إطلالة في رواية غصن على متن السراب للكاتبة الكردية السورية نوجين قدو

نصر محمد / المانيا 
هنا الحكاية يطول بها الطريق 
ودروب الشعور لا تنتهي 
هنا الألم هو بطل الحكاية 
الى صاحب الشعور المسؤول 
المتلئ محبة وإنسانية 
الشاعر نصر محمد 
بهذه الكلمات اهدتني الكاتبة نوجين قدو روايتها ( غصن على متن السراي ) عندما التقيت بها في برلين على هامش مهرجان الفن والثقافة الكردية ، سعدت جدا بقرائتها وكان لي هذه القراءة المتواضعة 
قبل ان ادخل عالم القراءة من بابها الواسع علي ان اتقدم للقارئ بلمحة عن الكاتبة نوجين قدو
#نوجين أحمد قدو من أكراد سوريا في منطقة عفرين في الشمال السوري، من قرية ترندة. نشأت في مدينة دمشق ومن ثم انتقلت بعد عدّة أعوام للعيش في مدينة حلب، حيث تابعت هناك مسيرتها في الحياة الاجتماعيّة والدراسية، حتى درست اللغة العربيّة في جامعة حلب، لكن بسبب ظروف النزوح والحرب في سوريا لم تُسمح لها الفرصة بإنهاء مشوارها الدراسي في الجامعة.
في عام ٢٠١٧م تخرّجت من معهد اللغة الكردية(Viyan Amara ) في عفرين وحصلت ع شهادة لغتها الأم (الكُرديّة) بمستوى عالي لتوأهلها لتدريس اللغة الكرديّة بعد ذلك في المدارس والمعاهد .
بعد هجمة الحرب الثانية والكبرى في عفرين من قِبل الاحتلال التركي وفصائله المسلّحة اضطرت للهجرة إلى ألمانيا .
وها هي وبعد مرور ثلاثة أعوام تشقّ طريقها من جديد في محاولات جادّة للانطلاق نحو الأحلام التي تطمح إليها وتعمل لأجلها.
كانت الكلمات والسطور هي شغفها الأول في الحياة ومنذ نعومة أظافرها ، لتنمو في داخلها وتتطوّر بالوعي والإطلاع والقراءة المكثّفة والتي كانت ولا تزال جزء من يومها 
.
لديها الكثير من الاشتراكات الأدبيّة فيما يخصّ النصوص الأدبيّة في العديد من المجلاّت الثقافيّة الحيّة منها والإلكترونيّة. أيضاً روايتها حصاد الجهد الذي بذلته أعواماً والمشاعر المتداخلة التي ادخرتها جراء الأحداث، التي خُضت تفاصيلها في واقعها وواقع الأبطال في محتواها.
كلها أمل أن تكون الرواية قد لامست كل من قرأ فحواها وعاش مراحل تصاعد أحداثها الحقيقيّة بشهادة العين.
وهنالك أيضاً أعمال أخرى منها قيد الكتابة ومنها قيد الطباعة والنشر، حيث تحتاج فقط الوقت والفرص المناسبة.
غصن على متن السراب : 
تتحدّث عن المأساة التي عاشها المجتمع الكُردي في عفرين بعد الاحتلال التركي وفصائله المسلحة عام ٢٠١٨م. 
تتناول القضايا الاجتماعيّة والإنسانيّة البارزة في المجتمع على الأرض وتسلّط الضوء على الانتهاكات والإجرام الذي مارسه المحتل بأبشع الوسائل والأساليب على الشعب العفريني.
تلامس الرواية وجدان الإنسان ومشاعره بوصفها الحقيقة المؤلمة والواقع الذي فرض بؤسه على المجتمع في ظل الاحتلال.
(غص على متن السراب ) عنوان الرواية حامل مفتاح متن الرواية والهامس بمضمونها وبعدها الفكري ، وهو الضوء الوامض للمتلقي ولفت انتباهه ، وربما إثارة الأسئلة في مخيلة القارئ لمبنى ومعنى الرواية ، مما يثير اهتمامه لفك شيفرته ، وقد يكون العنوان مجرد لافتة تثير الانظار والأنبهار لدى المتلقي
تستهل الكاتبة نوجين قدو روايتها بهذا الإهداء ، والذي نجده على علاقة وثيقة بنصوص الرواية الذي جاء فيها 
الى كل رسائلي التي مزقتها في ليلة هاجت بذرفي 
مطرا من حروف 
وشاية من ستين تنهيدة ، والف إنكسار 
الى الفقد طويلا 
الى الحكايا الكثيرة التي ماتت في سرها برصاصة فيرحنجراتها 
الى السعي وراء الشمس 
الأمل ابداً ..
إليك من بين الحقيقة والغياب .. 
حيث تكون حيث تجعلني أكون 
إلى عناقيد الياسمين 
اشخاص قلبي 
إليهم جميعاً ، مذ حبوت وحتى تعلقت على ظهر السنونو 
تشتثت بجناحيه وحلقت 
إليك مسك الختام 
قبلة حريق 
من شفتي اشواقي 
والحقيقة بين يديك 
والكثير الكثير من الحنين 
إليك عفرين 
تقول : ( سلبوك منا عنوة ، وهم اهلي سندي المهزوم ، وراء ستائر الغربة ، فقدتهم اولا عزيزي ، فغدوت انت دائي ودوائي ، 
تمسكنا بقرارنا بالصمود سويا ، 
ولكن البقاء،في دفئ الوطن ، انقلبت علينا بردا ، زمهريرا ، صار الدفء امنية والأمان حلم يرافق غفواتنا ،
واليوم بعدما تقاسمنا خبز المقاومة نحن الضحايا ، بات هناك من يتاجر بمأساتنا على المحطات التلفزيونية وعبر مواقع التواص الإجتماعي ، ومن يجعل منها بيعة مريحة ولقمة سهلة المضغ والإنتفاع ، صرنا كرة يسددون ضرباتها بأقدامهم وفي اهدافهم وملاعبهم ، اجل لقد نالوا منا وأصابونا في قلوبنا مباشرة ، فما اشد إسقاط القذائف على قلبي في كل لحظة غبتها عني ، وتركتني انهش بين هؤلاء الوحوش البشرية ، ذاتهم خالعي الأقنعة والوجوه ، فكانت حروبنا النفسية اشد سخطا على القلب من كل الدمار الذي حصل من حولنا ) 
هنا الكاتبة تحكي عن الكارثة التي لحق بمكان نشأتها عفرين ووقوعها بيد المرتزقة ، وراحت توثق نوجين قدو وتدين وتشجب بما حصل ،واستطاعت ان توصل للعالم وللتاريخ صورة الفظائع المرتكبة بحق عفرين
#وتتابع الكاتبة نوجين عن عفرين حيث تقول :
( كانت الغارات متواصلة والقذائف ترمى من كل حدب وصوب ، نحو المقرات العسكرية والتجمعات المدنية ، فيتعالى صخب الموت كل يوم وتعلو زغاريد امهات الشهداء قهرا وتعذيبا ، تلوك الاكفان اجساد الصغار والكبار اينما اتفق ، 
كانت الأقبية يوما بعد يوم في مركز عفرين قد احتشدت بالسكان من كل مكان وتم الإعلان عن حالة استنفار تام ، فأغلقت جميع الدوائر الحكومية والمتاجر وتم تأمين الإحتياجات الغذائية ما امكن للسكان ، تكاتفا ومقاومة مع ابناء الشعب الواحد في وجه العدو المحتل )
الكاتبة الكردية السورية نوجين قدو تقود القارئ في روايتها سيراَ حينا وركضا في الكثر من الأحيان ، نتابع الكلمات والأحداث بلهفة
الفضول و الحيرة ونلتهم الكلمات التهاماً ، لا نملك الفرصة من الهرب من فتنة حكاياتها المتداخلة ، حيث تتحول اللغة الى مجرد اداة ، وتصبح بالتالي مثل ازميل نحات او فرشاة رسام ولا تكون محور اللوحة الإبداعية مثل ما تعودنا من بعض الكتاب ، الذين يهتمون باللغة وزركشتها على حساب الحكاية وحداث الرواية مثلا
تقول : الكاتبة في نص لقد ضاق الخناق يا آدم 
( ذات مساء ، كان آرام فيه غاطساً في غرامه ، بجانب الغرفة التي تطل على الشرفة ، لا يبعد نظره عن شاشة الجوال ، فحديث الهوى جار عبر الرسائل الهاتفية بلا انقطاع ، ودارا الصغير بجانبه يلهو بلعبته الوحيدة ، يفك دواليبها ليعيد تركيبها كما يحب ، وتيا في المطبخ تعد طعام العشاء ) 
رغم كثافة الأحداث المحيطة بعوالم الرواية ، لكن الروائية نوجين استطاعت بمهارة ان تخفف من وطئها ، هكذا تنسج من عمق المأساة ، حبكة جميلة تأخذ القارئ منذ بداية الرواية ، حكاية تحوي عناصر التشويق التشويق ، تنطلق من بلد دام الحرب فيها لسنوات ، حيث تقول : 
( في بلد دامت فيه الحرب على مر ثمانية اعوام متواصلة ، كل يوم تدمر فيه بلدة ، تتنهد فيه حقوق الإنسان ، تشرد الأطفال ، اطفال ضحايا على أيدي تجار الرأسمالية في اسواق المهانة واليتم ، يباعون بأزهد الأسعار في حلبات المصارعة ، في الأزقة والطرقات يتقاضون شرف الشهادة ، يتقاضون اجر الوجود ، يوهبون انفسهم التائهة في عالم الطفولة المحطمة الى المجهول ، مجهول إنسان ، باع مفهوم الإنسانية واشترى لنفسه مفاهيم وحشية اخرى ، يجيدها هو وأمثاله تحت مسمى الإنسان )
التقنيات السردية التي اعتمدتها نوجين قدو تبدو جديدة ومختلفة ، ساهمت في تحقيق عنصري التشويق واستحضار الماضي ، تقول في نص يوم حرفوا فيه صوت الله 
( في ربيع تحالف مع الشتاء ألا يزهر أبداً ، فبات حزينا شاحباَ ، ساكناً كالمكلوم قلبه امام جثة امه الهامدة ، يتحسس وجها البارد كالجليد ، فتتصلب احداقه وتتجمد صرخاته في مآقيه ، 
بتاريخ 18 / 3 / 2018 في فجر غاب عنه وجه الله وماتت الأماني في احضان الرجاء ، كان الشعب عندئذ يلاقي بؤس المصير ، اقتربت اصوات الأقدام الغاشية ، تحرق مع كل خطوة ذكرى هاك الشعب ، تلهب ناراً في لفافات تبغهم المتروكة ، تعلنها نصراَ وفتحاً جديداَ اصوات الرصاص تشق القلوب فزعاَ ، تعلن حتمية الإحتلال )
على الغلاف الخلفي للرواية تقول : الكاتبة نوجين قدو 
( عندما تتقلص فينا مساحة الشعور ويغيب عن رشدنا جل الصواب ، نلجأ الى مخاض الذاكرة ونعيش الذكريات على شكل صور محمضة ومقاطع فيديو والكثير من الكلمات ، 
اجل نعيشها بهشاشة نفوسنا وتحت احتلال جبروت الحنين لنا نطالب بكل مافات ، بالأغاني القديمة ، الحب الضائع في الماضي والكثير من الأشخاص العابرين الذين لم يربطنا بهم سوى شعور لم ندركه إلا بعد فوات الأوان وسباقنا مع الزمن ، الذي تفوق علينا وانتصر . 
اننا محكومون بالماضي احبتي ، بالأرشيف الذي روى مآسينا وحفر مساراته ندوباً في صدورنا ، والذي سيروينا غداَ ، سيكتبنا ويتعثر بنا نحن المؤقتون في سكته وهو الخالد والباقي ) 
قبل الختام لا بد من الإشارة الى نجاح الكاتبة واجادتها بتوظيف ثقافتها الواسعة التي دل عليها الكم الهائل من المعلومات في جسم الرواية ، ودل عليها كثرة التناص الذي يتناثر على امتدادها
وهذا إن دل على شيء ، انما يدل على ثقافة الكاتبة واهتمامها باللغة .
في الختام 
رواية غصن على متن سراب هي رولية سهلة الفهم بالنسبة للقارئ فبنيتها الأسلوبية والسردية تجعلنا نصنفها من اهم الروايات التي يجب قراءتها ودراستها ، كونها تعتبر رواية واقعية تعالج واقعا معينا ، وهو الآحتلال التركي لمدينة عفرين ، تحمل في طياتها مجموعة من القيم الإنسانية من قبيل الحرية والهوية الوطنية والكرامة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…