً منها، لتجنُّبه تجريب كلمات وصيغ متـنوعة قد تثمر ما هو أكثر تكافؤاً ومناسبةً. جاء في الرواية وترجمتها:

“Heso heyranê mêraniya Sarê bû. Lê belê ev aliyê xwe, mîna ku wê jê re bûba kêmaniyek, vekirî ne dida der. Dikir qerf û digot. Reşo ev aliyê wan kefş kiribû. Ji kalik û pîrika xwe fêm kiribû ku çendî mirovin, hêja nin. Li gor wî pir tiştên ku mirov ji wan hîn bûba, hebûn.” [27]

الترجمة الافتراضية:

“كان (حَسو) معجباً بشجاعة (سارة) إلا أنه ما كان يُظهِر هذا الجانب في شخصيته، وكأنه سيكون مَنْقَصَةً له. فكان يحوّل ذلك إلى مزاح ويـبوح به. وقد كشف (رشو) هذه الحقيقة عنهما. عرف أن جدَّه وجدَّته إنسانان رائعان. فضلاً عن أنه ظلَّ يرى أنَّ ثَمَّةَ أشياءَ كثيرةً كانَ يُمْكِنُ أنْ يتعلَّمها الإنسانُ منهما”.

ترجمة المترجم:

“كان “حسو” مسكوناً بهوى “سارة” مولهاً بها يستميت من أجلها لكن هذه العاطفة الجياشة كان يبقيها داخلاً حتى لا يكون محل سخرية الآخرين، رشو هو الذي اكتشف فيها هذا، تلمس في الجدِّ وامرأته مدى الطيب فيهما إنسانياً مقابل ذلك كان بالإمكان حصول أمور كثيرة بإسمها وهي موجودة
[42 (أيام حسو الثلاثة)]
في هذه الفقرة أيضاً قرأ المترجم كلمة (pîrika xwe) وتعني (جدّته) مُصَحَّفة لعدم تميـيزه بين الحرفين الصوتيـين (i) و (e) في كلمتَيْ (pîrik/ جدّة) و(pîrek/زوجة/امرأة). ولعلَّ قراءة متأنية كفيلة بأن تبـيّن انعدام الانسجام بين وحدات الترجمة، وفقدان الروابط بين التراكيب والصيغ، وهو ما يدلُّ على الفجوة الكبيرة بين البنية السطحية والبنية العميقة للنص. فقد استعجمت على المترجم قراءة عبارة (ku wê mirov ji wan hîn bûba, hebûn/أنْ يتعلم الإنسانُ منهما)، التي فسّرها وفق قراءته الخاطئة لتكون على النحو التالي: (مقابل ذلك كان بالإمكان حصول أمور كثيرة بإسمها وهي موجودة) فما المقصود بحصول أمور كثيرة؟! وبِـاسْمِ مَنْ؟! ومَنْ هي التي يقصد أنها موجودةٌ؟! أسئلة لم تجب الترجمة عنها لافتقارها إلى القرائن التي تربط هذه العبارات المفككة، ولـتَجَـرُّدِها من العلاقات بين الوحدات المترابطة ترابطاً وظيفياً ينتج دلالات تحمل مضمون رسالة الرواية. لكن الأخطاء لم تقف عند حدود المعاني البسيطة، إنما أثّرت في السرد الروائي، وفي الخلط بين الأحداث الحقيقية أو التي يتوهّمها الشخوص، ومن ذلك ما يدل عليه المثال التالي:

Heso li xwe danetanî ku tirsa xwe bide der. Gava qîq mabû, çav çûbûn xwar, [çavan ne dikutkutand]* û beloq li binê beştan dinerî, Sarê di nav lepên eskeran de bû. Esksran mîna ku di Rewşê de kiribûn, li Sarê, li hember dost û dijminên wî û temamê gundiyan êşkence dikirin. Heso behetî bû!” [33-34]
* لعل المراد: [çav ne dikutkutandin]

الترجمة الافتراضية:

“كان (حَسو) يترفَّع عن إظهار خوفه. فعندما صار هزيلاً، غارت عيناه، وما كان يرف أجفانه، إنما ظل يحدّق في عوارض السقف الخشبيةِ. (سارة) كانت في أيدي العسكر. وقد أخذوا يعذبونها أمام أصحابه وأعدائه، وجميعِ أبناء القرية، كما فعلوا بـ(رَوْشي). كان (حَسو) مذهولاً”

ترجمة المترجم:

“((حسو)) ما كان يتقبل إعطاء تفسير بمظهر الخائف وعندما أمسى هزيلاً وقد غارت عيناه وتحجرتا دون أن يرف جفناه وهو يحدق ناحية الوادي حيث ينظر إلى “سارة” وهي بين أيدي العسكر ومثلما فعل هذا مع روشة كانت ((سارة)) في مرأى من أصحابه وخصومة أبناء القرية تتعرض للمعاملة ذاتها، و((حسو)) كان مذهولاً مما يراه!”
[49-50 (أيام حسو الثلاثة)]
ما كان (حسو) ينظر إلى الوادي، إنما كان في الغرفة ينظر إلى العوارض الخشبية (beştan) في سقف الغرفة، لكن المترجم التبست عليه قراءة كلمة (beştan/العوارض) فظنها (bestan/الوديان) فنقلها إلى صيغة الإفراد (الوادي) ولو أن الخطأ وقف عند حدِّ المعنى المعجمي لكانت الإساءة أقلَّ، إلا أن هذه القراءة الخاطئة جعلت المترجم يتوهّم أن تلك الأحداث التي تخيَّلها (حَسو) وهو ينظر إلى (العوارض الخشبـية في سقف الغرفة) واسترسل الراوي في سردها، هي أحداث تجري حقيقة في (الوادي)!، وبذلك أحدث تحويراً كاملاً في مَجْرى الأحداث، وخلخلةً فيها وفي الزمان والمكان الروائيـين، ليُفاجأ القارئ بعد قليل في الصفحتين [51- 52] أن “سارة” لا تزال في الغرفة، قريـبةً من الرجل! فالترجمة لم تحافظ على نقل حالة التخيُّل التي أبعدها قوله: “وهو يحدق ناحية الوادي حيث ينظر..وكان مذهولاً مما يراه” وفي ذلك تأكيد على الرؤية الحقيقية بقرينة النظر والرؤية واستخدام كلمة (حيث) التي تؤكد حقيقة احتواء ظرفِ المكانِ حدثَ ما جرى مع (سارة). مع أن الترجمة أكدت أيضاً أن الرجل في حالة تستوجب هذا الشرود وهو ما ورد في الصفحات [46-47-48-51]، وأكدت أن العسكر لم يأتوا بعد، إنما هم يترقبون مجيئهم مع الصباح، وفي هذا التحوير تشويه للزمن الذي تجري فيه الأحداث (ليلاً، لحظة شرود الرجل)، وتشويه للمكان (في الغرفة، في عوارض السقف الخشبية التي صارت وعاءً لتلك الأحداث المتخيَّلةِ). أما عن (خصومة أبناء القرية) فليس في هذا ما هو مُجْدٍ من الناحية الترجمية لما تمتاز به العبارة من ركاكة في التركيب، ومن قتل للمعنى بل للدلالة التي أرادها الراوي الذي لم يجعل (أبناء القرية) خصوماً لـ(حَسو) كما هو واضح في الترجمة الافتراضية أعلاه، أو في النص الكردي الذي عطف فيه (جميع أبناء القرية) بواو العطف على (أصحابِه) في الأصل.
وقد تكرر هذا التشويه في الصفحة [39] حيث يطلب (حَسو) من (سارة) أن ترفع فتيلة المصباح لإضاءة الغرفة جيداً. فإذا كانت (سارة) تكره العسكر من بداية الرواية، وحتى نهايتها، فإن (تَـقَـدُّمَها العساكرَ صوب القرية، ومعاينة محيط القرية مع بعض منهم) يُربك هذه الشخصية، ويجعلها في حالتين متـناقضتين، فهي – بحسب الترجمة- شخصية تتسم بالازدواجية في السلوك والمعاملة والموقف، لأنها من جهةٍ تعادي العسكر، ومن جهةٍ تتعامل معهم، وهو تناقض مقصور على الترجمة. في هذا الخلط تشويش يدخل القارئ في متاهةٍ من أحداث وعبارات مفككة لا رابط بينها، ولا مسوِّغ لها من الناحية الأسلوبـية. الرواية تقول شيئاً والترجمة تنقل شيئاً آخر لا علاقة له بالأصل إلا في أطر محدودة لا تتعدى حدود فقرات تمت ترجمتها ترجمة حرفية أيضاً، ومن أمثلة ذلك ما يلي:

“lê dîsa jî dengê kesekî ji van ne diçû Heso. Xelîl…û Demo û Şewqedîn…dilîstin…bi vê reqepolkê jî agahdar ne dibû. Sarê ketûber esker dabûn ber xwe. Derdorên gund ji cendekan raxistibû; li bestê xwîn rabûbû, xwînê gewde ber bi qereqolê de digindirandin. Bi vî şerê Sarê jî hay ne dibû.
-“Heso Heso, de ka rabe ser xwe kuro, çi bi te hatiye? Xwarin hazire rabe gepeke nan bixwe””[32]

الترجمة الافتراضية:

“ومع ذلك لم يكن (حَسو) يسمع صوت أيٍّ من هؤلاء…(خليل) و(دَمُو) و(شوقَ الدين) كانوا يلعبون. ما كان يصحو بهذه الجلبة أيضاً. (سارة)واجهت جموعَ العسكر، وقد ملأت محيط القرية بالجثث؛ وفاض الوادي دماً دحرج أجساداً نحو المخفر. لكنه لم يَصْحُ بمعركة (سارة) هذه أيضاً.
“(حَسو) (حَسو) هيا انهض يا رجل، ماذا أصابك؟ الطعام جاهز، هيّا كُلْ لقمةً””
ترجمة المترجم:
“وفي هذا الوضع أيضاً ما كان يتناهى صوت أحدهم إلى مسامع “حسو” أما “خليل” فقد…صار يلعب هو و”حسو” و”شوقي الدين”…وفي هذه الجلبة لم ينتبه “حسو” لذلك أما “سارة” فقد تقدمت العساكر صوب القرية. عاينت محيط القرية مع البعض منهم. في الوادي كان ثمة قتل ودم يسفح وجثة تتدحرج تجاه المخفر وكل ذلك لم يلفت نظر “حسو” حيث تدور معركة “سارة”!
-“حسو” حسو” ألا فانهض يا رجل ماذا دهاك؟ الطعام جاهز كل لقمة!”
[47 (أيام حسو الثلاثة)]
(حَسو) في حالة من الشرود، وقد أخذه الخيال بعيداً، ولعلّه يتصوّر أو أن (سارة) -كعادتها- كانت تـتباهى بشجاعتها، وتتحدث عن بطولاتها، وتخوض – بالكلام- (معركة طاحنة مع العسكر!)، وقد ملأت – بالكلام- محيط القرية بجثث القتلى! إلا أن الشرود والخيال أو ما كان ينبغي أن يتـناهى إلى سمع (حَسو) من حديث (سارة) عن بطولاتها، حولت الترجمةُ ذلك كلَّه إلى (واقع) مرئيٍّ مؤكَّدٍ تدلُّ عليه قرائن جاءت بها الترجمة دون النصِّ/الأصلِ، ومن تلك القرائن: عبارة: (أما سارة فقد تقدمت العساكر صوب القرية). والقرينة الثانية عبارة: (عاينت محيط القرية مع البعض منهم)، فهي لم تتقدم العسكر صوب القرية، ولم تعاين محيط القرية مع أي منهم، إنما الحدث هو أنها (ملأت محيط القرية بالجثث)! بما كانت تدَّعيه من بطولات. وأما القرينة الثالثة فهي في عبارة: (لم يلفت نظر حسو حيث تدور معركة “سارة”) فالنظر قرينة الرؤية الحقيقة، وكذلك كلمة (حيث) قرينة مكانية تدلُّ على مكان واقعةٍ حقيقيةٍ. فـ (سارة) ليست خارج الغرفة، لأنها تقول له في اللحظة نفسها: “انهض…الطعام جاهز..”؟! وأما (سارة) التي كانت تعادي العسكر بشدة، فقد جعلتها الترجمة في هذا المقطع متعاملة معهم، لأنها (تقدَّمَتْهُم) و(عاينت محيط القرية مع بعض منهم)! وقد أحدث هذا التـناقض شرخاً وازدواجية في شخصية (سارة). كما وقعت الترجمة في تناقض آخر، وأوقعت قارئها في حالة من الضياع، فكيف يلعب (حَسو) وفي الوقت نفسه هو لا ينتبه، ولا يسمع أي صوت من شدة شروده؟! فالصواب أن (دَمُو) هو الذي كان يلعب مع (خليل) و(شوق الدين)، وأما (حَسو) فحاله لم تكن حال مَنْ يلعب، وقد سيطر عليه الذهول والخوف والشرود! غير أن الإساءة لم تقتصر على تصحيف الأسماء وتحريف أدوار الشخوص، إنما بلغت تحويراً في مضمون الأحداث لتـنعكس بصورة سلبـية على تسلسلها، فقد حرَّف المترجم كلمة (cendekan) التي تعني (الأجساد) أو (الجثث) فظن أنها (çendekan) التي تعني (بعضاً)! وهذا دفعه إلى القول: (مع البعض منهم)، وكان مقصد الراوي: (الجثث).
في الفقرة التالية التي تتعاطف فيها (سارة) مع زوجها الذي امتـنع عن تناول الطعام نتيجة الخوف الذي استبدَّ به، تمَّ التصرُّف في العبارة بصورة أخلّتْ بالدلالة حيث تطلب (سارة) من زوجها (حَسو) الخائف أن يأكل (قليلاً) ليستطيع تحمُّلَ التعذيب في الصباح التالي:

“Sarê: “Hema bê dilî xwe ma be dîsa jî çend gepan bixwe. Sibehê wê [romî]* bigirin ser gund. Bi zikê xwirînî tu ê nikaribî xwe li ber dar û sîlên wan bigirî. Wilo nabe heyran, lîçekê bixwe” [36]

* لعل الصواب: [Romî]  بحرف كبير، لأنه اسم عَلم.

الترجمة الافتراضية:

“سارة: “وإن لم تكن تشتهي أيضاً عليك أن تأكل بضعَ لُقَم. صباحاً سيُغِيرُ الروميون على القرية. لن تستطيع تحمُّل عصيِّهم وصفعاتهم، وأنت على الريق. أنا فِداك، لا يجوز هذا، كُلْ قليلاً”

ترجمة المترجم:

“قالت له سارة: حتى لو لم تشتهِ تناولْ عدة مضغات، فالروم صباحاً سيداهمون القرية وأنت على الريق لا تستطيع تحمل عصيهم وصفعاتهم. نفسي فداك هذا لا يجوز أو إذا شئت كل المخاط!”
[53 (أيام حسو الثلاثة)]
يـبدو أن عدم فهم السياق الذي وردت فيه كلمة (lîçekê) التي تعادلها كلمة (قليلاً)، هو الذي أدى إلى هذا الخطأ الدالِّ على تسرع في الترجمة التي انتقلت بمقام المقال من حال التعاطف مع الرجل والحرص عليه، إلى حال تقريعه وتوبـيخه بشدة! كما انتقلت بمقال المقام من دلالة اللطف إلى دلالة العنف! وذلك لأن المرأة تطلب منه أن يأكل قليلاً، فصارت القِلَّـةُ في الترجمة مخاطاً! وفي ذلك من التجنّي على شخوص الرواية ومواقفهم، ومن التشويه ما يفقد الثقة بالترجمة، حيث تتعاطف (سارة) مع زوجها الذي أحبَّته كثيراً، وقضت معه سنوات من عمرها وهي تحرص عليه، وتتمنى له الخير والسلامة، رغم المشاحنات التي كانت تحدث بينهما أحياناً، إلا أن (سارة) في هذه الرواية الواقعية هي نموذَجُ المرأةِ الكردية التي وضعَتِ الأعرافُ الاجتماعية وقوانينُ المجتمع الكردي لتجاوزها حدّاً لائقاً يحافظ على الوقار واللباقة عند احتمال اختلاف أو خلاف بينها وبين زوجها، لا سيّما أن الزوج – في الرواية- امتـنع عن تناول الطعام نتيجة الحالة التي عبّرت المرأة عن تعاطفها معه وتأثّرها بما أصابه، فحوَّرت الترجمة ذلك التعاطف، وغيَّرتْه إلى (المخاط) ثم جاءت النسخة التي نعتها المترجم بأنها (مصحَّحَة، منقَّحة ومدقَّقة) للطبعة الثانية[7] التي عالجت سابقتها باستبدال (السُّخام) بالمخاط لتُـزيدَ الخطأَ خطأين، حيث يقصَد بالسُّخام (سَواد القِدْر) أو (الفحم الأسْوَد)، فصارت العبارة: “كل السُّخام”(!) ثم أعيد التـنبـيه في موضع آخر (الحلقة الثالثة) إلى إعادة تغيـير (السُّخام) واستبدال مفردة (لقمة) بهذه المفردة، لتكون العبارة: “كل لقمة”! وهذا يعني أن النسخة التي نعتها المترجم بالمنقَّحة أيضاً لم تغير في الأخطاء شيئاً.
أضافتْ الترجمة عباراتٍ كان النصّ في غنى عنها، أو أنها إن دلّت على سمة، فهي تدل على عجزٍ عن التعبير بالمستوى الأسلوبي نفسه الذي يمتاز به النص/ الأصل. ومن ذلك أنها حرَّفتْ حدَثَ طريقةِ قتل المرأة بوضع المسدس في “فمها”، وجعلت الطريقة بوضع المسدس في “صدغها” (ص15) [ص8] وفي ذلك من الدلالات التي لم تكترث الترجمة للأبعاد الاجتماعية التي يمكن تلمُّسها في ثنايا الخطاب الروائي وفي تضاعيف عبارات لم يأتِ بها الروائي اعتباطاً، إنما أراد لكل وحدة لغوية قيمَها الفنية، الجمالية، الفكرية، التعبيرية، الأسلوبية، التاريخية، الاجتماعية، الإحالية والدلالية. وفي ذلك ما يؤكد افتقار الترجمة إلى قرائن تدلُّ على تمكُّنِ منفِّذها من إنجاز بنية روائية موازية/ معادلة لبنية الرواية، وتحافظ على مقوماتها، ووحداتها وعناصرها من أحداث، شخوص، زمان، مكان، حوار وسرد. ففي معرِض وصْفِ البيت من الداخل ذهبَ الراوي في سرده قائلاً:

” Derdorên hindur mîna ku şemedankirî be û xanî yekser bi qîrê hatibe seyandin, hîç hewê nastîne ku wilo genî bûbû. Ji dixana çixara wî wexmeke agirê serkulan dida pozê mirov”[18]

الترجمة الافتراضية:

“يـبدو البـيت من داخله كأنه مُشمَّعٌ، والمنـزل كلُّه كأنه قد طُلِيَ بالزفت، ما كان الهواء ينْفذُ إليه أبداً، ولهذا فقد تعفَّن، ومن دخان سيجارته كان الإنسان يشم وخمَ اشتعال رَوْثِ الدوابِّ”

ترجمة المترجم:

“لامعاً براقاً كان الذي يميز البيت من الخارج حيث تمَّ دهنه من كل الجهات بالزفت ليكون مانعاً للرطوبة كان دخان سيجارته يتوزع ويتوغل عميقاً ليترك أثره في شواربه..”
[ص30 (أيام حسو الثلاثة)]
لكن الترجمة ابتعدت كثيراً عن المقاصد التي أرادها الراوي في وصفه البيتَ، فهو لم يذكر (الشوارب) ولم يذكر (الزفت ليكون مانعاً للرطوبة) كما ذهبت الترجمة، أو كما أراد المترجم أن تذهب، والبيت لم يكن قد دهن حقيقة، إنما يـبدو على تلك الهيئة التي وُصِفَ بها في الرواية، وبذلك أحدثت الترجمة انقلاباً كاملاً في بناء العبارة.

يتبع…..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…