عوالِم «قصص قصيرة جداً»

إبراهيم محمود
لا أحد 
هوذا الآن في راحة تامة!
لا أحد يستطيع مناداته بصيغة الآمر.
لا أحد قادر على النيل منه .
لا أحد يمكنه تحويله إلى ألعوبة له .
لا أحد يملك القدرة على زحزحته من مكانه.
لقد أودِع الثرى منذ أيام عدة !
***
؟
قال لها:
سأقدّم لك ما تشتهين !
ردت عليه:
وماذا عن بيتك وهو عبارة عن غرفة متداعية ؟
قال لها:
سأسكِنك قلبي !
ردت عليه:
وماذا عن الشبكة التي ركَّبتها لقلبك ؟
قال لها :
سأحملك على كفوف الراحة .
ردت عليه :
وماذا عن كونك عاطلاً ؟
طأطأ رأسه، بينما استمرت في التحديق إليه !
***
مواجهة
قرَّب سبابته من وجهه، وهو يقول له:
إلى متى ستستمر في إيذائي، وأنت تأتي على سيرتي في كل شاردة وواردة ، ثم:
ماالذي يربطني بك ؟
وبعد لحظة صمت:
ماذا قدَّمت في حياتك كلّها، لأكون معروفاً بك ؟
لم يستطيع التكلم ولو ببنت شفة .
ثم: 
توقف عن ذكْري.. وإلا فتوقع منّي ما لا يسرّك.
جفل من نومه، وهو يتصبب عرقاً .
***
سأل المعلم طلابه:
إذا كان أحدكم بذرة ماذا يصبح ؟
رد أحدهم:
سيصبح نبتة أستاذ
وإذا كان شتلة؟
رد أحدهم:
سيصبح شجرة أشتاذ 
وسأل أحدُ الطلاب المشاغبين:
وإذا كان جحشاً أستاذ
رد الأستاذ في الحال وهو ينظر إليه:
إذا كنت جحشاً ستصبح حماراً
***
 الأعداء
كان مهووساً بخيالاته:
تخيل، وهو في نشوة،  كيف أنه صرع أعداءه الواحد تلو الآخر.
جاء الأعداء وطردوه من البيت .
تخيل، وهو في نشوة، كيف  يواجه أعداءه الذين طردوه من بيته.
ظهر الأعداء وسلبوا كل ما معه من مال.
تخيل، وهو في نشوة، كيف كان يعيش خيالاته السابقة، حتى اللحظة التي لم يعد فيها شيئاً .
لم يعد الأعداء يظهرون !
***
عمل ما
رغب في أن يقوم بعمل غير مسبوق، ويعرَف به.
استعرض في نفسه أعمالاً كثيرة .
لم يعجبه أي منها .
علي أن أركّز على عمل ما!
قالها في نفسها، وباشر التفكير من جديد، مستعرضاً أعمالاً أخرى .
لم يرتح لأي منها .
مرت سنوات طوال، دون أن يستوقفه عمل ما .
هاهوذا العمل الذي يناسبني !
صرخ فرِحاً بينه وبين نفسه ذات يوم !
رجْلاه لم تعودا تحملانه !
***
رؤية
رأى النهر جارياً
رأى الشجرة تكبر
رأى العصفور يطير 
رأى التربة وقد اخضرَّت
رأى الغيمة وهي تمطر
رأى الشمس تشرق وتغيب
رأى طفلاً وهو يرسم طريقاً ويسلكه
رأى أبواباً تُفتَح وتوصَد
رأى الناس يمضون إلى أعمالهم صباحاً ويرجعون مساء
رأى مقبرة حيّه تكبر يومياً
لم يره أحد !
***
انتباه
لفتت نملة صغيرة انتباهه وهي تقسم حبة قمح إلى فلقتين .
طال في النظر إليها .
كانت النملة منهمكة فيما تقوم بها، وهي تنشغل بحبة قمح أخرى .
ضايقتها نظرته إليها .
خاطبته وهي متوترة:
أليس لديك حبة قمح تقسمها ؟
***
علاقة 
رسم غرفة كبيرة ، وأطلق فيها عصفوراً.
فتح نافذة بريشته في الغرفة.
خرج العصفور فرحاً.
أضاءت الغرفة بكاملها .
فتِح الباب واسعاً.
خرج الرسّام محلّقاً بريشته.
استقبله العصفورُ مزقزقاً !
***
سأطير :
صعد إلى قمة عالية !
سأتعلَّم:
قطع بحاراً وجبالاً !
سآكل:
تسلَّق شجرة وقطف ثمرة !
سأشرب ماء:
عثر على نبع في قلب صخرة !
سأعمل:
فتح طُرقاً من الجهات الأربع !
شُيّد له نصْب تذكاري في قلب المدينة!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…