أبيع نفسي..!

دهام حسن

مرجان أحمد مرجان عنوان لفيلم مصري كوميدي، وهو أيضا اسم بطل الفيلم نجم الكوميديا الفنان عادل إمام، الفيلم يتعرض لواقع، الفساد المستشري في مصر على نطاق واسع، وأحداث الفيلم يمكن أن تنسحب على عالم واسع، الفيلم ينحو منحى انتقاديا، فيه جانب من الجرأة غير قليل، ومرجان أحمد مرجان هذا، تاجر عقارات كبير، وصاحب ثروة ضخمة، سطع نجمه كنار على علم، وطالت يده، حتى اصطبغت صورة البلاد بصورة أمثاله، فرغم أنه لم يكمل تعليمه برز على نطاق واسع في المجتمع، وعلى صعيد البلاد، كشخصية متنفذة، له حضوره واعتباره في مختلف الميادين، فظهر في الوسط الثقافي كشاعر، فصارت تعقد الحلقات لطلبة الجامعة للاحتفاء به، والإشادة بمجموعته الشعرية التي حملت عنوان (أبيع نفسي) رغم تدني مستوى نصوصه، وخلوّ المضمون من أي معنى، كانت مدعاة للسخرية وجلبة لهزء وضحك الطلبة..
لكن الشيء الملفت في هذه الشخصية التي ترمز إلى الفساد والإفساد، من أنها تفلح دائما في شراء الذمم، كما تتيسر أمورها في كل مرة، وهو الرجل الأول يشار إليه بالبنان في أي محفل يحل فيه، فهو الشاعر الأول في النظم، واللاعب الكروي الأول بتسجيل الأهداف، وهو عضوّ في البرلمان المصري بعد أن هزّم منافسته الدكتورة جيهان، رغم ما تمتعت الأخيرة من مؤهلات علمية، وما تميزت من قدرات ومصداقية واستقامة مع الصرامة في مهنتها، وأخيرا استطاع أن يشتري ذمة رجل مثقف عندما أطمعه بوظيفة مغرية مقابل أن يتخلى عن خطيبته الدكتورة جيهان، ليتركها فريسة في براثن مرجان أحمد مرجان، ليفلح في آخر المطاف بالقران منها..وينتصر أخيرا الفساد على القيم والمبادئ..فما هي ترى الدروس المستقاة من هذه المشاهد حيث ينتصر الفساد في جولات وجولات. .

بعد أن استعرضنا مشاهد كتابية من الفيلم، أقول هل الوقع حقا بهذه القتامة والسوداوية، حتى يأخذنا الإحباط وروح الاستسلام لأمثال مرجان.؟ وبالتالي أين عناصر النضال والتضحية والجراءة والاستقامة، حتى نعقد عليها الآمال.؟

علينا بداية أن لا نلقي باللوم على شخصية مرجان فهو نموذج للإنسان الذي يعبر عن نفسه من خلال مصلحته، ولا يمكن أن نتوقع منه غير ذلك، فهو ذاك الإنسان الذي يرمز إلى الفساد والإفساد، لكن اللوم يقع على هؤلاء الراكعين أمامه، لهذا فملاحظتي هي أنني أرى من أن ركوع الناس أمام المغريات، ربما يكون أقوى من صمودهم في وجهها، من خلال الفيلم وأيضا من خلال واقع الحياة، وأنا في هذي الحال لا ألوم الراكعين بقدر ما أحمل الظروف تبعية هذا الانحدار بالناس، وهذه السقطة لهم..  فلو تيسر لهؤلاء مستوى من العيش الكريم، لما تخلوا عن قناعاتهم ولما ضربوها عرض الحائط، لكن عندما يعم الفساد على نطاق واسع، وتضيق بهم الحيلة، ويفقدون الرجاء تراهم يستسيغون مرارة الواقع وكأنهم يمتثلون لقول المعري الشاعر عندما يقول:

ولمّـا أن تجهّمني مـرادي
جريت مع الزمان كما أرادا
إن القيم والمبادئ ترسم في مخيلتنا صورة للإنسان المثالي غير الموجود في حياتنا، وهيهات أن نلتقي به في الواقع المعيش، أو بالأحرى هو غير موجود في واقع الحياة..ولكن في الوقت نفسه نقول لهؤلاء الذين أفسدهم الدهر. إن البشر لا ينحصر فيكم وحدكم، فتدجين العشرات على أيدي هؤلاء التجار والمرابين من شاكلة مرجان أحمد مرجان وأمثاله يبقي بالتالي على الملايين في منأى من الفساد، وفي منجى من أمثال مرجان، وعلى هؤلاء تعقد الآمال، فإذا كنتم محط ازدراء الناس، فغيركم معقد الرجاء.. فمرجان وأمثاله يسهل عليهم تسويد صفحات الناس، لكن بالتالي من الصعب تبييض تلك الصفحات بعد لوثته مهما تلون الانتهازيون، وهم على مرأى ومسمع الجميع مهما تواروا خلف الأقنعة..! إن كثيرا من القيم والمبادئ التي ننشدها اليوم، تتطــلّع إليها أكثرية البشر، لأنها من مصلحتهم وبالتالي تقرّها الأخلاق النابذة للفساد والإفساد، فإذا كان للباطل جولة، فللحقّ ألف جولة.! إن ركض بعضنا وراء أنانيته فحسب، ووقوعه في فخ الإغراءات، واستهتاره بالآخرين الصامدين، يفقده جوانب إنسانية كثيرة، ومن هنا يتدنى مستواه الاجتماعي، ولا تروج بضاعته الثقافية، لأن صاحبها يفقد مصداقيته العلمية، ولكن بعض الناس لا يتعظون..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

فراس حج محمد| فلسطين

تتعرّض أفكار الكتّاب أحياناً إلى سوء الفهم، وهذه مشكلة ذات صلة بمقدرة الشخص على إدراك المعاني وتوجيهها. تُعرف وتدرّس وتُلاحظ تحت مفهوم “مهارات فهم المقروء”، وهذه الظاهرة سلبيّة وإيجابيّة؛ لأنّ النصوص الأدبيّة تُبنى على قاعدة من تعدّد الأفهام، لا إغلاق النصّ على فهم أحادي، لكنّ ما هو سلبيّ منها يُدرج…

عمران علي

 

كمن يمشي رفقة ظلّه وإذ به يتفاجئ بنور يبصره الطريق، فيضحك هازئاً من قلة الحيلة وعلى أثرها يتبرم من إيعاقات المبادرة، ويمضي غير مبال إلى ضفاف الكلمات، ليكون الدفق عبر صور مشتهاة ووفق منهج النهر وليس بانتهاء تَدُّرج الجرار إلى مرافق الماء .

 

“لتسكن امرأةً راقيةً ودؤوبةً

تأنَسُ أنتَ بواقعها وتنامُ هي في متخيلك

تأخذُ بعض بداوتكَ…

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…