صاحب القلب الكبير… إلى أستاذي الأديب: عبد الحفيظ عبدالرحمن

نارين متيني

 عندما كنت طالبة في الصف الثاني الإعدادي، كتب لي أن أتعرف على عدد من المعنيين  بالكتابة وهم قلة وكان الأستاذ عبد الحفيظ أبو نسرين واحدا منهم، تعرفت عليه عن طريق أحد أقربائه.

في المرة الأولى التي التقيت خلالها بالأديب الكوردي عبد الحفيظ عبدالرحمن كانت في مكتبته حين سألته عن اسم أحد الكتب، فقال بهدوئه المعروف عنه، سأؤمن لك ما أستطيع من كتبه. بعد يوم واحد فقط مررت على مكتبته التي كان يعمل فيها بروح شاعر لا بعقل تاجر، ويتجمع حوله العشرات من المهتمين بالثقافة، و يساعد كل واحد منهم، حتى علمنا أنه اضطرو أغلق المكتبة، لأنه لم يكن من أمثال هؤلاء الجشعين الذين يمكن أن يغتنوا إن كان عندهم محل تجاري كهذا
أنا كنت واحدة من الكثيرين الذين استعاروا نصف ما قرأته بلغتي الأم من الكتب الأولى منه، ولم يكتف بذلك بل علمني قواعد اللغة، مع غيري، دون أي مقابل، سوى أن ذلك كان  يريح ضميره، وكان يتعامل معنا كما يتعامل مع بناته وأولاده، مع أنه كان شاباً يشتعل حماساً
تعلمت من أستاذي عبد الحفيظ الكثير مثل: احترام كل الناس وعدم دخوله في التفاهات التي كان يثيرها البعض من المتثاقفين الذين  كانوا آنذاك يدخلون على خط الكتابة والأدب ويخدمون أسماءهم أكثر من خدمة الثقافة والأدب لأنهم كانوا الأجهل بذلك، وكان عبد الحفيظ من النوع القليل النادر الذي يعتبر أن غرس روح حب الثقافة والأدب  في  نفس الموهوبين هو مشروعه الكبير
 
أعرف أن الكثيرين من الذين تعلموا حب اللغة والكتابة وتطوروا على يد الشاعر والأديب واللغوي عبد الحفيظ قد لا يتذكرونه لا الآن ولا قبل الآن بعد أن جعلوا من ذلك معبرا لهم للحياة الاجتماعية من أجل البروزة ولا يريدون ذكر اسماء المخلصين من أبناء هذه المدينة لانهم يشعرون في ذلك بانتقاص في أنفسهم نتيجة عدم الثقة بالذات وعدم وجود مشروع استراتيجي صادق لهم.
 
لم أسمع من الأخ والأب والمربي الأديب الكوردي  أبو نسرين يوماً أنه ذكر اسم مثقف ما بالسوء كما أصبح الآن صفة مرافقة للمدعين ولا اقصد الكتاب الاصلاء حين تسألهم ماذا عن ابداعك فيقول فوراً فلان ليس بكاتب وفلان ليس بشاعر وفلان ليس بباحث وفلان ليس بسياسي وفلانة ليست وفلانة ليست  وهكذا وهذا أقل ما في أساليبهم التي لا يصدقها أحد وتسيء إليهم وليس إلى هؤلاء وهي بسبب انهزامهم  والنفوس المريضة للبعض
 
لم أجد يوما ما أن قال هذا الشاعر  كلمة إلا وكانت صادقة ولا أظن أن أي شخص يعرفه لا يعرف مثل هذه الصفة التي قلما نجدها حولنا فيمكن الاعتماد على أصحابها
 
 ماذا فعلنا لهذا الكاتب، هل يمكن أن نكتب بيانا فقط للتضامن معه؟ هل يكفي أن نوقع على التضامن معه؟  كيف نريد من المثقف أن يخدم أهله وثقافته ولا نهتم به مع أن الأديب عبد الحفيظ لم يكن سياسيا  بل كان أديبا صادقا نظيفا في غاية النظافة
 
 أستاذي عبد الحفيظ اني بخجل اعتذر منك ليس عندي ما أفعله إلا الاعتراف  بصدقك ونبلك ونزاهتك وانا لا اقول عن احد الا اذا كان هكذا ولا اظن ان هناك من لا يقول غير مثل هذه الصفات عنك ان كان صاحب ضمير او حتى دون ضمير وما اقوله عنك الان هو البعض الذي يمكن ان اعترف به هنا لشاعر نفى من قاموسه الكره والحقد ولا يوجد في قلبه إلا محبة كل الناس.
 
الحرية لصاحب القلم الحر

الحرية لأستاذي وأخي الأديب عبد الحفيظ عبدالرحمن

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبري رسول

 

توطئة للفسحات:

يهندس خالد حسين أشكال الحب في قصيدة: واحدة، في مجموعته رشقة سماء تنادم قلب العابر الصادرة عن دار نوس هاوس بداية 2025. المجموعة عبارة عن أربع فسحات، وهي الفهرسة الهندسية الخاصّة التي تميّزت بها، أربعة أقسام، كلّ فسحة مؤلفة من أربع فسحات صغرى معنونة، وتحت كل عنوان تندرج عدة مقاطع شعرية مرقمة وفق…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “ليالي فرانشكتاين” للروائيّ والفنّان الكرديّ العراقيّ عمر سيّد بترجمة عربية أنجزها المترجم ياسين حسين.

يطلّ عمر سيّد “ليالي فرانكشتاين”، حاملاً معها شحنة سردية نادرة تمزج بين الميثولوجيا السياسية والواقع الجحيمي، بين الحكاية الشعبية والتقنيات المعاصرة، ليقدّم نصاً مكثّفاً عن الجرح الكردي، وعن الوطن بوصفه جثةً تنتظر التمثال المناسب كي تُدفن…

عبد الجابر حبيب

 

يا لغرابةِ الجهات،

في زمنٍ لا يعرفُ السكون،

وعلى حافةِ قدري

ما زالَ ظلّي يرقصُ على أطرافِ أصابعي،

والدروبُ تتشابكُ في ذاكرتي المثقوبة،

ولا أحدَ لمحَ نهايتَها تميلُ إلى قبري،

ولا حتى أنا.

 

على الحافة،

أُمسكُ بزهرٍ لا يذبل،

يتركُ عبيرَه عالقاً في مساماتِ أيّامي،

كأنّه يتسرّبُ من جلدي

ثم يذوبُ فيّ.

 

الجدرانُ تتهامسُ عنّي،

تعدُّ أنفاسي المتعثّرة،

وتتركُ خدوشاً على جلديَ المتهالك،

كأنّ الزمنَ

لا يريدُ أن…

إبراهيم محمود

 

 

1-في التقصّي وجهيّاً

 

هي ذي أمَّة الوجوه

غابة: كل وجه يتصيد سواه

 

هي ذي أمة الوجوه

سماء كل وجه يزاحم غيره

 

هي ذي أمَّة الوجوه

تاريخ مزكَّى بوجه

 

ليس الوجه التقليدي وجهاً

إنه الوجه المصادَر من نوعه

 

كم ردَّدنا: الإنسان هو وجهه

كم صُدِمنا بما رددناه

 

كم قلنا يا لهذا الوجه الحلو

كم أُذِقْنا مرارته

 

قل لي: بأي وجه أنت

أقل لك من أنت؟

 

ما نراه وجهاً

ترجمان استخفافنا بالمرئي

 

أن…