وردة أخرى لروح الكاتب محمد سيد حسين

 إبراهيم محمود

هكذا ستمضي الحياة، كما لو أنك تعيشها، كما لو كنت على قيد الحياة، في الحياة، وبها، بكل زخمها يا الصديق والكاتب الكردي المعلوم بمكانته محمد سيد حسين ” 1943-2022 “. هكذا ستأخذ الحياة مجراها ومرساها وأنت في حِماها، واضحاً كنهر، جلياً كوردة، وأنت بعمرك الذي تقدَّمك، وآلامك التي تملكتك، كما لو أنك لم تحمل جسماً من أعصاب وخلايا، وأعضاء تتأثر بالمتغيرات، لتبقى روحاً، قلباً، وعقلاً كرديَّ الحسب والنسب، كعهدي بك، كعهد الذين آلفوك وما فارقوك، وقدّروك وما تجنَّبوك، وأصغوا إليك وما جافوك، أو ملّوا من حديثك الجامع بين ريفك الكردي، وبلدك الكردي، وأرضك الكردية، أبعد من حدود قريتك مهبط العالم الآخر، لأهل لك وأحبة لك ومعارف لك” تل عربيد “، وأنت مقيم فيها إقامتك الثانية وغير المعلومة بتوقيتها الزمني الخاص طبعاً، ضريحك الذي يستقطب من هم أهل للعلم والمعرفة والثقافة ذات الدمغة الكردية، ويستأنس بك من يحيطون بك، ويعتزون باسمك المرئي والمقروء يا ” بافي رشيد “
هكذا ستمضي الحياة بسنواتها، بشهورها، بأيامها، بلياليها ونهاراتها، بساعاتها ودقائقها وثوانيها، وأنت تتوسد عمرك الآخر، بناء على عمرك الأول، وحول كتبك مآثرك الجميلة ذات اللسان الكردي القويم، وهي تنثر أضواءها على بيادر تل عربيد، ومن هنا يكون النسيم العليل محمّلاً بعبقها إلى حيث يكون أحبتك ومقدّريك . حياة ليست كأي حياة في مفاجآتها وفي صدماتها الكردية النشأة وأوجاعها ذات الجرح الكردي النازم بحجم خريطته الكردية التي لطالما استنزفت روحك، وأعلنت حالة الطوارىء على قلبك وصحتك توقيفاً إياها لصالح كتابة تعرّف، على طريقتك، بخريطة وطنك الأم المطعونة فيها تاريخاً وجغرافية، وأنت تعرّف بها واحدة رغم عنف الطعون داخلاً وخارجاً، لتؤمن لحياة حياة تستحقها: إلى الأبد فعلياً .
نعم، نعم، نعم، بافي رشيد، أراك حيث كنت، جالساً، واقفاً، راجلاً، ماضياً بسيارتك، حيث نكون معاً في حالات كثيرة، مبتسماً، مرسلاً القول في حكاية كردية شعبية، في مثل مشهور طريف، في واقعة من رحابة قامشلو وجوارها، باسم والمكان والزمان أحياناً، وليس من معين ينضب، حيث أودعتك الحياة في عمومها، وفي صنفها الكردي ما يبقيك لسان حال القويم العليم العتيد، وباسمك، وأسلوبك، كما تشهد كتبك الكتب مجدداً.
نعم، نعم، نعم، يا الأخ، يا الصديق، يا الأنيس، ويا الذي كان وما زال كائناً بروحه، وسيظل باسمه وأبعد، وظله الوارد وأرحب، لكم صعب علي، ويصعب علي كذلك أن يأتي الغد، حيث العيد، أعني حيث يتبادل أهلنا السلام والتحية، ويتصافحون، وأنت غير حاضر، لقد حاولت على طريقتي يا أخي الكبير، أن أؤمّن لك مقعد حياة بيننا، في واجهة من يعرفونك ويؤالفونك ويبقونك معك، مكناً تستحقه، ليروك حيث أنت، وكما كنت، وبالطريقة التي تتنفس فيها بهدوء، وتخرج مطمئناً إلى مجلسك المنعقد هذا.
في عيد، ما يكون أكبر منه حدوداً ودلالات، في حق يخصك ولا بد من ذكره، كما تتوجب الكتابة وأصولها، الصداقة وأعرافها، الكردية المعافاة ومآثرها، وهو عيد مفتوح على ما هو زلال وشفيف، تكون لك صورة لها ظلالها، عيد باسمك، وليس من شريك، وهو حق معتبَر لك، بقامتك وقيافتك وأناقتك في الوقت عينه .
صعب، كما يصعب علي، يا العزيز بافي رشيد، أن يأتي هذا العيد، والعيد الذي بعده، والذي بعد الذي بعده، إن بقي العمر، كما لو أنك غبتَ عنا، وأنت حاضر بكبير مكانتك، وأنا، أقدّم لك، بتواضع معلوم، ومرئي، وردة أخرى تنفح عليك بأفوافها باسمة، من لون محبتك: ورائحة قيمتك العبقة، ونكهتك، وزهو ثقتك بكرديتك، ولأني بعيد عنك بجسمي، وأنت بالمقابل، أردتها رسالة مرفقة بهذه الوردة الخاصة، كما لو أننا كنا وما زلنا معاً.
ولأحيي أهلك، أفراد عائلتك، وفي الواجهة: الكريمة المقام رفيقك دربك ” ديا رشيد ” وبقية أفراد العائلة الأحبة، الأهل جميعاً، لأقول لكم عبارة واحدة: كل عام، كل عيد، كل لحظة، وبافي رشيد على ما يرام، بخير، وصحة في اسمه وموقعه، وأنتم أحبة، ودامت المحبة .
دهوك- صباح الخميس، في 20-4/ 2023 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

قامشلو – ولاتي مه – شفيق جانكير
أقام منتدى الكلمة الحرة مساء الجمعة 25 تموز 2025 حفلا تكريميا مميزا في مدينة قامشلو، احتفاء بعدد من الشخصيات البارزة التي قدمت خدمات استثنائية في مجالات متعددة، من العمل الإنساني والخدمي، مرورا بالأدب والفن، وصولا إلى النضال السياسي والاجتماعي. وشهد…

زوزان ويسو بوزان

على امتداد الفرات، وما شرقه
نجلسُ في محطّة الحياة،
نرقبُ قطار “نجاة الصغيرة”،
كمن ينتظر أغنيةً تُنقذه من الغرق.

نُطفئ ضجيجنا على أفواهنا،
كي لا تُخطئ قلوبنا،
ونوقدُ شعلتنا من دم الشهداء،
فهم الذين أضاءوا لنا درب البقاء.

كم حاولوا شطبنا من فسيفساء الوجود،
لكننا رسمنا زهرتنا
على ضفاف نهرٍ لا يعرف الجفاف،
زرعنا النبل كما نزرع السلام
ومن يزرع الحب… لا يحصد الخراب.

فالحبُّ،…

د. فاضل محمود

كُرْدِيٌّ أَنَا… وَأَفْتَخِرْ
مَنْ يَكْرَهْنِي… فَلْيَنْفَجِرْ
مَنْ يُعَادِينِي… فَلْيَنْتَحِرْ
كُرْدِيٌّ أَنَا… وَأَفْتَخِرْ

لَا أَهَابُ الْمَوْتَ… وَلَا الْخَطَرَ
قَلْبِي فُولَاذٌ… أَقْسَى مِنَ الصَّخْرِ
وَصَرْخَتِي زِلْزَالٌ… يَهُزُّ الْحَجَرَ
رَايَتِي عَلَى الْقِمَمِ… تَرْفُرِفُ وَتَزْدَهِرْ
تُعَانِقُ السَّمَاءَ… بِلَوْنِ الدَّمِ وَالنَّصْرِ
فَوْقَ الْهَامَاتِ… لَا تَسْتَكِنُّ وَلَا تَنْحَدِرْ
وَالرِّيحُ إِذَا هَبَّتْ… تَهْتِفُ:
كُرْدِيٌّ أَنَا… وَأَفْتَخِرْ

وُلِدْتُ حُرًّا… كَالصَّقْرِ
إِنْ حَاوَلُوا قَيْدِي… فَقَيْدُهُمْ يَنْكَسِرْ
لَا أَرْضَى قَيْدًا… وَلَا أَرْضَى الْأَسْرَ
هَكَذَا عِشْتُ… وَهَكَذَا سَأَحْيَا حَتَّى…

غريب ملا زلال

شخوص قلقة تعبر عن هواجس الفنان

تحفل ذاكرة الفنان نينب إبراهام بالكثير من الرموز والأحداث والذكريات، التي تتحول برغبته الملحة لممارسة الفن إلى لوحات عن أشياء ومشاعر مشتركة بينه وبين من يقاسمونه الهوية نفسها، فتبدو وكأنها شهقة جماعية في وجه الآخر الرافض لهم.

أن تنتمي إلى ما بين النهرين يعني أنك تنتمي لأولى المراكز الحضارية…