من الشعر تعلمتُ الطيران والكذب

  إبراهيم حسو      

1

من دون أن تكون لي أظفار ناعمة كتبتُ أشعاراً خشنةً.
عندما كبرتُ وصرتُ وحشاً من دم ولحم وشحم وغيره
كتبتُ حياة البراري والمستنقعات والكهوف
من دون أن أعرف طريق الكتابة والهواء والركض في الغيم.
عندما صرتُ في الصف الأول من الحياة
كتبتُ روايةً شخصياتها من تراب ونار معتقة.
عندما فتشت عن نفسي في السوق والجامع والكباريه والمقهى المخصص للمثقفين البورجوازيين
لم أجد نفسي اكتب الشعر مثلما كتبته وأنا في البرية مع بنات آوى وخالات الضباع التي كانت تقود الريح خلسة.
2
عندما أبقى معكِ هنا على سطح الشعر من دون أن نكون قد التقينا من قبل، عندما تشتد عضلة جنوني، أضرب الكلمات بالكلمات والمفردات بجمع التكسير، لتتكسر اللغة مثل بطيخ وينهمر رذاذ الكون وتخضوضر الصخور من جديد وقلبي الأصفر المريض يعود إلى حمرته، كأنه امتلك الحب للمرة الأولى.
عندما ينام الناس في يدي وأصبح الوحيد في هذا العالم ساهراً شاحباً كذئب مصاب بطلقة برد، أكتب عنكِ شعراً فاسداً مثلّجاً كوجودك، متمنياً أن أصاب بأنفلونزا الخنازير الرائعة. عندما اكتب واشطب وأكسر قناني الشعر بركلة طائشة من قلمي من دون أن يوبخني أخي الكبير أو أمي المراهقة التي تشبه شفتاها حرشفة سمكة الشبّوط وشعر رجليها مثل مخلب النمر في أول طلعته. عندما يصطف الشعراء خلف نجمة مارة بالصدفة ويصبحون بين نجمة ولياليها مريدي الضباب.
عندما لا أحبّكِ، اكتب أكثر وأمارس قيادة الهواء بيدٍ واحدة من دون أن ترتج أعضائي التناسلية قيد أنملة.
عندما تحبّينني في الضوء وقدّام الناس وخصوصاً أمكِ التي ترتعب مني أنزل وأرتفع كطائر لم يلمس الهواء بعد.
عندما تحبّينني كأي رجل تصادفينه في النوم وأنتِ في لباس النوم، لا أعرف الكتابة والسهر وممارسة الحب مع اقرب جملة شعرية.
عندما تكونين هنا في حضني المليء بأشواك البرية، احتار أي نوع من أنواع الشعر يمكنني إلقاؤه من الشباك.
عندما تشعرين بالقراءة لمجمل الصيف الذي أمضيناه تحت فراش مبلول بمنيًّ مجهول الهوية لرجال تعرفينهم قبلي وعرفتهم بعدك.
عندما تفتحت أجنحة طيور السنونو على شجرة يديك، وكتبت معي شعراً لذيذاً لم نذق طعمه من قبل.
عندما كبرت وصرت شاعراً معروفاً، ما عدتُ اكتب الشعر عنك.

3

من الشعر تعلمت الصياعة والطيران في جسدك وأدمنت الحشيشة في أدغال اللغة.
من الشعر صرت أغنى شاعر في القصيدة. في الوقت نفسه صرت طائرا يحمل معه 2050 قنبلة بلاستيكية لتفجير اللغة.
من الشعر نلت جائزة واحدة هي البقاء على قيد حياتك.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حسن عبادي| حيفا

رافقت زوجتي سميرة إلى طبريّا للمشاركة بمؤتمر أدارته وترأسته تناول مواضيع تختصّ بالمسالك البوليّة، مؤتمر استمرّ ثلاثة أيّام وتمّ بنجاح باهر، ورافقني في مشواري كتاب “سِرُّ الجملةِ الاسميّة” للكاتب فراس حج محمد (في تأمّل تجربة الكتابة، تقنيّة الكتابةِ بالجملة الاسميّة، 222 صفحة، الصادر عن الرقميّة للنشر والتوزيع الإلكتروني، القدس، فلسطين. صدر له 35…

غريب ملا زلال

لا يتخلى الفنان الكردي قرني جميل عن هويته وخلفياتها، فهو يتعمد إظهارهما في كل أعماله التشكيلية، لكنه ينقل لنا نظرته إلى العالم وإلى كل ركن فيه، بداية من رحلة هجرته التي أثرت فيه فكريا وفنيا وصولا إلى الآخر بصفته إنسانا مثله قد تغلبه مساوئه وتجعله عنصرا مدمرا للطبيعة والكائنات والحياة، فشعار لوحاته أن…

تنكزار ماريني

 

فن الكلام هو فن الخطابة والتعبير المقنع، وهي عنصر أساسي في علوم الاتصال والتربية السياسية. تاريخياً، تعود أصول البلاغة إلى اليونان القديمة، مع نظراء بارزين مثل أرسطو، أفلاطون، وسقراط، وتم تطويرها في العصر الروماني بواسطة شيشرون وكوينتيليان. في العالم الحديث، تظل البلاغة ذات صلة في السياسة، والإعلان، والقانون، والتواصل اليومي.

أسس فن الخطاب. يستند فن…

علي شيخو برازي

گنج يوسف باشا الدوگريني الملّي ” كنج يوسف باشا “ والي الشام ١٨٠٧ ١٨١٠. وقد سميت دمشق في العهد العثماني بلواء ” شام شريف ” , وكانت تتألف من : 7 أقضية و1 ناحية و 59 مزرعة و 357 قرية في أواخر القرن التاسع عشر. أما ولاية الشام فقد كانت تضم السناجق (…