الفَرَسُ المجنَّحة.. إلى شيرين علمهولي *

هوشنك أوسي

الغروبُ في سجودٍ لها والشُّروق.
الأدغالُ في تهجُّدٍ بها والأنهار.
الجبالُ خاشعةٌ متصدِّعةٌ تبتهلُ إلى طيفها المغادِر:
ألا يا فَرَسَاً من الخزامى والأقاحي، رفقاً بعليلِ النَّسائمِ ودمعِ أكبادِ الأيائل، لا زالَ باكراً الرَّحيلُ.

2
الشَّفقُ البِكرُ، يفتحُ مُصحفَهُ على سورةِ كردستان، الآية 29:

شينْ، والياءُ الأمين، إنَّ الرَّاءَ لَفي رنين، تسبيحاً بحمدِ تكرارِ ياءِ الياسمين في اسمكِ المعسولِ، المجبولِ بعشقِِ “فرهاد” لكِ، توكيداً، أنَّ النُّونَ التي تتوِّجُ اسمك، هي ذاتها التي تختم الكونَ وكردستان والعيون.
هكذا، وبفيضِ الحنين والجسارة، انغرستِ شيرين، سربَ نيازك وأغانٍ كرديّة في السَّماءِ التَّاسعة.
هكذا، ومن فيضِ توقهِ لها، قطفها الله من الدنيا، بأنَّ سلَّط عليها الذِّئابَ المعممةَ بالأحقاد، وأرسلَ جبريلاً وعليَّاً والحلاّجَ لاستقبالها في السَّماءِ الأولى.
هكذا، كان “مم وزين”، “سيامند وخجيه”، “قيس وليلى”، “جاندارك، بيرفان، زيلان، بيرتان، دلال المغربي، جميلة بوحيرد…”، وفرهادكِ، في استقبالك، على عتبة السَّماء الثَّانية، يا شيرين.
هكذا، كنتِ تعبرينَ السَّماواتِ… وتعبُركِ السَّمواتُ مهرجاناتٍ ومواكبَ أعراسٍ، وأنتِ تنثرين سكَّرَ الشَّفقةِ وسمسمَ العفوِ على قتلتكِ.
هكذا، جمحَ بكِ عشقُكِ، إلى أن غدوتِ السَّماءَ العاشرة.

3
صهيلُكِ والمطرُ، ورفيفُ أجنحة الملائكةِ ورنيمها، ترتُّلً كردستانَ على أسماعِ البرابرة:
قصدكمُ الدَّياجيرُ وعَمْدُكمُ. وهذي عروسُ الجداول والبراري، تركت خلفها وشاحها، دفترَ آلامها، بندقيَّتها والأغلال.
هي ذي، سماءٌ عاشرة، تخيُّمُ على جبالها والوديان، على قراها والبيوت.
كانت فرساً مجنَّحة، غدت وطناً مجنَّحاً.
أمستْ قصيدةً من وجعِ الإنسان، أضحت شعباً من وجعِ القصائد.

27/5/2010
اسطنبول
ـــــــــــ

* مناضلة وسجينة سياسيّة كرديّة إيرانيّة، أعدمتها السلطات الإيرانيّة شنقاً مع أربع من رفاقها، فجر يوم 19/5/2010. كانت تبلغ من العمر 29 ربيع.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

في حضرةِ الشعر، حيث يتناسلُ المعنى من رمادِ الكلمات، وحيث يشعلُ الحرفُ فتيلَ الوجود، يولد هذا الديوان: جحيم الأمل.

ليس عنواناً عابراً ولا استعارةً تلقى على عتبة الصدفة، بل هو صرخةٌ تتناوبُ فيها النارُ والندى، وتتعانقُ فيها خيبةُ التاريخ مع شغفِ الإنسان الذي لا يعرفُ الاستسلام.

“جحيم الأمل” انعكاسٌ للروح حين تلقى في أتونِ الأسئلة الكبرى، في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

يَقُولُونَ

: لِمَاذَا تَكْتُبُ قَصَائِدَ حَزِينَةً

دَمْعُ هُمُومٍ مَآسِي رَهِينَةٍ

قُلْتُ : مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ

مَنْ جَمَعَ الْبَشَرَ عَلَى السَّفِينَةِ

قَالُوا : حِكَايَاتٌ رِوَايَاتٌ

قُلْتُ : تَوَارَثْنَا الْعُرَى

نَمْشِي عَلَى أَرْضٍ جَرْدَاءَ قَرِينَةٍ

هَذَا الْوَطَنُ

كُورٌ فِيهِ كُلُّ الْأَجْنَاسِ رَغْمَ أَنِينِهِ

عَرَبٌ أَكْرَادٌ مَسِيحٌ تُرْكْمَانٌ صَابِئَةٌ

بِأَلْوَانِ بَنَاتِهِ وَبَنِينِهِ

مِنْ حَضَارَاتٍ ذَهَبٍ وَصُولْجَانٍ

وَفُرْسَانٍ وَقَادَةٍ

تُخْرِجُ الْأَسَدَ مِنْ عَرِينِهِ

………….

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَآذِنِ

دُقَّتْ أَجْرَاسُ الْكَنَائِسِ

وَتَجَلَّتْ أَلْوَاحُ السَّمَاوَاتِ

طَافَتْ وَهَبَّتِ الْفَيْضَانَاتُ

عَلَى الْخَنَاجِرِ…

سيماف خالد محمد

في المطبخ كعادتي كل يوم استيقظتُ على فنجان قهوة أُحاول به أن أفتح عينيّ وأمنح نفسي شيئاً من التركيز قبل أن أبدأ بتحضير الغداء.

بينما كنتُ منشغلة بالطبخ أفتح هذا الدرج وذاك، دخلت أختي مايا تحمل لابتوبها جلست أمامي، فتحت الجهاز لتعمل عليه وكأنها أرادت أن تؤنس وحدتي قليلاً وتملأ صمت المطبخ بأحاديث خفيفة.

لم…

فراس حج محمد| فلسطين

تثيرني أحياناً في بعض الكتب عتباتها التمهيدية، من الغلاف وتصميمه، وما كتب عليه في الواجهة وفي الخلفية (التظهير)، والعتبات النصيّة التمهيدية: العنوان، والإهداء، والاقتباس الاستهلالي، وأية ملحوظات أخرى، تسبق الدخول إلى عالم الرواية أو بنيتها النصيّة.

تقول هذه العتبات الشيء الكثير، وتدرس ضمن المنهج البنيوي على أنها “نصوص موازية محيطة”، لها ارتباط عضوي…