بافي طيار بين النقد والواقع

دليار آمد

بافي طيار….. تلك الظاهرة التي إنتشرت في أوساطنا الاجتماعية بسرعة البرق, ووجدت لها مكاناًً بارزاً في قلوب جميع الفئات وخاصة الأطفال وفي معظم مناطق كردستان.
ان هذا الموضوع لم يتناوله من قبل أحد من النقاد أو المثقفين, ولا أدري ان كان هذا نابع من عدم قدرتهم على النقد , أو لاستخفافهم بالموضوع.
إن هذا الموضوع ليس بالموضوع العديم الأهمية بل إنه يدخل في صلب واقعنا الاجتماعي والثقافي, ويحاكيه من أوسع الأبواب.

إن ما دفعني إلى كتابة هذه المقالة هو استهزاء أحد الأشخاص من شخصية بافي طيار ووصفه بأنه مهرجٌ في عصر لا ينفعنا فيه التهريج , وبأنه يمثل طرف معين من الكرد, وأن السيناريو و الإخراج كان فيهما الكثير من الأخطاء و المغالطات ..!
إن هذا الفهم الخاطئ لهذا النوع من الفن-الكوميديا الهادئة- يقودنا إلى خلافات فكرية نحن- وحسب أوضاعنا السياسية الراهنة- بغنى عنها بافي طيار وبأجزائه المختلفة قام وبشكل ايجابي بطرح قضايا مهمة جدا في واقعنا, كما انه لم يكتف بالطرح بعض الأحيان وانما قدم اسلوب المعالجة من وجهة نظر معينة قد تخدم هذه القضية أو تلك الى حد ليس بقريب.ومن القضايا التي طرحها:
القومية والدين واللغة والمرأة والتقاليد الاجتماعية الكردية السلبية منها والايجابية, ان هذه القضايا لا تمثل جزءا أو بعضا من الواقع , بل الواقع كله.
في طرحه لموضوع القومية مثلاً يدعو الجميع أن يعملو للصالح القومي ونبذ الخلافات التي أهلكت جسم المجتمع الكردي , وفي موضوع الدين نراه يعرض لنا – وبكل شفافية- الفهم والتطبيق الخاطئين للدين. أما في موضوع المرأة فهو يقف الى جانبها بكل حزم ويبين دور المرأة الكردية التاريخي في وقوفها الى جانب الرجل في الحرب والسلم , وفي موضوع اللغة يدعو إلى تعليم اللغة الكردية لنعبر بها عن ثقافتنا وحضارتنا وقضايانا القومية والوطنية الشائكة, كما أنه طرح عددا من المشاكل الاجتماعية التي تقف عائقا أمام تطورنا كغلاء المهور والربا والعشائرية…..الخ
,التي لسنا بصدد تحليلها الآن.

ان النقطة المهمة والايجابية بنفس الوقت هو اسلوب طرحه لهذه ه القضايا والموضوعات المهمة , فنراه أسلوبا كوميديا ممتعا قريبا جدا من اسلوب حياة الكردي -خاصة الريفي- هذا الاسلوب الذي يفهمه و يتقبله الصغير قبل الكبير, والمرأة الأمية قبل الرجل المثقف. كما لا ننسى الجانب اللغوي فهو عرض باللغة الكردية الفصحى الأمر الذي يساهم الى العودة الى لغتنا الأم,والأمر الذي تقبله الكثير من أمهاتنا في الريف وفهمه.
أما عن السيناريو والاخراج والأمور الفنية الأخرى, فان الكادر الذي يقدم لنا بافي طيار ليس كادراً أكاديميا أو محترفا, وانما هو كادر استنبط أفكاره وأدواته الفنية البسيطة من واقعه القاسي الأليم, وطرحها حسب الموهبة التي يمتلكها وذلك بما يخدم الواقع والهدف معا, وكما نعلم أن الألم هو تربة خصبة للابداع ومصدر له, ولذا فالأخطاء والمغالطات الفنية أمر طبيعي جدا ومقبول من الوسطين الاجتماعي والثقافي وذلك لضعف الامكانات المادية والفنية.
ولا ننسى الرواج السريع لبافي طيار في كل أجزاء كردستان فهو أصبح مطلوبا في شمال كردستان وجنوبها أكثر مما هومطلوب لدينا , وهذا ان دل على شيء انما يدل على تعطش الشعب الكردي للثقافة الكردية بشكل عام وللفن الكردي بشكل خاص الكرد- وبحسب طبيعتهم الريفية الزراعية الرعوية – معروفون وعبر تاريخهم بخفة دمهم, واستفادو من ذلك في طرح أفكارهم وقضاياهم عن طريق الكوميديا الهادفة, وهذا مايتجلى سنويا في يوم النوروز,وهذا ما كان يفعله ومازال كروب بافي طيار, و لكن الأن وبمساعدة التقنية المعاصرة , أصبح بالامكان مشاهدة أحد أجزاء بافي طيار في المنزل , وفتح نقاش ديمقراطي حر عن أحد موضوعاتها ضمن إطار العائلة الواحدة.فشكراً للكادر الفني لبافي طيار, وأدعو كل كردي أن يدعم هذه المحاولات والتجارب التي تنامت في الفترة الأخيرة, لا أن يضع العراقيل في طريقها, لأنها تعبر بشكل أو بأخر عنه.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…

مازن عرفة

منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، يتسارع الزمن في حياتنا بطريقة مذهلة لا نستطيع التقاطها، ومثله تغير أنماط الحياة الاجتماعية والإنسانية، والاكتشافات المتلاحقة في العلوم والتقنيات، فيما تغدو حيواتنا أكثر فأكثر لحظات عابرة في مسيرة «الوجود»، لا ندرك فيها لا البدايات ولا النهايات، بل والوجود نفسه يبدو كل يوم أكثر إلغازاً وإبهاماً، على الرغم من…

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…