رزو أوسى … الكاتب القدير … والوداع الأخير

برزو محمود

غادر رزو أوسي الكاتب الكردي الذي لم يتجاوز الستين من عمره هذا العالم نتيجة داء عضال أصيب به، وخاض صراعاً مريراً مع مرضه، دام فترة تسعة عشر شهراً إلى أن وافته المنية في مساء يوم الخميس بتاريخ 4/3/2010 . في الحقيقة تألمت كثيراً لدى سماعي بنبأ وفاته، وخاصة أنه تعذب عذاباً شديداً في الأشهر الثلاثة الأخيرة، لكن في النهاية تأتي النهاية، وهي قانون الحياة وسرها، لذا ليس أمامنا ما نستطيع أن نقدم له، سوى أن نهدي إلى روحه الطاهرة ألف تحية. وفي الوقت الذي نعزي زوجته وولديه سالار ورولان، نعزي أنفسنا أيضا بفقداننا لشخصية كردية قدّم الكثير للثقافة الكردية، وكرس معظم حياته في العمل والنضال في سبيل هذه القضية سواءً في المجال السياسي أو الثقافي أو الأدبي.
كان رزو إنسانا صادقاً، بسيطاً، مهذباً، طيباً، مضحّياً، يحب البساطة في التعامل، يحترم ذاته ويحترم الآخرين جميعاً دون تفرقة، كان جليساً حلو المعشر، لا يُمل، جاداً في حديثه مع الآخرين يتخللها النكتة وخاصة مع أصدقائه في الجلسة. ويطرق أبواب مواضيع عديدة في السياسة والاجتماع والأدب، إلا أنه كان صلباً في بعض أرائه الأدبية واللغوية. وكان حساساً في المسائل النقدية إذ كان يفضل النقد غير المباشر وبطرق مهذبة ودبلوماسية لكي لا يتحول النقد إلى صراع شخصي ومعارك جانبية. وكان يطرح المواضيع الخلافية حتى التي كانت تمسه بشكل مباشر في حدود الاحترام واللباقة، دون أن يطلق العنان لنفسه في الكلام بالاتجاه السلبي ضد خصومه في النقد.
الكاتب القدير رزو أوسى رغم انشغاله المستمر وفي مدة طويلة من عمره إذ كرس الكثير من أوقاته في خدمة الكتابة باللغة الكردية والارتقاء بها في حدود إمكانياته، حيث كان عضواً مؤسساً في رابطة كاوا في سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه تأخر كثيراً في نشر أعماله لأسباب عديدة حالت دون نشرها. رحل الصديق العزيز رزو أوسى وهو لا يزال يفكر بانجاز مشاريعه في الكتابة والنشر في مضمار التراث الكردي إذ كان قد كتب صفحات غير قليلة، هذا ما صرح لي قبيل مرضه بأشهر، وكنت دائماً ألح عليه كثيراً أن لا يضيع أوقاته في المجالس اليومية والحديث المسهب في مسائل هامشية وعرضية ذات طبيعة خلافية تظهر في الثقافة الكردية هنا وهناك، والأفضل له أن يتفرغ في بانجاز أعماله الكتابية.    
رزو أوسى بدأ العمل منذ أن كان يدرس الجامعة في روسيا وبعد أن تخرج من الجامعة فرع الهندسة وعاد إلى وطنه سوريا، انخرط في صفوف النضال الحزبي، إلا أنه ونتيجة لميوله الأدبية والعمل في مجال الكتابة باللغة الكردية هاجر العمل الحزبي وتفرغ للكتابة في الصحافة الكردية حيث كان محرراً رئيسياً في مجلة (ستير) الأدبية، التي بدأت مسيرتها في ربيع عام 1983 وكان يرافقه في العمل التحريري في المجلة الأخ زاكروس حاجو الذي هو الأخر قدم جهداً غير قليل في هذا المجال.     
رزو أوسى واحد من مجموعة قليلة العدد بدأت بالعمل في مجال الصحافة المدونة باللغة الكردية، حيث التقيتُ به لأول مرة في عام 1992  في الاجتماع الأول والمقرر من أجل توحيد ثلاث مجلات أدبية كردية في مجلة جديدة أسميناها (ﭙرس) فيما بعد وباشرت المجلة مسيرتها حيث صدر حتى الآن حوالي ثلاثة وأربعون عدداً. رزو أوسى لم يكن كاتباً عادياً بل كان يتمتع بموهبة لغوية أصيلة، وهذا واضح ليس فقط في أحاديثه ومناقشاته الأدبية واللغوية التي كنا نتداولها فيما بيننا، بل في نصوصه الشعرية وقصصه الأدبية القصيرة ومقالاته. حقيقةً لعب الفقيد دوراً كبيراً في مسيرة العمل في خدمة اللغة الكردية وعمل لفترة ما في تعليم الشباب اللغة الكردية قراءةً وكتابةً. وبذل جهداً كبيراً في تعلم لغته ودراسة أدبه وجمع فولكلوره، و كان يسعى بشتى السبل من أجل الارتقاء بلغته الكردية ونشرها عن طريق الصحافة الحزبية.    
ستبقى ذكراه خالداً في قلوبنا وعقولنا ونتمنى من ولديه سالار ورولان العمل على خطى والدهما والسعي في طبع ونشر كتاباته وأعماله مستقبلاً، وخاصة التي لم تر النور بعد.

رحمك الله رزو صديقا محبا.. بسعادة وفائدة وفرح عرفناه، وبأسى وحزن كبير فقدناه.. وداعا أيها الصديق.. وداعا – يا للأسى- لا لقاء بعده..  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…