نصر محمد / المانيا
في إطار سلسلة الحوارات التي اقوم بها بقصد إتاحة الفرصة امام المهتمين بالشأن الثقافي والإبداعي والكتابة الأدبية بشكل عام والذين يعانون من ضآلة المعلومات الشخصية عن اصحاب الإبداعات الثقافية ، لذلك فإن الحوار معهم يتيح للجميع التعرف عليهم عن قرب
نحاور اليوم ضيفنا الشاعر والناقد لقمان محمود في فضاء الإبداع الذي يغوص في أعماقنا المثخنة بالجراح والمغبشة بالمواجع والمحن المشعة بالأماني والأحلام ، من هو لقمان محمود ؟
شاعر وناقد كردي سوري، يحمل الجنسية السويدية. عمل في مجال الصحافة الثقافية كمحرر في مجلة سردم العربي، ومجلة اشراقات كردية، كما عمل كمحرر في القسم الثقافي لجريدة التآخي.
يقيم حالياً في السويد، وهو عضو اتحاد الكتّاب السويديين. شارك في العديد من الملتقيات الأدبيّة والثقافيّة، داخل وخارج السويد. صدر له حتى الآن 25 كتاباً باللغتين الكردية والعربية. والكتابة هي مهنته الوحيدة التي يتقنها بشكلٍ معقول.
الشاعر والناقد لقمان محمود كغيره من المبدعين لا بد أن يكون له بدايات مثيرة في دروب الأدب والكلمة الجميلة، متى كان لقاؤك مع أول تجربة ابداعية ؟
بدأت الكتابة منذ أن تمكّنت أناملي من الكتابة. فالكردي يولد وهو كاتب. بهذا المعنى
الوعي بالظلم وبالقهر دفعني إلى عالم الكتابة بشكل مبكر. فالأدب بشكل عام من نتاج الوعي. والشعر في النهاية هو إحدى الوسائل لتذكير الناس بالمآسي اليومية في بقاع كثيرة من العالم.
فمنذ جلاء الفرنسيين عن سوريا، عام 1946، ومعاناة الكرد في تصاعد. لذلك معركتي ومعركة الشعراء الكرد مع هذا الواقع كانت معركة من أجل الوجود.
استطراداً، يمكنني القول أنني مزقتُ قصائد كثيرة إلى أن أصدرت في عام 1990، ديواني الأول والذي جاء تحت عنوان (أفراح حزينة) وهو أول تجربة ابداعية لي على صعيد النشر و الطباعة.
* وأنت تداعب عقارب الساعة، أي الأوقات تراها مناسبة للولوج إلى عالم الشعر؟ وهل ينتابك الملل بعد ولادة القصيدة ؟
– لا ألتزم بجدول يومي في الكتابة. أقرأ أكثر مما أكتب. والحياة ليست شعراً فقط.
أما بالنسبة للشق الآخر من السؤال، فأختصر حالتي بعد ولادة القصيدة بحالتي عندما أنتهي من سقي الورود والزهور على الشرفة وفي الصالون.
* برأي الشاعر والناقد لقمان محمود ماهي مقومات القصيدة الناجحة والتي تؤثر في القارىء وتستحوذ عليه ؟
– القصائد الجيدة هي القصائد التي انحرفت عن السائد. والمقصود هو إخراج الشعر من دائرة الانفعال العاطفي والغنائية الرخوة. والشعر الحقيقي لا يبني جمهوراً، وعلى الشاعر أن لا ينحدر إلى مستوى ما يريده القارئ. لقد تغيّر العالم كثيراً، ولا يمكن إعادة الشعارات القديمة إلى الواجهة.
إذاً جوهر القصيدة الناجحة، يقوم على الإبداع والاختلاف والمغايرة والحرية. حيث يمرّ الشعر – اليوم – بمرحلة تحوّل هي من ضمن التحولات الثقافية نفسها. إذ لم يعد الشعر محصوراً في القصيدة لأنها – القصيدة – أصبحت أوسع في الحياة اليومية والسينما والفنون والفكر والفلسفة، ومن شأنه أن يوسع المعنى والمخيلة والعالم. بهذا المعنى لم يعد الشعر محصوراً في القصيدة فقط، بل الشعر أصبح في كل شيء. ومع ذلك أحب الشعر الذي يثير في النفس خشوعاً وطمأنينةً وينقل الإنسان إلى عوالم ملأى بالصفاء الروحي والمحبّة.
* صدرت في العراق مؤخراً مجموعة شعرية لك بعنوان ( واثق كجرح ) عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع ، وهي المجموعة العاشرة في سياق نتاجك الشعري، لو تحدثنا بإيجاز عن هذه المجموعة ؟
– مع كل ديوان شعر أكتبه أفتح نافذةً جديدة أمامي، أُطل بها على العالم. فهذه الأيام بالذات، هي حقبة الانكسارات والاندحارات كردياً وعالمياً. لذلك تأتي القصائد في هذه المجموعة الشعرية وكأنها محرض على اكتشاف الحقائق. فمن نوافذ متعددة، يطلّ هذا الديوان على الذاكرة والحب والوطن. ورغم أن القصائد موزعة على 135 صفحة وبعناوين مختلفة إلا أن هناك خيطاً يربطها، وهو خيط الجرح والثقة.
* من سهول مدينة عامودا ومن تلة شرمولا إلى عمق القارة الأوربية والسويد تحديداَ ، كيف يمكن أن يتحدث لقمان محمود عن مدينة عامودا ؟ وأين هي من كتاباته ؟ وهل تتغير الأليات السردية في لغته الشعرية ؟ وهل لكل مكان لغته الشعرية الخاص به ؟
– ينظر المرء إلى العالم من المكان الذي وُلد ونشأ فيه. فمدينة عامودا بالنسبة لي هي الذاكرة الحية، مثلما هي الطفولة والقراءات الأولى وبدايات التعرف على العالم وعلى تفاصيل التراجيديا الكردية.
وبما أنني عشت حتى الآن “بعيدًا عن الوطن”، فإن علاقتي بأرضي يمكن أن تكون مجرد حنين إلى الماضي. دفعني المنفى إلى البحث واكتشاف المزيد من ثقافتي الأصلية لمقارنتها بثقافة البلد المضيف وتحديد هويتي.
أحياناً يعتبر المكان عنصراً أساسياً من عناصر تشكيل الفضاء الشعري، والفضاء غالباً أوسع من المكان، فهو فضاءٌ جغرافي ونصّي ودلالي ومنظوري.
نعم، عامودا مكان ولادتي، وعروسة كردستان، ووجعي الأول. ما يعني أننا لا نكتب عن الأماكن إلا إذا خسرناها.
أما جوابي عن الشق الأخير من السؤال، أستطيع القول أنّ لقصائدي روافد كثيرة، من التجارب الشخصية ومن الذكريات، وأن شعري بشكلٍ ما ظل لحياتي.
* كيف يرى الشاعر والناقد لقمان محمود حركة النقد الأدبي؟ هل هي مواكبة للتجارب الجديدة ؟ ماهي أسباب تدهور الحالة النقدية برأيه ؟
– في البداية أريد أن أقول أن النقد فنّ إبداعيّ راسخ لا يقلّ عن إبداع أيّ من الفنون الأخرى الإبداعيّة، وإن مهمة النقد الأساسية، هي إضاءة وكشف روح النص، وطرح ما يخفيه من التباسات مسكوت عنها.
هذا النقد لا نجده في المواقع الإلكترونية التي حوّلت النقد إلى مجرد رأي، موجز وعابر.
ومن أسباب تدهور الحالة النقدية هو تفوق النقد الانطباعي الصحافي السريع على النقد الأكاديمي الرصين.
* من الملاحظ أن وتيرة نشر مجموعات شعرية غدت متسارعة مقابل تراجع النقد. ماتفسير لقمان محمود لهذا التراجع النقدي؟
– للأسف، نعم، إن غزارة الإنتاج الشعري ونشر مجموعات شعرية متسارعة، أصبحت أمراً سائداً، بحيث لا يستطيع الناقد مواكبة كل ما تجود به المطابع يومياً. وهكذا صارت الكتابة النقدية قليلة وفي تراجع ملحوظ بسبب التسرع في القراءة والكتابة.
* هل لشاعرنا لقمان محمود محاولات أدبية ملتزمة ذات طابع سياسي في ظل الأوضاع الراهنة ؟
– المشهد الأدبي الكردي، ليس منعزلاً عن المشهد السّياسي العام. إذ لا يمكن للإنسان أن يعيش بمنأى عن ما يتعرض له شعبه. حيث يتحوّل سؤال الكتابة إلى سؤال الهوية، وإلى سؤال عن الوجود بمعنى ما. فليس من السهولة أن يتخلى الانسان عن مبادئه، التي أفنى عمره من أجل أن يحياها.
* نحن نعلم ما أعطاه لقمان محمود للشعر، فماذا أعطاه الشعر يا ترى ؟
– أعطاني الشعر الفرصة للاطلاع على الثقافات المختلفة، كما أعطاني الشعر القدرة على المقاومة والتحدّي في زمن انهيار القيم واندحار الأحلام.
* من هم الشعراء والكُتّاب الذين أثروا على لقمان محمود؟
– من بين الأشخاص الذين أدين كثيراً بفضلهم، أشير إلى أحمدي خاني الشاعر و الفيلسوف.
* تكتب قصائد قصيرة. لماذا تفضّلها هكذا؟
– أعتقد أن عصرنا الحالي هو عصر سريع الإيقاع ومتغير باستمرار، ولم يعد ثمة متّسع للقصائد الطويلة كما كان الأمر في الماضي.
* هل تتابع الشعر الحالي؟
– من المستحيل قراءة كل ما هو مكتوب اليوم، لكنني قارئ جيد.
* إذن.. ما هي رؤيتك للمشهد الشعري بين الأجيال الشابة كردياً؟
لا أدعي اطلاعي الكامل على المشهد الشعري الكردي، ومن الصعب عليّ تقييمه. لكن هنالك حساسيات جديدة تبشر بالتأسيس لنصوص حداثية مختلفة وتجارب ذات قيمة، لا سيما في مجال قصيدة النثر. ولا شك أن قصيدة النثر التي تكتبها أجيال الشباب من الشعراء الكرد لها خصوصياتها المختلفة عن الجيل السابق.
* لماذا لا يكتب لقمان محمود الرواية؟
– أنا مكتف بالشعر وفيه أقول كل شيء.
* ولكن هذا زمن الرواية؟
– لا أعتقد أن فنًا من الفنون يمكن أن يأخذ مكان فنٍ آخر.
* إذن، ما هي الفروق الكبرى بين الرواية وبين الشعر؟
– الرواية غابة. الشعر حديقة.
* وماذا عن الشعر والفلسفة؟
– أعتقد أن الشعر والفلسفة.. لا غنى لأحدهما عن الآخر.
* ما هو الحب في حياة لقمان محمود؟
– هو الانصات إلى ما يقوله الصمت في زمن الضجيج.
* كلمة أخيرة ربما غفلنا عن قضية ما، فهل يمكنك اضافة شيء آخر؟
– علينا أن ننتبه إلى أن غاية الفنون جميعاً هي توسيع مساحة الحرية وارتياد المدارات المجهولة. والظلام لا يمكنه أن يبدد الظلام، الضوء وحده يمكنه ذلك. وأن الحوار يلعب دوراً مهماً في النهوض بالأدب وكذلك في تبادل الثقافات بين الشعوب.
* لقمان محمود في سطور
* الشاعر و الناقد الكردي السوري لقمان محمود من مواليد عامودا- محافظة الحسكة 1966 ، يكتب باللغتين الكرديّة والعربيّة.
صدر له حتى الآن 25 خمس و عشرون كتابا.
له مختارات شعرية مترجمة من العربية إلى السويدية جاهزة للطبع بعنوان ( من بعيد كل شيء يبدو متساويا). قامت بالترجمة آنا يانسون.
صدر أول ديوان شعري له في دمشق عام 1990 بعنوان ( أفراح حزينة).
* تُرجمت نماذج من نصوصه الشعريّة إلى الكردية، الاسبانية، الانكليزيّة، الفرنسيّة، السويدية الألمانية، الفارسية و الإيطالية.
شارك في أنطولوجيات شعرية عديدة منها الكردية، العربية، و الإسبانية.
* عمل في مجال الصحافة الثقافية كمحرر في مجلة سردم العربي – السليمانية ، ومجلة اشراقات كردية- القاهرة ، كما عمل كمحرر في القسم الثقافي لجريدة التآخي- بغداد.
– * حصل على منحتين للعمل الإبداعي من إتحاد الكتاب و المترجمين السويدي لعامي 2018 و 2021.
– عضو اتحاد الأدباء والمترجمين السويدي.
– عضو نادي القلم الكردي و العالمي PEN.
– يقيم في السويد/ أسكيلستونا
صدر للشاعر
1) * شعر
– أفراح حزينة، دار دانية، دمشق 1990.
– خطوات تستنشق المسافة: عندما كانت لآدم أقدام، منشورات
النسر الأبيض، بيروت 1996.
– دلشاستان، دار الحداثة، المغرب 2001.
– القمر البعيد من حريتي، منشورات سردم للطباعة و النشر،
كردستان – السليمانية 2012.
– أتابع حريتي، منشورات إتحاد الأدباء الكرد، كردستان –
أربيل 2013.
– من السراب إلى الماء، دار مارغريت، كردستان –
السليمانية 2013.
– وسيلة لفهم المنافي، منشورات مؤسسة سردم للطباعة والنشر،
كردستان – السليمانية 2014.
– الماء الأسير، منشورات باران، كردستان 2015.
– الصمت الذي لا يتوقف عن الكلام، دار آبيك، السويد –
ستوكهولم 2022.
– واثقٌ كجرح، مؤسسة أبجد للترجمة والنشر
والتوزيع، العراق 2023.
2) * دراسات
– إشراقات كردية: مقدمة للشعر في كردستان، مركز كلاويز الأدبي،
كردستان – السليمانية 2009.
– الخطوط الأمامية للذاكرة، مؤسسة سردم للطباعة والنشر، كردستان –
السليمانية 2010.
– مراتب الجمال: قراءات في الشعر الكردي الحديث، منشورات سردم
للطباعة والنشر، كردستان – السليمانية 2011.
– ترويض المصادفة، منشورات منظمة كتاب بلا حدود،
عام 2011.
– شرارة الأناشيد القومية في الغناء الكردي، إتحاد الأدباء الكرد 2012.
– تحولات النص الأدبي، دار مارغريت، كردستان – السليمانية 2013.
– البهجة السرّية: أنطولوجيا الشعر الكردي في غرب كردستان،
مؤسسة سردم للطباعة والنشر، كردستان- السليمانية 2013.
– أسطورة شيركو بيكس الشعرية بين أغنية الوطن وصوت الحرية،
مؤسسة جمال عرفان الثقافية، كردستان – السليمانية 2014.
– مجدٌ سكران، منشورات باران، كردستان – السليمانية،
عام 2015.
– مدخل إلى الثقافة الكردية، مؤسسة سردم للطباعة والنشر، كردستان –
السليمانية 2015.
– امتحان الحرية (سيرة شعرية)، دار الدّراويش للنشر والترجمة،
بلغاريا 2019.
– زعزعة الهامش، دار غيداء للنشر والتوزيع، الأردن –
عمان 2019.
– كسر العزلة الثقافية، الجزء الأول، دار العابر،
كردستان – السليمانية 2021.
– كسر العزلة الثقافية، الجزء الثاني، دار العابر،
كردستان – السليمانية 2021.
– يوميات السليمانية، مؤسسة أبجد للترجمة والنشر
والتوزيع، العراق 2022.