جسدان في بلاغة التلامس

إبراهيم محمود

جسدان اثنان
جسَّـ..دان ٍ
مساء يغدق عليهما ، فيهما، بالمكرمات
عناقيده النجوم
خمر المساء  الرغبات المنتظرة منذ الولادة الأولى
قلبان كأسان تصهلان في فمهما
فمان يأتمران بأمر المنتظَر الحميم
جسدان مضاءان ذاتياً بالتمام
وسيطهما اللمس
جسدان
في انفجار سرديتهما الكبرى
” أين أنت يا جوليا كريستيفا
أين أنت يا جيرار جينيت ،
حيث الزمان والمكان يمتدان في اللامتناهي؟ “
إذ ينشدان التلامس
السماء ذهول
الأرض فيض نبضات
الهواء يزدرد أنفاسه
الأنفاس تعيد ترتيب الجهات
ثمة أفق يجنح إلى تبني لغة البنفسج
جسدان اثنان
يخرجهما التلامس من ثنائيتهما
الظلام الدامس  ساطع مشدود إلى صمته
الليل مستهام في لوحه المحفوظ 
الصمت  يثير حفيظة الجمادات
الجمادات مأهولة بالغيرة
الغيرة بلاغة الحنين إلى شبيهه
جسدان معقودان في رغبة تستدرج كل فراغ إليها
لا فراغ مقصيٌّ جانباً حين تشق رغبة متَّفق عليها بينهما
كل الطرق تؤدي إلى الجسدين
أي طاحونة رغبة تسخّن أرواحاً عامرة؟
جسدان اثنان
جسدان يتلامسان
ضفدع الماء يلتحف نهره العميق
دعسوقة تجتاحها حمّى 
قبَّرة تهاتف شهوة غائبها
سمكة تزيد في سخونة الماء
ماء يزيد في امتصاص الهواء
الورق المتناثر في المكان يتنفس طراوته مجدداً
كريستال الهواء يفيض شفافية غير مسبوقة
تعرقت المخدة
الغرفة شدت قواعدها إليها
صور معلقة على الحيطان أخذت أبعادها
الفراغ استحم في دفق المُجاز
عش يستحيل فضاء كاملاً
في القريب العاجل طبيعة تعِدُ بإضافة
جسدان اثنان
رغبة تلغي المسافة بينهما بالكامل
شجرٌ يرمح عالياً بالرونق
هواء يطرب طيورَه
حجارة يسيل لعابها رغم صلابتها انتشاء
رملٌ يتسلح بخضرة مباغتة
نجوم تشع امتلاء بالمشتهى
تعانق الليل والنهار
حيوان الكسول يحلّق على غير المعهود انتعاشاً
ثمة تمدد في رئة الأرض 
الموت في أدنى حضور له
جسدان اثنان في الخليقة
الخليقة تبثها الحياة قوامها المهيب
لا ورد إلا ولديه وشم غصنه المعلق
لا غصن معلق إلا وفيه حنين إلى شجره
لا شجر إلا وهو مغروس بمشتهاه في التربة عميقاً
لا تربة إلا وهي توجِز فيها الكوني
الكون يتنفس الصعداء
جسدان اثنان
جسدان واحد
ظل يصفق لشجره
نهر يحيي نبعه
قمة ترفع نخب واديها 
سماء تبث نجواها لأرض منداة حتى سرَّتها
بحر يكافئ شاطئه بالمزيد من رسائل الأعماق
واحات تطبطب على جنبات الصحراء وداً
حدائق تلقي بأخضرها على كامل المدينة
صخرة تعتمر الهواء الطلق
وجود يحيل العدم وجوداً أجمل
القصيدة تشبُّ عن الطوق

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…