كرم يوسف
ارتبطت حياتنا البشرية علي وجه هذه الأرض منذ بداياتها الأولى بالبحث، فالجوع دفع الإنسان إلي البحث عن الطعام، والبرد دفعه للبحث عن الدفء، والخوف دفعه للبحث عن الأمان، والموت دفعه للبحث عن الخلود، إلي أن غدا البحث صفة ملازمة للإنسان و الكائنات لا يمكن أن تكون لهم حياة من دونها، وفي مقابل ذلك فإن البحث عند الإنسان يتميز بأنه أرقى مما هو عند الكائنات الأخرى إذ أن البحث عنده يشتمل علي البحث الفكري والعاطفي الذي ينعدم عند بقية الكائنات.
وبطبيعة الحال فإنّ درجات البحث الإنساني لا يمكن أن تتساوي كلها أيضاً، فلا يمكن أن يكون بحث أديسون عن شيء كان الكهرباء مساوياً لبحث محامٍ عن قضية، و بحث طبيب عن مريض، وبحث شرطي مرور عن مخالفة، وبحث حفار قبور عن ميت، وبحث شبقي عن فتاة ليل، فتنوع درجات البحث أضفي من المقاييس علي أي شخصية ما لا يقل عن أي ملمح جسدي فيها يميزها عن الآخرين.
فالبحث غاية الجميع، وذلك كشرط وجودي لا بدَّ منه، لإيجاد محطات تفاعلية دائمة، تمكن الحياة من استمراريتها، كالثنائية التي تقضي بوجود الليل ليكون النهار نهاراً، أو وجود الشر ليكون للخير دليل منطقي لوجوده، وليكتسب به الخير معناه الحقيقي.
وفي مقابل ذلك كله إذا كان البحث ضرورة لا بدَّ منه لاستمرار الوجود، فأي شيء ممكن أن يبحث عنه الشاعر ليتمكن الشعر من استمرار دورته و وجوده؟، أيمكن أن يكون ذلك الشيء الشر، أم الخير، أم الجمال، أم القبح، أم……؟ ليتعمد الشاعر إلى البحث عنه ضمن عملية متقصدة للكتابة .
لا يمكن مطلقاً للشاعر أن يبحث عن شيء بعينه للكتابة الشعرية، فهو لو بحث عن أي شيء ليكتب عنه، فأنه بذلك يعلن موته وموت القصيدة في آن واحد، فالشاعر لا يبحث عن شيء يكتبه بمقدار ما تبحث عنه الأشياء ليكتبها.
فكيف يمكن لنا أن نأتي بامرأة جميلة إلي شاعر، ليكتب عنها، دون أن تهزه إناث يمر أو مرّ بهن، أو أن نخلق له جواً خاصاً ليكتب دون أن تكون الأجواء التي مرّ بها ــ دون فعل متقصد ــ قد دفعت به إلى الكتابة الشعرية؟.
إذاً، إنّ هناك أشياء أخرى في هذه الحياة تبحث هي عنا، وذلك علي نقيض أشياء كثيرة نبحث نحن عنها، وتتم عملية البحث المعكوسة هذه ضمن قوانين الطبيعة المفروضة المتحكمة بنا، كالعدم الذي يبحث عن وجود، و الموت الذي يبحث عن الحياة، إذ أنه ما من عقل مفكِّر يقود عملية البحث هذه بالقدر الذي تكون عمليات البحث هذه أموراً طبيعية خارجة عن إرادة الإنسان.
ومن المؤكد أنّ الجمال أو الخير أو الظلم أو الحب أو…. الذي يكتب عنه الشاعر يقوم هو بالبحث عن شاعره دون أن يلجأ الشاعر إلي البحث عنه في الأمصار والبلدان إذا ما انعدم وجوده كمحرض للكتابة في المكان الذي يتواجد فيه.
وإذا كان ثمة ظلم يكتب عنه الشاعر، فأنّه لا يكتب عنه بالقدر الذي ينشد زواله كباحث عن نقيضه وهو العدل، أو إذا كان ثمة حزن يكتب عنه الشاعر ــ حتي وإن كان الحزن قد أسر الكثير من الشعراء بحكم طقوسه ــ فإن ما يبحث عنه الشاعر هو الفرح لا الحزن الذي يكون هو دافعاً للبحث عن السعادة.
لا شكَّ إنّ الشاعر لو بحث عن شيء، فسيكون بحثه أشبه بالشخص الذي يقدم إلي خياط ليقول له: أني لي عينين قل لي كيف أرى بهما، و ستكون الكارثة أيضاً كبرى إذا ما وضع الشاعر في هذه الموازيين.
لو إن الشاعر يبحث عن شيء محدد ليكتبه، فإنَّ الشعر سوف يفرغ من محتواه و مضمونه الروحي ومعناه الذي اكتسبه، ولا شك أيضاً أنه لو كان هناك شيء يبحث عنه الشاعر، فإن معنى ذلك أن ذلك الشاعر قد انتهي وأن زمن الشعر قد انتهي أيضاً .
جريدة (الزمان) الدولية
فالبحث غاية الجميع، وذلك كشرط وجودي لا بدَّ منه، لإيجاد محطات تفاعلية دائمة، تمكن الحياة من استمراريتها، كالثنائية التي تقضي بوجود الليل ليكون النهار نهاراً، أو وجود الشر ليكون للخير دليل منطقي لوجوده، وليكتسب به الخير معناه الحقيقي.
وفي مقابل ذلك كله إذا كان البحث ضرورة لا بدَّ منه لاستمرار الوجود، فأي شيء ممكن أن يبحث عنه الشاعر ليتمكن الشعر من استمرار دورته و وجوده؟، أيمكن أن يكون ذلك الشيء الشر، أم الخير، أم الجمال، أم القبح، أم……؟ ليتعمد الشاعر إلى البحث عنه ضمن عملية متقصدة للكتابة .
لا يمكن مطلقاً للشاعر أن يبحث عن شيء بعينه للكتابة الشعرية، فهو لو بحث عن أي شيء ليكتب عنه، فأنه بذلك يعلن موته وموت القصيدة في آن واحد، فالشاعر لا يبحث عن شيء يكتبه بمقدار ما تبحث عنه الأشياء ليكتبها.
فكيف يمكن لنا أن نأتي بامرأة جميلة إلي شاعر، ليكتب عنها، دون أن تهزه إناث يمر أو مرّ بهن، أو أن نخلق له جواً خاصاً ليكتب دون أن تكون الأجواء التي مرّ بها ــ دون فعل متقصد ــ قد دفعت به إلى الكتابة الشعرية؟.
إذاً، إنّ هناك أشياء أخرى في هذه الحياة تبحث هي عنا، وذلك علي نقيض أشياء كثيرة نبحث نحن عنها، وتتم عملية البحث المعكوسة هذه ضمن قوانين الطبيعة المفروضة المتحكمة بنا، كالعدم الذي يبحث عن وجود، و الموت الذي يبحث عن الحياة، إذ أنه ما من عقل مفكِّر يقود عملية البحث هذه بالقدر الذي تكون عمليات البحث هذه أموراً طبيعية خارجة عن إرادة الإنسان.
ومن المؤكد أنّ الجمال أو الخير أو الظلم أو الحب أو…. الذي يكتب عنه الشاعر يقوم هو بالبحث عن شاعره دون أن يلجأ الشاعر إلي البحث عنه في الأمصار والبلدان إذا ما انعدم وجوده كمحرض للكتابة في المكان الذي يتواجد فيه.
وإذا كان ثمة ظلم يكتب عنه الشاعر، فأنّه لا يكتب عنه بالقدر الذي ينشد زواله كباحث عن نقيضه وهو العدل، أو إذا كان ثمة حزن يكتب عنه الشاعر ــ حتي وإن كان الحزن قد أسر الكثير من الشعراء بحكم طقوسه ــ فإن ما يبحث عنه الشاعر هو الفرح لا الحزن الذي يكون هو دافعاً للبحث عن السعادة.
لا شكَّ إنّ الشاعر لو بحث عن شيء، فسيكون بحثه أشبه بالشخص الذي يقدم إلي خياط ليقول له: أني لي عينين قل لي كيف أرى بهما، و ستكون الكارثة أيضاً كبرى إذا ما وضع الشاعر في هذه الموازيين.
لو إن الشاعر يبحث عن شيء محدد ليكتبه، فإنَّ الشعر سوف يفرغ من محتواه و مضمونه الروحي ومعناه الذي اكتسبه، ولا شك أيضاً أنه لو كان هناك شيء يبحث عنه الشاعر، فإن معنى ذلك أن ذلك الشاعر قد انتهي وأن زمن الشعر قد انتهي أيضاً .
جريدة (الزمان) الدولية