القامشلي دراسة في جغرافية المدن

  عرض : خالد محمد حمادة

القامشلي أو مدينة الحب كما سماها و تغنى بها الفنان الراحل محمد شيخو ، هذه المدينة الجميلة التي بنيت في عام 1926 مع بناء الثكنة الفرنسية و التي تقع على الربوة الواقعة جنوب مدينة نصيبين التركية بحوالي 2 كيلو متر ، حيث كان موقعها في السابق مقبرة لنبلاء اليونان والرومان .

لقد تغنى و كتب العديد من الكتاب و الشعراء بهذه المدينة الجميلة ، وكل حسب وجهة نظره و بما جادت به قريحته و معرفته ، إلا أن هذا الكتاب “ القامشلي دراسة في جغرافية المدن “ للكاتب و الباحث كوني ره ش حاول في دراسته هذه أن تكون مغايرة أي بنيوية ، وهذا ما أكده في مقدمة بحثه قائلاً : قامشلي مدينة واحدة و شعوب عديدة ، شعوب عديدة في مدينة واحدة ،
 أرى في شعب قامشلي أسرة واحدة ولغات عديدة ، عادات و تقاليد متشعبة ومتداخلة في بعضها البعض إنها حقاً (باريس الصغرى) اكن لها و لشعبها كل الحب ، أنا قامشلي و قامشلي أنا ونحن دائماً معاً ولأجل هذا و ذاك ، رأيت أن أضع هذا الكتاب حول مدينة قامشلي تعريفاً لأبناء بلدي يهذه البقعة الغنية منه ، وحثهم على زيادة الإهتمام بها ، ووفاء بما يجب علينا نحن السكان نحو هذه المدينة الجميلة التي نعيش فوقها .

هذا الكتاب يحتوي على ثلاثة فصول ، يتناول فيه الكاتب كوني ره ش مدينة القامشلي من عدة جوانب ، ففي الفصل الأول يبين لنا الكاتب أهمية جغرافية الجزيرة و يقسمها إلى ثلاثة أقسام ، (الجزيرة العليا ، الجزيرة الوسطى ، الجزيرة السفلى) ، قائلاً : الجزيرة الوسطى التي هي موضوع بحثي أي الجزيرة السورية حيث تقع فيها مدينة القامشلي ، فهي على خلاف البادية ، ذات سهول مترامية الأطراف ومستوية ، ذات تربة صالحة و أعشاب و مراع نامية مع امطار غزيرة ، وهي تقع في أقصى الشمال الشرقي من سوريا .
و يتابع في الفصل الأول من الكتاب تسليط الضوء على الأهمية التاريخية لمنطقة الجزيرة ومدينة القامشلي منذ الفتح الإسلامي “ كما يبدو أن أول اتصال للشعب الكردي في الجزيرة و نصيبين بالجيوش الإسلامية كان في عام 637 -639 م أي بعد فتح حلوات و تكريت “ ، و يبحث الكاتب عن أهمية الجزيرة في كتب البلدانيين و الرحالة المسلمين في العصور الوسطى “ تؤكد المصادر التاريخية أن أول استقرار بشري في الجزيرة يعود إلى الألف الثامن قبل الميلاد ، وأول حضارة ظهرت فيها ، تعود إلى الألفية قبل الميلاد ، وهي حضارة ( تل حلف : واشوكاني ) في رأس العين و أصبحت هذه الحضارة مصطلحاً علمياً يستعمل في عمليات التدوين لدى الأركولوجيين ، أي علماء التاريخ و الآثار “و فيما بعد يبين لنا الكاتب عن أهم العشائر في مدينة القامشلي و الجزيرة تحت عنوان “ نبذة تاريخية عن عشائر الجزيرة أوائل القرن الماضي “ و من العشائر الكردية التي كانت تقطن الجزيرة أنذاك و مازالت “ هي عشيرة الكوجر أو كوجري ميران ، هسنان ، أليان ، أباسان ، شيتية ، هفيركان ، الميرسينان ، بوبلانان ، ملان خضران ، دقوريان ، ملان “ ،و في نهاية الفصل الأول عند موضوع الإستقرار في الجزيرة بعد الحرب العالمية الأولى و نشوء مدنها “ مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، بدأ العمران يزدهر في الجزيرة مرة أخرى ، و بشكل خاص بعد الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) وبعد أن تم ترسيم الحدود السورية – التركية و إستتباب الأمن و الإستقرار ، حيث انشئ في الجزيرة السورية داخل الحدود الشامية جنوب سكة حديد حلب – نصيبين القديمة ، عدة مدن منها : قامشلي ، عامودا ،  الدرباسية ، ديريك ، سري كانييه، تل تمر ، تل براك ، تل كوجر ، تربة سبيه ، جل أغا ، مركدة ، الحسكة .
و في الفصل الثاني من الكتاب يتطرق الكاتب إلى أهمية الجزيرة من وجهة نظر تاريخية ، و ذلك عند إحتلال الجزيرة و معركة بياندور ، ومن ثم التطورات الإدارية الأولى في الجزيرة ، و يركز في هذا الفصل على موقع مدينة القامشلي و القرى المحيطة بها من شهادات المعمرين و بناء قامشلي الأولي و الإستيطان السكاني ، وبالتالي تخطيط المدينة و توسعها قائلا: إلى الجنوب من مدينة نصيبين القديمة ، وعلى ضفاف نهر جقجق بروافده الكثيرة ، القادم من الشمال عبر نصيبين نحو البرية الجنوبية ، والمتدة إلى ما بين جبل عبد العزيز من الغرب و جبل سنجار (شنكال) من الشرق ، قامت حضارات موغلة في القدم و التي تبدو لنا اليوم على شكل تلول أثرية ،و كانت مدينة قامشلي المحدثة قد أصبحت وارثة لتلك الحضارات .
و حينما نتقلب صفحات الفصل الثالث من كتاب القامشلي للكاتب كوني ره ش ، نجد فيه أن الكاتب قدم لنا مدينة القامشلي بصورة رائعة جداً ، و ذلك من الناحية الإجتماعية و كيفية بناء البيوت فيها مؤكداً على دور هذه المدينة في كيفية إدراة أمورها الذاتية عبر طرق إبداعية جميلة ، تحت عناوين “ البيوت القامشلية و تطورها ، الآبار المنزلية ، الخبز البيتي و التنور ، المطاحن المائية في قامشلي ، الإنارة المنزلية ، الخانات والفنادق ، التعليم في القامشلي ، المطابع و الصحافة ، المساجد والكنائس ، القيصريات و الأسواق ، المنتزهات و المقاهي ، النواعير و المباني القديمة ، القامشلي في زيارات رؤساء الجمهورية “ .
و يطلعنا الكاتب كوني ره ش في الصفحات الأخيرة من كتابه القامشلي ، على مناظر رائعة الجمال من خلال ألبوم صور يحتوي على صور لمخطط المدينة منذ القدم و على العديد من الوثائق التي تتعلق بهذه المدينة الرائعة ، ومن أهم هذه الصور “ مئذنة الجامع الكبير ، جرسية كنيسة مار يعقوب النصيبيني ، دير راهبات الأرمن الكاثوليك “ ، بالإضافة إلى صور عن إحداث “ أول مركزللبريد و الهاتف و البرق في قامشلي ، و نهر جقجق ، والأسواق التجارية في المدينة .
هذا الكتاب القامشلي .. دراسة في جغرافية المدن قدم فيه الكاتب كوني ره ش دراسة كاملة و وافية عن منطقة الجزيرة عامة و مدينة القامشلي خاصة ، ومن خلال قراءتي لهذا الكتاب إلتمست فيه مدى الجهد و التعب الذي بذله الكاتب ليقدم للقراء صورة جميلة عن مدينته الساحرة ، ومن خلال هذا الكتاب يتمكن المرء من معرفة أهمية هذه المدينة على الصعيد السياسي و الإقتصادي والإجتماعي ، مدينة أسسها الفقراء و الكادحين و من عدة مكونات و أطياف و أديان ، ليستقروا فيها و يعبروا للأنسانية جمعاء إنه يمكن العيش بسلام وإخاء بين الشعوب إذا أرادوا ذلك ، و مدينة القامشلي اليوم هي تعبير واضح على تأريخها القديم و الأصيل فهي موازييك حقيقي و جميل يعبر عن تطلعات كافة الأطياف و المكونات و الأديان التي تعيش فيها ، و كل ما نتمناه أن تصل سوريا اليوم إلى صورة حية و جميلة عن هذه المدينة المسالمة ، وفي الختام لا يسعني إلأ و أن أقول بأنه كتاب يستحق التوقف عنده و قراءته ، لأنه سوف يعلمنا نحن الأجيال الجديدة التلاحم والتواصل ليناء غد مشرق ، ونحث الكتاب و الأدباء و الشعراء أن يكتبوا عن مدنهم و يتغنوا بها لإن الماضي هو الحاضر و المستقبل .
اسم الكتاب : القامشلي دراسة في جغرافية المدن

المؤلف: كوني ره ش

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…