ما بعد (المسير) ؟

صلاح علمداري

…. وجدت نفسك تسير! كما يسير الاخرون . خذلتك الذاكرة عندما اردتها ان تعود بك الى الخلف…الى حيث اردتها ان تصل و لهذا عجزت انت وتعجز الان ايضا عن تحديد بداية المسير هذا زمانا ومكانا ومغزى !.
عجزك لم يظهر فقط هنا بل ومن قبل ذلك ومن بعد ذلك عجزت عن ايجاد الاجوبة لاسئلة كثيرة سالتها بنفسك لنفسك او سالك الاخرون او خرجت اليك من ثنايا الزمن ومن جوف هذا الفضاء المتحرك والمتفاعل والذي تنتمي اليه ويطلق عليه تسمية / الحياة.
…. تسيرلكنك لست وحيدا في مسيرك ولا في عجزك وحيرتك فالاخرون اقرانك ايضا مترددون وعاجزون احيانا امام اكوام من الاسئلة الصعبة لكنك (لكنكم) تسير (تسيرون) …دون توقف .
العجز لا يعني التوقف كما ان التوقف لا يعني السكون ! فحتى عندما تتوقف ستشاهد الاشياء من حولك تسير بعكس اتجاهك..اي الى الخلف وهذا كاف قطعا لاثبات انك تسير الى الامام .
كانك في عربة قطار يسير بك حتى وان كنت جالسا او نائما … حتى وان كنت لا تريد ان تشاهد حركة الاشياء في الخارج عبر النوافذ والتي هي حركتك انت في الحقيقة ! .
من وضعك في هذه العربة ..؟ او على هذه السكة ؟ لماذا ؟ ومن اجل ماذا ؟ . مرة اخرى اسئلة بلا اجوبة وحيرة وعجز .. لكنك لا تتوقف وتظل تسير .
تسير وفق خط معلوم مجهول ! مجهول لانك لا ترى نهايته عبر الافق المنظور ومعلوم لانه موجود والدليل انك تسير وفقه وبدقة متناهية…
طريقك لا لون له ولا حدود تميزه عن غير الطريق ومع ذلك تسير دون تردد او تفكير او توقف ودون ان تخرج عن المسار ! .
شيئ ما ..! قوة ما خارقة – ربما- تدفعك او تجذبك لا تدري بالضبط لكنك تسير…
تشاهد الى جوارك الاخرين ايضا وهم يسيرون لكنك لا تسالهم الى اين هم ماضون ؟ وهم ايضا لا يسالونك ! وتمضون معا كل في مساره الى النهاية المجهولة نفسها .
تسير بيسر احيانا وعسر احيانا تنحدر نحو الاعماق والقيعان تنحني وفق انحناءات وانكسارات …. تعترضك جلاميد واكمات …اشرار وعابثون …اخيار وطيبون …تغفو وتستيقظ… تتعامل مع كل ذلك وتجتاز كل ذلك بمفردك .. ببداهتك .. بمدى خبرتك التي اكتسبتها من الاخرين وانت تسير والذي سيسمى “با لتاريخ” تاريخك انت ولا زلت تسير دون توقف.
لم تتراءا لك نهاية الطريق رغم المسافة التي تقطعها . سيقلقك هذا ..! سيحزنك هذا ..! سيضنيك التعب ويفتر حماسك شيئا فشيئا…. سيتسلل الى داخلك اصفرار الخريف رغم انك لم تتوقف ولا زلت تسير… وفي النهاية تاتيك صافرة النهاية ! لكن لن تكون صافرة نهاية الطريق بل صافرة نهايتك انت وعندها فقط يتوقف المسير وتختفي انت!.
كيف سرت كل هذا الزمن – مهما كان الرقم – ؟ وكيف قطعت كل هذه المسافة – مهما كان الرقم – ؟ وكيف سرت بين الاخرين والى جوار الاخرين وتعاملت معهم ومع كل ما حولك؟ وما الذي تركته لمن في الخلف منك ؟ هذا ما سيدونه او ما سينقله من ياتي من بعدك لمن سياتي من بعدهم وهكذا .
لكن…. سيغضبك بشدة العبث بالارقام والاقوال والافعال التي هي كل ما تبقى منك ومن “مسيرك” عندما تنتهي انت وينتهي مسيرك . سيغضبك العبث بها اوتحريفها او تغييرها تماما كما سيحزنك تجاهلها من قبل من كانوا بقربك و بقيوا من بعدك .
سيغضبك هذا كثيرا حتى وانت بعيد عنهم في مكانك الجديد … حتى وانت غير موجود! .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

فراس حج محمد| فلسطين

تتعرّض أفكار الكتّاب أحياناً إلى سوء الفهم، وهذه مشكلة ذات صلة بمقدرة الشخص على إدراك المعاني وتوجيهها. تُعرف وتدرّس وتُلاحظ تحت مفهوم “مهارات فهم المقروء”، وهذه الظاهرة سلبيّة وإيجابيّة؛ لأنّ النصوص الأدبيّة تُبنى على قاعدة من تعدّد الأفهام، لا إغلاق النصّ على فهم أحادي، لكنّ ما هو سلبيّ منها يُدرج…

عمران علي

 

كمن يمشي رفقة ظلّه وإذ به يتفاجئ بنور يبصره الطريق، فيضحك هازئاً من قلة الحيلة وعلى أثرها يتبرم من إيعاقات المبادرة، ويمضي غير مبال إلى ضفاف الكلمات، ليكون الدفق عبر صور مشتهاة ووفق منهج النهر وليس بانتهاء تَدُّرج الجرار إلى مرافق الماء .

 

“لتسكن امرأةً راقيةً ودؤوبةً

تأنَسُ أنتَ بواقعها وتنامُ هي في متخيلك

تأخذُ بعض بداوتكَ…

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…