توبة الخطائين

أحمد مرعان

كل القلوب التي هاجرت تعلن إفلاسها بارتداد كلمات الرثاء في حضرة الخلود، وتلامس بقايا الروح المتأرجحة على ضفاف القلوب، وتتهيأ للنفخ في الصّور لقلة المروءة والجبروت، في جبر الخواطر، أو مسحة أمل من بقايا الأمنيات المتناثرة بفضاء الزمن، والمركونة على جدار القلوب..
الزمن الذي يباغتنا في كل لحظة وحين، بأشياء وأحداث جديدة يختلقها من التطرف والتحول والانقلاب، المتمرس بفنون التقلب كالحمام في السماء الماطر برصاص القنص من صيّادي الأمنيات المتمرسين بأكواخ الفخاخ، والأزقة، وزوايا شوارع مدينة السكر والعربدات..
أنا الغائب الحاضر في محاكم التشرد والتشرذم وفنون الدفاع، أستميح لهذا عُذرا، وأدين ذاك بذنب لم يقترفه بعد، أختلق قوانين وأجيد مفاتيحها وأقفالها متى أشاء حيث يجهلها القضاة،  أمسح دمعة يتيم فقد أباه في معمعة الجراح، إن شئُت سميته شهيدا وإن شئُت ضحية، وربما  إرهابيا وفق مقتضيات القضية، بل وفق أجندات تملى عليَّ من وحي الغرف الصوفية ..
أنا التائه حينا، أدرك بأنني سأكون يوما ما، وفي نهاية الحلقات إن لزم الأمر سأبقى ضحية، كل الذين من قبلي كانوا عتاة، فخرا، ونجومهم تتلألأ في ساحات الوغى عندما كانوا مدججين بالسلاح ..
صمتٌ بضوضاء يعج بمكامن الذات، وضميرٌ يلتوي ندما يبحث عن مخرجٍ في تيه الكلمات، وأفكار تتعربش بزوايا العتمة تناجي الحياة، وعيون تشرئب من خيوط العصر لنديم الأرض ندما على ما فات، وشفاه تتسكع كأس الندامة بنديم حثالة الأقداح في ليالي الترف، على أنغام الناي الحزين في الوداع من جوقة الفرقة الموسيقية لشهيد الثأر الذي لا يدري لماذا مات ..
أسليت يراعي كالسيف من غمد الجنون، أستدرت حولي وتراجعت خطوة وربما خطوات نحو الوراء، أستحضرت ما تبقى من عصارة الأوقات لأزيح عن كاهلي ما يجول في الخاطر من شرود ببقايا قصص لم أتجرأ ببوحها، لعلي أفرغ بعض سمومي التي تجرعتها في سن الطيش والشباب، أسطر بعض ما فيها من ندمٍ على ما فات ..
الآن ركنت كل كتبي على رفوف الزمن والذكريات لأعلن عن إفلاسي بكل جرأة، طمعا بأن يتجاوز عني بعض الدائنين وشطب ديونهم من السجلات، كي يصفحوا ويمزقوا مستنداتهم المرهونة لليوم الموعود ..
كلنا خطاؤون، وخير الخطائين التوابون ..
والله دوما بالمرصاد يمهل ولا يهمل ..
( هذا لسان حال من تلطخت أيديهم بالدماء)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

قبل أيام، أعلمتني رفيقة دربي، أن السيدة ستية إبراهيم أحمد دوركي، وهي والدة الصديق والحقوقي فرمان بونجق هفيركي، قد وُدّعت من دنياها. قبل يومين، أعلمتني ابنتي سولين من ألمانيا، أن صديقتها نرمين برزو محمود، قد ودّعت هي الأخرى من دنياها، لتصبح الاثنتان في عالم الغيب. في الحالتين ثمة مأساة، فجيعة. هما وجهان يتقابلان، يتكاملان،…

أحمد آلوجي

من بين الشخصيات العامودية التي تركت بصمة عميقة في ذاكرتي، أولئك الذين منحوا فنهم جلَّ اهتمامهم وإبداعهم، لا سيّما في المناسبات القومية واحتفالات نوروز التي كانت دائمًا رمزًا للتجدد والحياة. ويبرز بينهم الراحل الفذ مصطفى خانو، الذي أغنى المسرح الكردي بعطائه وإحساسه الفني الرفيع، فاستطاع أن يجذب الجماهير بموهبته الصادقة وحبه الكبير…

آهين أوسو

لم يكن يوما عاديا ،نعم فترة من التوتروالقلق مررنا بها.

إنه آذار المشؤوم كعادته لايحمل سوى الألم .

استيقظت صبيحة ذاك اليوم على حركة غير طبيعية في أصابع يدي ،ماهذا يا إلهي ،أصابعي تتحرك كأنها مخلوقات حية تحاول الهروب من تحت اللحاف ،هممت بالجلوس في فراشي اتحسس يدي ،نعم إنها أصابعي التي تتحرك لاشيء…

(ولاتي مه – خاص):
على امتداد أكثر من خمسة عقود، يمضي الفنان والمناضل شفكر هوفاك في مسيرة حافلة تجمع بين الكلمة الثورية واللحن الصادق، ليغدو أحد أبرز الأصوات التي عبرت بصدق عن آلام الشعب الكردي وأحلامه بالحرية والكرامة.
منذ انخراطه المبكر في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي، ظل شفكر وفيا لنهجه…