رحلتي من دمشق إلى عمان(1)

سيامند إبراهيم*
    
ثمة نسيم رقيق يداعب خصلات شعر الصبية السمراء التي كانت تجلس بالقرب من النافذة في تلك السيارة الأنيقة, والتي كانت تأخذ وجهتها  في ذلك الطريق الجبلي الصعب, والذي يأخذ العديد من المسارات الملتوية, وفي أول وهلة يهبط قلبك وأنت تخمن أن السيارة ستطير وتقع إلى أسفل الوادي , حيث يكون المشهد مخيفاً حيث تتراء من بعيد  مساكن للمواطنين وتلتف حولها  أشجار السرو العطشى لقطرات ماء, أو ترى طريق تسير فيه مئات السيارات التي لا تهدأ وهي تسير بانتظام لا مثيل له, وتتجلى الصعوبة هنا أن غالبية طرق عمان جبلية خالصة, وغالبية السائقون ماهرين في قيادة السيارات في تلك الطرق الجبلية الأنيقة, فعمان مبنية على سبع جبال, وسكان هذه الجبال يتألفون من طابقين الأول الفقراء وذوو الدخل المحدود وهم يسكنون في جبال (القصور), (الهاشمي), (جبل الجوفة) وغالبيتهم من الفلسطينيين الفقراء
ويسكن الأغنياء من الأردنيين والشراكس والفلسطينيين في جبال (عمان), (اللوبيدة) وغيرها, تجول بناظريك في جبل عمان حيث المطاعم الفخمة, التي تتوزع في شتى مناطق هذا الجبل, والأبنية والفلل الرائعة وغالبيتها مبنية من الحجارة البيضاء المتوافرة بكثرة في الأردن,  الأبنية الفخمة, والمحلات الراقية هي سلواك ومتعتك الوحيدتين في هذه المدينة القاحلة, في كل شيء, لا شيء يبعث الأريحية في هذه المدينة بالنسبة لي شخصياً سوى ذهابي إلى الجمعية الخيرية الكردية في أرقى منطقة في عمان الغربية, فالمدينة  تلامس حدود الصحراء من ثلاث جهات باستثناء الغرب المؤدي إلى غور الأردن المنتج للخضار بشتى أنواعها, وللبحر الميت الذي لا يسمح لأي سمكة بالعيش في قلبها المالح, الصحراء يهب على محياها من الشمال والشرقً والجنوب, رسخت قدماها في أديم هذه الأرض, في جبل عمان الراقي, حيث تسكنه الطبقة الأردنية والفلسطينية الثرية,  وبعد رحلة في البحث والتقصي وجدت عيادته, أجل إنه البروفسور أشرف سيدو الكردي, هذا الطبيب الكردي الأردني الغني عن التعريف, فهو ينتمي إلى عائلة سيدو الكوراني وابن العلامة الكردي علي سيدو الكوراني والذي يحتل مكانة بارزة في الأردن, ووالده الأستاذ والباحث علي سيدو صاحب القاموس الكردي الحديث,  في عيادات الأردن, استقبلني بحفاوة بالغة, وطلبت منه زيارة قبر المرحوم الأستاذ علي سيدو الكوراني, والذهاب إلى منزله, دعا سائقه الخاص بأخذي في جولة في مدينة عمان, والإطلاع على آثارها ومعالمها السياحية كالمدرج الروماني, و(صالة النيروز) الكردية التي تضاهي بفخامتها أرقى الصالات العالمية, وصباح اليوم الثاني ذهبت مع سائقه محمود الفلسطيني وذهبنا إلى منزل العلامة علي سيدو صاحب القاموس الكردي وغيرها من المؤلفات, ودخلنا فيلته في منطقة (أم أذينة ) الراقية, لكن الفيلا تختلف من حيث محتواها عن أية فيلا أخرى, ففي الفيلات الأخرى, تأخذ غرف الطعام, والعديد من المزهريات الفخمة المصنوعة من الصيني, وتتدلى ثريات الكريستال, الإيطالية والنمساوية, والبيانو الذي يأخذ مكانه في إحدى الزوايا, حيث يكون محط أنظار الزوار يبعث في نفوسهم موسيقا هادئة تُعزفُ عليها أنامل تنتقل بين بيتهوفن, وموتزارت, لكن هنا تأخذ المكاتب الصغيرة والمجموعات الثقافية المختلفة الحيز الأكبر, تأخذ الفيلا طابع المكتبة الخاصة, لعلامة كردي ولد في عمان بعيداً عن كردستان, التي احتضنت أجداده قبل الهجرة النهائية لجدهم الضابط الكردي سيدو الكوراني, ليحط الرحال في عمان ويشتري أراضي حوالي عمان بقروش متواضعة ثم تصبح الأراضي محط أنظار الطبقة الغنية وترتفع أسعار هذه الأراضي لتصبح هذه العائلة من أغنى العائلات الأردنية, , و هذه العائلة محط احترام المجتمع الأردني من حيث بروز العديد من الشخصيات العلمية الكردية, مثل العلامة علي سيدو, والمهندس المبدع عبد الودود سيدو الكردي الذي صمم صالة( نوروز) في مبنى الجمعية الكردية الخيرية في (تلاع العلي), حيث تمتد الصالة بأناقتها وتصميمها الرائع, والمسرح الذي يطل من شرق الصالة حيث يجلس حوالي أربعمائة شخص تحت رواقها بدون أعمدة متداخلة فيما بينها  , والبروفسور أشرف سيدو الكردي النائب والوزير السابق للصحة, وتعود مرة ثانية إلى فيلا المرحوم الأستاذ علي سيدو حيث الصالون الأنيق وفي الحائط تجد شهادة تقدير من اتحاد الكتاب الأكراد, وصور أخرى عائلية, وتدخل إلى غرفة كبيرة فتجد مجموعة كتب رابطة كاوا للثقافة الكردية, وكتب تاريخية لمستشرقين, وتدخل غرف أخرى فتجد مكتبة فرنسية وانكليزية, وتركية وفارسية, هذه الكتب هي بقايا صور لنسغ وصلة هذا الكردي الذي يتقد حماسة إلى انتمائه للكرد في بلاد الشمس, تغلبت الصلادة على البداوة, فتعلم لغته الكردية من جدته القوية, والتي احتضنته ولقنته أولى حروف الأبجدية الكردية, وأسمعته نغمة أغاني الأجداد في موطن يبتلع كل غريب عنه.

إنها رحلة الأكراد خارج الوطن الجريح حيث الضياع…ثم الضياع؟! يتبع
—————————————–
* كاتب وشاعر كردي سوري

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جوان سلو


“فلتكن المنصورة محطتي الأخيرة”
بهذه الكلمات الاستهلالية العميقة بدأ الكاتب سطور روايته، وكأنه يريد أن يخبرنا بأن بطل روايته هو كالقطار الذي يسير على سكة الحياة، لتنتهي رحلته في محطة المنصورة، منهكاً من أرق الحياة، غارقاً في مستنقع معاناته، مثقلاً بهموم أبنائه الذين رحلوا بعيداً عنه، ولكن هذه المرة سيسير على السكة برشاقة الأمل والتفاؤل…

أصدر الكاتب الكردي السوري، سربند حبيب، مجموعة قصصية، هي الأولى له، تحت عنوان «بوح الحياة». أصدرها عن دار «نوس هاوس» للنشر والترجمة والأدب، والتي وقعت في مائة وثماني صفحات، وضمّت بين دفّتيها ست وثمانين قصة قصيرة جداً، كانت شاهدة على عالم القاصّ الذاتي، الذي هو انعكاس للشعور الجمعي، عالم مكتوب بأحاسيس ومشاعر كبيرة.

تحتوي المجموعة على…

أصدرت دار نوس هاوس للنشر والترجمة والأدب، الطبعة الثالثة، من المجموعة الشعرية «جحيم حيّ»، للشاعر الكردي السوري، إدريس سالم، والتي وقعت في (124) صفحة، وفيه قصائد بأغراض شعرية مختلفة، مكتوبة ما بين أعوام (2010م – 2019م).

تبدأ المجموعة الشعرية، بقصائدها العشرين، المحصّنة، المختارة بعناية، والمكتوبة في بداية اندلاع الحرب في سوريا بنصف كلمة تركت أثراً بليغاً…

خالد إبراهيم

رقم 7776، قف
كان السجان قاسيًا، لكن صيدنايا كانت أشد قسوة. لا أحد يفهم قسوة هذا المكان إلا من مر به، ومن دخل إلى جحيمه. هذا المكان ليس مجرد زنزانة، بل هو وجود مشوه يعيد تشكيلك كل لحظة. كان السجان يقف هناك كجدارٍ لا يشعر، وعيناه حفرٌ عميقة تجسد الزمن الضائع، كما لو أن الأرض…