مسيرة الجالية الكردية في الإمارات

  خورشيد شوزي

نتيجة لمتطلبات الحياة المعيشية والفقر والبؤس والحرمان الذي يعيشه السواد الأعظم من أبناء شعبنا الكردي ، والتي هي من نتاج الأنظمة القمعية والعنصرية التي تحكمه  فإنه يتطلع للعمل في أية بقعة على هذه الخليقة لتأمين ما يساعده ويعينه في دروب الحياة الوعرة ، ويؤمن له مستوى معين من الحياة الحرة الكريمة التي تحفظ له كرامته وتصونها … نتيجة لما ذكرناه فإننا نرى قسماً كبيراً من الشعب الكردي قد أصبح مهاجراً في الكثير من بلدان العالم ، وتأتي هذه الهجرة لسببين رئيسيين:
الأول:  نتيجة الضغط السياسي والاضطهاد القومي وطمس حقوق هذا الشعب البائس من قبل الأكثرية الحاكمة لأرضه فإن كثيراً منهم يضطر إلى الهرب خارج حدود وطنه خوفاً من السجن من جهة ، ولإيصال صوته إلى باقي شعوب العالم لتسانده في محنته من جهة أخرى ..
الثاني : تأمين لقمة العيش لأفراد أسـرته التي تعيـش في الفقر كنتيجة أساسية للسبب الأول ، وبحيث يستطيع تأمين أدنى متطلبات الحياة الحرة الكريمة.

إن دولة الإمارات العربية المتحدة المضيافة من الدول التي فتحت ربوعها لجميع شعوب العالم على اختلاف أجناسها ودياناتها وهي مشكورة على ذلك ، ونتمنى لقيادتها الحكيمة وشعبها الكريم دوام الازدهار والتقدم … لذلك كانت الإمارات هدفاً للكثيرين من الكرد للعمل فيها ، ومع ازدياد أعداد الكرد فيها تنامت فكرة الحاجة إلى تأسيس جالية للكرد لدى البعض من أبنائها الخيرين ، وأصبحت مطلباً للكثيرين منهم ، فقامت مجموعة من الكرد في العام 1994 م ببعض الاتصالات لإنشاء جالية على غرار الجاليات الأخرى لكن جهودهم باءت بالفشل نتيجة ظروف موضوعية وذاتية ، واتجهت الأنظار نحو إنشاء جمعية لعدم إمكانية الحصول على الترخيص من الدولة لإنشاء جالية معترف بها بشكل رسمي ، وفعلاً أنشأت جمعية تحت اسم جمعية صلاح الدين ، واقتصر عملها على بعض النشاطات الاجتماعية المحدودة … وفي العام 2000 م وبعد حفلة المطرب الكبير شفان برور عقد لقاء مع فناننا في بيت أحد الأخوة الكرد ، وبرزت فكرة إنشاء الجالية مرة أخرى ، واختير من بين الإخوة الحضور سبعة أشخاص للهيئة الإدارية ، ولم يتم تفعيل الأعمال بالشكل المناسب واقتصرت على بعض النشاطات الاجتماعية ، وتكررت المحاولة في السنة التالية … وفي العام  2005 م كانت الولادة الحقيقية للجالية حيث أجريت الانتخابات في فندق هوليداي إن في الشارقة ، وبحضور ما يقارب الستين شخصاً على مستوى بعض إمارات الدولة ، وانتخبت هيئة إدارية للجالية قامت بتنظيم حفلات أعياد النوروز ، وأمسية أدبية ، ومجالس عزاء ، وزيارة المرضى ، ولهم الفضل والشكر لأنهم وضعوا اللبنة الأولى لجالية كردية فاعلة في دولة الإمارات … وقبل ما يقارب الثلاث سنوات ، وبعد إحساس مجموعة خيرة بأن أعداد الكرد في الإمارات قد تزايد بشكل ملحوظ فإن الحاجة إلى تفعيل عمل الجالية أصبحت ملحة للارتقاء بمختلف الظروف المحيطة بالكرد المقيمين في دولة الإمارات إلى الأفضل ، والمساهمة بتقديم الخدمات الضرورية لأبنائها ، وتقوية أواصر المحبة والانسجام بينهم من جهة ومع الشعب الإماراتي والجاليات الأخرى من جهة ثانية ، وذلك من خلال المحافظة على الإرث الثقافي والاجتماعي للمجتمع الكردي عن طريق الندوات والأمسيات والمحاضرات والحفلات ، وكافة الأنشطة الاجتماعية والثقافية … ومن أجل تحقيق هذه الأهداف قامت هذه المجموعة بالاتصال بمختلف شرائح الكرد ومن ضمنهم أعضاء هيئة إدارة الجالية ، واتفقوا جميعاً على عقد مؤتمر عام للجالية لإجراء انتخابات ديمقراطية ، وبالفعل عقد المؤتمر (مع امتناع البعض من الهيئة الإدارية عن الحضور) وتم انتخاب هيئة إدارية جديدة للجالية ، وانتخاب لجنة للأعيان تشرف على عمل الهيئة الإدارية ، ولكن للأسف لم يعترف بعض الأعضاء من القيادة السابقة بالقيادة الجديدة ، وخلال عام واحد قامت الجالية الجديدة بعشرين لقاء مباشراً مع أبنائها ، وأقامت أمسية أدبية ، وحفل تكريم للفائزين الثلاثة الأوائل في جميع المجالات بالتعاون مع مؤسسة سما كرد للثقافة والفنون ، كما أقامت عدة موائد إفطار ، ومجالس عزاء ، وزيارة المرضى ، وتقديم العون المادي والمعنوي للكثيرين ، وإيجاد بعض فرص العمل المتاحة للقادمين الجدد إلى دولة الإمارات … وقبل إجراء الانتخابات المقررة في 1 / 5 / 2009 بثلاثة أشهر قام عدة أشخاص بجهود خيرة لضم الجاليتين في جالية واحدة ، وأقيمت انتخابات مبكرة ، وبعد ولادة عسيرة انتخبت هيئة إدارية جديدة للجالية حيث حرمت المرأة من دورها في قيادتها ، وكذلك حرمت أبو ظبي والعين من ممثليها لأن اللجنة المشرفة على الانتخابات ألغت نظام الكوتا من جهة ، وأجرت الانتخابات في الشارقة فقط ؟ وكان من الأفضل إجراء الانتخابات في أبو ظبي والشارقة كل على حدة ، والأهم من كل شيء أنه أصبح لدينا جالية واحدة … ومما يؤسف له فإن نشاطات الهيئة الجديدة لم تكن بمستوى الطموح بسبب الخلافات والحساسيات بين أعضائها ، ويمكن أن نذكر الحسنة الكبرى لقيادتها بأنها أجرت الانتخابات في موعدها ، وعدم ترشح أعضاء القيادة لفترة أخرى ، وانتخبت قيادة جديدة بالتزكية لانسحاب البعض وتهربهم من المسؤولية بعد أن رشحوا أنفسهم بملء إرادتهم  ، ومع أن المرأة عادت إلى قيادة الجالية  ، وأصبح التمثيل فيها على مستوى كل إمارات الدولة فان غالبية الأعضاء لا يملكون الخبرة الكافية في إدارتها ، ومع ذلك فقد قامت بجهود ملموسة في إقامة أعياد النوروز وندوات وأمسيات أدبية ومجالس العزاء … وهذه الأعمال هي من بين النشاطات الاجتماعية والثقافية للجالية لأنها ليست كياناً سياسياً ، وإنما كياناً اجتماعياً خدمياً لا يحق لأعضائها إثارة النزاعات  السياسية أو الدينية أو الطائفية أو العنصرية … لذلك لا توجد بين أعضائها أية خلافات حزبية أو سياسية حيث أن النظام الداخلي للجالية لا يعترف بالانتماءات السياسية داخل الجالية ، ولكل فرد الحق في الاحتفاظ بأفكاره السياسية الخاصة به ولكن خارج نطاق عمل الجالية ، ويمنع منعاً باتاً إدخالها إلى آليات عمل الجالية ، والتمييز بين الأكراد مرفوض تماماً من حيث التسمية لأن التعامل مع الأفراد لا يكون على أساس المناطق الجغرافية أو الأديان أو الأحزاب السياسية التي ينتمون إليها ، بل على أساس أنه كردي فقط … ولذلك فإنه من المهام الأساسية للجالية هي تقوية أواصر المحبة والانسجام بين أفرادها من جهة وبينهم وبين الأخوة العرب من جهة أخرى عن طريق عقد اللقاءات العامة ، وإقامة الندوات والمحاضرات والحفلات والمناسبات الوطنية والاجتماعية  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…