عبدالحميد جمو
يا صديقي
ما ظنناه بنيانا
ما كان إلا طلولا
دكتها الهطولات سيولا
ما كان يتراءى ربيعا
بدأ معراجا
حين اقتربنا من الطور
في حضرة قدسيته خلعنا النعال
تقربنا للإله بخشوع
قدمنا القرابين
مؤمنين
وانتظرنا من جلاله
بهاء الهلال
فأمطرنا بالصواعق
أحالنا ظلالا وشتاتا
يا صديقي
مخدوعون نحن
بسطاء ننجرف مع التيار
ننساب كالقطيع
مسلوبي الاختيار
رضينا بالأحلام خيارا
عشقنا العيش فيها
إيحاء خيال
دمار حاضرنا
مبهم مستقبلنا
ماضينا زوابع
بطولاتنا
سرد
عرافة بصرت لنا الفنجان
هي أمنا
و تمسكنا بها
صدقنا وكذبنا العين
و اخترنا الاستمرار
يا صديقي
أ ما كفى تهجدا
أ لم تكل الأجفان
من طود النواميس
أ ما آن
للأماني الحبيسة أن تتحرر
من الأصفاد
أم أن البريق أغوانا
وانسجمنا مع جلجلة الأغلال
يا صديقي
سماؤنا ملبدة بالغيوم
أرضنا مستباحة
جاهلة
لا تعرف من الألوان
إلا الأحمر
و سواد الليل سرمدي
يطغى على النارنج
يقتل براعم الأقحوان
ياصديقي
فقدنا الأحاسيس
كل حواسنا في موت سريري
لا نشعر بلسعة النار
تائهون في لجج الثناء
نحمل كل خيباتنا للأقدار
تاريخنا لا يعرف
القتل؟
وتقتل
أقرانا تجمعنا وحدة الهم
متباهين
و نعلنها انتصارا
للشريان على الشريان
نظلم
نتجبر
والشامت يزين صدورنا
بنياشين العار
أبطال نحن
نتفنن
في كيفية إرضاء الخصوم
صناديد نحن
لطالما نحقق غايات
ونفرض وقائع
تزيد الفرقة
تكثر النقمة
تجهض الهمة
و تمنع تكاثر الأفكار
ياصديقي
كم نحن بارعون
في التيه و التغطرس
بارعون
في التسابق لكسب وهم الألقاب
نعرف كيف تكتم الأنفاس
مغاوير نحن على بني دمنا
نفتح الأخاديد
في صدور الرجال
نعرف كيف نخوض المضمار
بسفاهة الأقوال
وعقم الجدال
بأنف
و نحني صاغرين
أمام موائد الدجال
يا صديقي
ما بعث فينا رسول
يخرجنا من قمقمنا
ويفرض الشرائع
نصوم لاياته ولا نكلم الأنس
يبني لنا متبرا
ينبذ فيه الشقاق
و ينادي حي على الحياة
حي على بناء الإنسان
حي على الحياة
حي على وحدة الدم
من المحيا حتى الممات
فكفرنا بالمواثيق والعهود
وكفرنا بالعبادات
يَا صَديقِي
لَا تُكذِّب
نَحْن مهْزومون
فلَا تُحَاوِل البحْث فِي القواميس
لِتنْتَقي ألْفاظك
وَتظهِر قُوتُك
رَجفَة قَلمِك وَهِي تخطٍّ الأحْرف
تَعكِس حقيقَتك
بِنَاء جمل رَصِينَة
تُقيم بِهَا رَكائِزك الهشَّة
لَا تُشيد قُصُورَك المبْنيَّة مِن السَّرَاب
ولَا تَجعَل مِنْك حَقيقِية
مَا دُمْت فِي دَاخلِك مُنْهارت
مِن اِنكِسار أَنْت إِلى اِنكِسار
لَا تُحَاوِل البحْث فِي تَارِيخ هَزائِمك
عما يشبه الانتصار