ماهين شيخاني
انتصب المغسّل بجانب المقبرة لبس قفّازاً مع مجموعته المكلفة كرجل فضاء بكامل رداءه ، نظرحوله وإلى الجثة الهامدة أمامه وقد لُف ضمن كيس نايلون سحاب،على قرابة خمسون متراً, جمهرة من مودعو أهل الفقيد ورفاقه وقياديون مكممون ، ينتظرون إتمام مراسم الدفن على أحر من الجمر,قال في قرارة نفسه هؤلاء يريدون إيذائي والتخلص مني بأي وسيلة ، حسناً أنا سأعمل بأصلي ولو كُلف حياتي, فالأعمار بيد الله والأجر والثواب من الله ، ألتفت إلى زملاءه وقال:
– ادنوا جزاكم الله خيراً واحملوا الجنازة برفق على هذا السرير الحديدي , جرّدوه من ثيابه لغسله ،أحدهم سكب الماء وهو يوزع على كامل جسده ويُمسح على بطنه مسحاً خفيفاً ويتمتم بدعاء للميت ، طلب الكفن , لفه ، انزلوه اللحد, جلبوا بلاطات وزعوها بشكل متقن على كامل القبر بحيث لا يتسرب ذرات التراب وبدأ مساعدوه بكيل التراب .
نادى الجمع لحضور التلقين والدعاء للميت , لم يتزحزحوا من أماكنهم سوى بضع المقربين بخطوات جزعة, عجيب أنت أيها المخلوق ..!!. تستشعر بالذعر لا تعرف كيف تختبئ أو تلتمس طريق النجاة ,قبل قليل كنت تتفرعن عليَ أنت وجماعتك ونصبتم لي الفخ , ومَرَّ أمام عينه كشريط السينمائي .
رَنَّ هاتفه , طلبه المتصل للحضور فوراً ، رَدَّ بفرح لا يوصف , هَزَّ رأسه بالإيجاب قائلاً : أيها الرفيق فقط مسافة الطريق،سارع بخطواته , طرقَ باب المكتب , حيا جميع الملثمون , برفع يده فقط وذلك بسبب انتشار جائحة ( كورونا) ، جلس على الأريكة القريبة ,ينتظر بتوق للحديث عن سبب اتصالهم .
سأل ذاته :
– لابد أنهم سيكافئونني, بسبب حصادي غالبية الأصوات وحرمة للديمقراطية التي صدعوا آذان الناس بها ، بتنا لا نتجرأ بطلب كأس شاي من نساؤنا ، أيه خجوكي …تدللي علي …؟!.وسرح بخياله بعيداً , خلف تلك الطاولة الفخمة ينفخ ريشه وأعضاء المجلس يتوددون له , وكلما يخرج سيجارة , ينط أحدهم ويخرج ولاعته , وتلك الحسناء ستقدم له كل ابتسامة قهوة الصباح .
التفت صوبه (القيادي) وقال له:يا رفيق جلو أنصت إلينا جيداً ، عادةً لا أكرر كلامي، نظراً لترشيحك للبلدية ونلت أصواتاً لابأس بها وتقديراً لخدماتك واحتراماً لرأي الشعب ،قررنا تعيينك رئيساً للجنة دفن الموتى…؟!.
– رئيساً لدفن الموتى …؟!. قالها باستغراب . رشحت نفسي نيابة عن الشعب لأجل رئاسة البلدية , لأخدم الأحياء وليس الأموات …يا رفيق…؟!.
– لا تجادلني ,هذا طموحك…؟!.أما نحن ارتأينا بالإجماع تعيين شخص آخر لإدارة المجلس ، ونحن أدرى بمصلحة الشعب ، كلفناك بهذه المهمة …؟!.
– تصبب عرقاً – لم يستشرني أحد ، لم أطلب هذه الرئاسة ، ليستلم المهمة غيري.
– بابتسامة سائدة تحت شاربه الكث: هل نسيت أن التعيين من قبلنا يا رفيق…؟!. نفذ دون اعتراض , هذا قراري..؟!.
– أصفر بشرته وطأطأ رأسه ، التزم الرضوخ , حسناً و ما هو المطلوب مني..؟!.
– حالة وفاة عاجلة لقريب رفيقنا ” نضال ” – التفت صوب الشخص المعني- كما تعلم لا أحد من الملالي يتجرأ غسل الميت ، ستقوم أنت ومن معك بهذا العمل لخدمة الشعب .
– بحركة لاشعورية بيديه :هل أحد هؤلاء سيكون معنا…؟!.
– حَدَّقَ إليه: هؤلاء لديهم مهام أخرى ، المكلفون معك هم عمال النظافة فقط.
– قال في سره : الأبالسة خططوا لموتي بإتقان , يا لخيبتي ماذا أقول لزوجتي , حسناً ايها الملاعين .
بعد انتهاء مراسم الدفن, نزع المغسل ومجموعته لباسهم و قفزاتهم , كومهم وأشعل أحدهم النار, دنا من الجمع لتقديم واجب العزاء, عطس بشدة,هزرأسه بحركة جنونية تطاير رذاذ لعابه وعرقه على وجوههم , قالوا بغضب , ماذا دهاك ..؟. ما هذا التصرف السيء يا.؟.
رد بصوت منهك :عذراً رفاق ,أحس بصعوبة التنفس وسيلان الأنف والصداع وألم الصدر ..؟!. أغلب الظن هي أعراض ” كورونا ” , وقبل أن ينهي كلامه , فرالجمع مذعورون نحو سياراتهم ,لاعنين اللحظة التي كلفوه بهذه المهمة .
-انتهت –