مشاهد من الداخل

إبراهيم محمود 

وقالت لي الدجاجة:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للدجاجة:
صدقت يا دجاجة!
فنصي بيضة طازجة، تنبذ كل قارئ بفساد صفار ذوق.
وقال لي الحَمَل:
ما أشبهك بي في كتابتك !
فقلت للحمل:
صدقت يا حمل !
فنصي مجرَّدٌ من الأنياب والمخالب لمن دافعُه الطّيب .
وقال لي الحمار: 
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للحمار:
صدقت يا حمار!
 فنصي صبرُ،  ورفسة موجهة إلى من يقرأه مقلوباً على وجهه .
وقال لي النمر:
ما أشبهك بي في كتابتك !
فقلت للنمر:
صدقت يا نمر !
فنصي قفزة بليغة تدفع بقارئه لأن ينظر إلى الأعلى .
وقال لي الحصان:
ما أشبهك بي في كتابتك !
فقلت للحصان:
صدقت يا حصان!
فنصي يحفّز قارئه لأن ينظر إلى البعيد البعيد .
وقال لي الضبع:
ما أشبهك بي في كتابتك !
فقلت للضبع:
صدقت يا ضيع !
فنصي يزوبع القارئ إن أدخل الشبهة في قراءته .
وقال لي الأسد:
ما أشبهك بي في كتابتك !
فقلت للأسد:
صدقت يا أسد !
فنصي مفتوح كالعراء ويمنح قارئه رحابة التحرك في العراء .
وقال لي البلبل:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للبلبل:
صدقت يا بلبل!
فنصي صفيّ الروح ينعش روح قارئه إن تعامل معه بأفق مفتوح .
وقال العقاب:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للعقاب: 
صدقت يا عقاب !
فنصي يوقِع بمن يعرّفه في جزء يسير منه فقط.
وقال لي البوم:
ما أشبهك بي في كتابتك !
فقلت للبوم:
صدقت يا بوم!
فنصي يحوّل نوم قارئه إلى كابوس، إن أخذه وهو يتثاءب .
وقال لي الحوت:
ما أشبهك بي في كتابتك !
فقلت للحوت:
صدقت يا حوت !
فنصي واسع عميق يصيب قارئه بالدوار، إن اعتبره ضحلاً .
وقال لي النهر: 
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للنهر:
صدقت يا نهر!
فنصي هادئ مثلك، هادر مثلك، تبعاً لمن يحدد علاقته به !
وقال لي الموج:
ما أشبهك بي في كتابتك !
فقلت للموج:
صدقت يا موج!
فنصي وديع كنسمة، عال مرتفع، بما يتناسب وطريقة تناول القارئ لي .
وقالت لي الغابة:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للغابة:
صدقت يا غابة!
فنصي كثيف يضيّع من يستهين بممراتي ومسالكي الداخلية!
وقال لي الجبل:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للجبل:
صدقت يا جبل !
فنصي انزلاقات لمن لا يقرأني دون نقاط استناد وبِرويَّة !
وقال لي العلقم:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للعلقم:
صدقت يا علقم!
فنصي بالغ المرارة لمن يقبل على قراءتي دون الإحاطة بمكوناتي كاملة .
وقالت لي الجمرة:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للجمرة:
صدقت يا جمرة !
فنصي لاسع لمن يحاول العبث بناري .
وقالت لي المرآة:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للمرآة:
صدقت يا مرآة!
فنصي لا يظهِر صورة قارئي إلا إذا استوعبني من الجهات كافة .
وقال لي الطريق:
ما أشبهك بي في كتابتك !
فقلت للطريق :
صدقت يا طريق !
فنصي مفتوح إلى نهايته، وعر، متعرج، وهو يتوقف على سلوك القارئ معي .
وقال لي البرق:
ما أشبهك بي في كتابتك !
فقلت للبرق: 
صدقت يا برق!
فنصي يضيء ليل قارئي أو يشل وعيه تبعاً لموقعه في قراءتي .
وقال لي العشب:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للعشب:
صدقت يا عشب !
فنصي منبسط نعومة وطراوة لمن يدخل نصي بطمأنينة .
وقال لي الشجر:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للشجر:
صدقت يا شجر!
فنصي يرفع بقارئي إلى الأعلى بمقدار ما يمنحني إحساساً شجرياً .
وقال لي الورد:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للورد:
صدقت يا ورد!
فنصي فواح مضاء مع قارئي حين يفتح له قلبه على وسعه .
وقال لي الشوك:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للشوك:
صدقت يا شوك !
فنصي مشوك لأي مدّعي قراءة ليس لديه علم يُذكر بفقه القراءة .
وقالت لي الريشة:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للريشة:
صدقت يا ريشة!
فنصي خفيف الظل لمن يصله بظل ليس ظلَّه.
وقال لي النهار:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للنهار:
صدقت يا نهار!
فنصي لا يضِل إلا من يتنفس الضلال وهو يقبل على قراءتي .
وقال لي الليل:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت لليل:
صدقت يا ليل !
فنصي ظلمة مطبقة لمن يفتقر إلى نور القراءة، أنجمي لمن يقيم حواراً معي .
وقالت لي الساعة:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للساعة:
صدقت ِ يا ساعة!
فنصي يحصي أنفاس قارئي وجدّيته وهو يقبل على محاورتي .
وقالت لي الحياة:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للحياة:
صدقت يا حياة!
فنصي منذور للحياة، ومن يحرّف مساري سيُلفَظ خارجاً .
وقال لي الموت:
ما أشبهك بي في كتابتك!
فقلت للموت:
صدقت يا موت!
فنصي مأهول بالموت لمن لا يسكنه سوى الموت .
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…