الهوية حمراء

الهوية حمراءٌ
والجيب خاوٍ
والجوع كافر
وذو الأربعين يوماً يبكي الليل كله بعد أن جف ثدي أمه الشاحبة بفقر في الدم كما قال الأطباء وعزوه إلى سوء في التغذية  . استفاق الفجر قبل الآذان ووضع شهادتة الجامعية في حقيبته بعد أن دست فيها زوجته خاتمها الوحيد المتبقي , واستقل القطار يروم الشام , يبتغي وظيفة . وفي الشام تقاذفه السماسرة على أبواب الوزارات والمديريات وعصروه حتى آخر قطرة من دمه. والمبيت في الفنادق يحتاج إلى موافقة جهات أمنية عدة وإلى مال كثير في ظل الغلاء الفاحش فأبى أن يقيم فيها , يجول النهار بين مبان الدولة حتى المساء ممنيا نفسه بوعود هنا وهناك وعند المساء يتعشى بصحن من الحمص  أو صندويشة من الفلافل , وفي حديقة عامة يفترش مقعداً ويتوسد حقيبته غير بعيد عن ضريح جده الأيوبي .

دار وجال حد الإحباط ثم عاد إلى بيته بخفي حنين .
الهوية حمراءٌ
والجيب خاوٍ
والجوع كافر
وصاحب الدار نفد صبره وهو ينتظر سداد اجرة البيت ومل من وعوده وأنذره مخيرا إياه بين الدفع أو الرحيل . ودار جده قريبة منه ولكنها محرومة عليه ومسجلة باسم غريب عن الديار في سجلات الدولة , وأمه العجوز تعاني من ربوٍ مزمن وقصور في وظيفة القلب , وليس لها غيره يمدها بعلاج يبقيها على قيد الحياة , وستة أفواه تطلب الخبز كل يوم , وما من أحد يمد إليه يد العون , فأبناء عمومته الأقربون مشغولون عنه بخلافات مزمنة فيما بينهم .
فكر ملياً واستخار كثيراً فلم يجد بداً من الرحيل . 
الرحيل عن مستنقع الاضطهاد وموطن الفساد .
لملم أطلال قواه المادية والمعنوية .
وقرر الهجرة .
الهوية حمراءٌ
والجيب خاوٍ
والجوع كافرٌ  
وعنده تنسى السماء اسمها الرحيم .
وتمتشق في وجهه سيف العقاب .

وفي دربه تتحول الأسماك إلى قراصنة لا تتغذى إلا بلحم البشر .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…