الدكتور جوان حقي
ترجمة عن الكوردية: جان كورد
وهكذا:
فإنك لن تسكب لي الدهن، فلا تتملق لي
بل كن شخصية متزنة،
رجلاً، جيداً، طيباً، ومحباً للخير.
ولا تتخلى أبداً عن مبادئك وأسسك،
لا تخفي الأفكار التي في رأسك،
ولا تقضم الكلمات في فمك.
كن جسوراً، وتكلم من دون خوف.
تحدث “مختصراً و بالكرمانجية”
عندها ستكون ناجحاً.
وأنا أيضاً.
جيد؟
فهزّ (بوزو) ذيله،
وكأنه فهم كل شيء.
واستوى بقامته،
ووقف أمام قاسو مثل شريكٍ له.
وهزّ ذيله ثانيةً مرات أخرى،
وكأنه يقول: لقد فهمت كل شيء.
فلاحظ هذا قاسو في الحال وقال:
– طوبى، يا ابن الطوبائيين
– يا خيار ابن الخيارين
– يا أيها المهرّج!
الآن أحببتك،
آه، أنا أريد منك هذا فقط.
وهكذا دام الأمر،
واستمرت حياة الاثنين على هذا النحو
حيث أصبح حرجو قاسو وبوزو صديقين حميمين
وكانا ممتنين من حياتهما هذه
فقال قاسو لنفسه:
-آه، ما أحلى هذه الحياة، إنها آمنة،
إنها حياةٌ من دون علل، ومن دون وجع رأس،
ما لي ولسياسة الناس؟
ما علاقتي بأموال وأملاك الناس؟
ما لي والحقد والكره والفساد والحسد والكاذبين؟
ما لي والمتملقين والنصابين؟
آه، فها أنا ذا بعيد عنهم جميعاً،
فشكراً لله ربي،
ومر زمن طويل على هذه الحال،
وكان الاثنين راضيان عن حياتهما.
في صباح أحد الأيام،
بعد أن رعى قاسو أغنامه،
منحها استراحةً.
فجلس وانشغل بتحضير شايٍ له،
أما بوزو فكان مستلقياً على ظهره،
لم يكن يطمح في شيء،
ولم يكن يهتم بشيء.
وفجأة علا ضجيج ما،
فنظر حوله،
فماذا رأى؟
رأى كلباً يتقدم باتجاه الحمار.
فوثب بوزو في الحال وأسرع باتجاهه،
ولكن عندما اقترب منه أبطء الخطى وتوقف.
وقال:
– يا ولد! يا أحمق! عمَ تبحث وماذا تفعل هنا؟
فأجاب الكلب الضيف:
– بالله عليك، لا تسأل!
فإن قدري هو الذي رماني إلى هنا،
واسمي هو (بينتو)، فما اسمك؟
– بوزو.
ولكن اعلم أنه إذا ما رآك صاحبي،
فأقسم بالدين والإيمان أنه سيحرقك،
سيعدمك.
فقال (بينتو): – هيا توقف يا…
فو الله ابوه لا يقدر على عمل أي شيء ضدي.
فقال بوزو:
– عد بسرعة إلى المكان الذي جئت منه، قبل أن يراك،
فهذا أفضل لك.
فإنه لم يقبلني إلا بعد ضربه لي كثيراً،
فأنت حر فيما تفعله،
ثم إنه لا يستطيع تحمل مسؤوليتك وعبئك أيضاً.
فقال (بينتو):
– ياولد، يا أحمق ابن الأحمقين!
أنت، قبل أن تتعرّف علي، تغضبني،
فتوقف قليلاً،
لا تستعجل أيها الموروث ابن الموروثين!
فأسأل أولاً عن حالي وأحوالي،
يا قليل الشرف!
أيها الحمار ابن الحمير!
اسأل!
لماذا أتجول وعم أبحث هنا،
يبدو أن رأسك هذا لا يعمل جيداً.
فتوقف بوزو بعض الشيء وقال لنفسه:
– ياو، أفلا يكون هذا هو الثعلب الساحر الأشد مكراً في العالم، أخفى نفسه في فروة كلب؟
قسماً بالدين والإيمان، هذا يريد انتزاع مكان عملي مني.
لا، لا يجوز!
يجب عليّ طرد هذا من هنا.
إلاّ أنني – والله – لطيف للغاية.
أفضل شيء هو أن أعمل بنصيحة صاحبي فأجربها الآن هنا.
بمعنى أن يكون المرء سوياً وواثقاً من نفسه.
وأن يكون مختصراً في حديثه، كرمانجياً.
وقال على أثر ذلك للكلب الضيف مباشرةً:
– ياولد، ألست تريد احتلال مكاني في عملي؟
فأجاب (بينتو):
– أنا لا أعرف ماذا تعمل!
يا أحمق،
وليس هناك أمرٌ كهذا،
إلا أنني لا أخفي عليك أني أبحث عن عملٍ جديدٍ لي،
من يعلم؟ فلربما يقبلني صاحبك كمساعدٍ لك في عملك،
إلا أنني لم آتِ إلى هنا لأكون منافساً لك،
وبودي أن تعرف أنت لماذا جئتُ إلى هنا،
فقد وجدتني فجأةً هنا.
هذا هو كل شيء.
فهل تريد سماع مأساة حياتي؟
فصدق (بوزو) كلامه الصادق هذا.
فقال لنفسه:
-والله هذا يستحق سماعه،
فلننظر ما جرى لهذا المشرّد (المهدم بيته)،
فأنا متشوق لسماعه.
وبعد ذلك أدار وجهه صوب (بينتو):
– هيا تفضل، أيها الفقير، يا من على رأسه التراب انتثر، لقد شوقتني لمعرفة قصتك، فإن شاء الله لم يحدث لك مكروه.
فسأل (بينتو) أولاً:
– ماذا تعمل أنت؟
فأجاب (بوزو):
– أنا أحرس قطيعاً من الغنم.
واسم راعينا (حرجو قاسو)،
إنه شخص يبدو قوي الشكيمة،
يابس الرأس عجيب!
ولكن عندما تعرفت عليه أنا عن كثب، وجدت أنه إنسان لطيف،
هادئ، ونحن نفهم بعضنا جيداً جداً.
وشكراً لله، لم يحدث أي شيءٍ يسيء لما بيننا،
وصاحب الغنم بذاته لا يتدخل في عملنا أبداً.
فقال (بينتو):
– هذا حسن جداً
إذاً، فهذا المكان سهل وواسع لك،
وأنت غني الآن،
صدقني، فإن نسل هكذا إنسانٍ جيد، مثل الذي حدثتني عنه، قد زال.
إذاً، قل لي إنك واحدٌ محظوظ،
حسناً، سأخبرك بقصتي الآن.
وبدأ (بينتو) برواية قصته:
– كنت أنا أيضاً حارساً لقطيع ماشية لدى أحد الرعاة،
إلا أن منطقتنا كانت تعج بالذئاب،
الذئاب الكبيرة، ذوات الأعناق الغليظة، كالدببة،
فكانت تهاجم قطعاننا كل يوم،
فتتلف ماشيةً أو اثنتين كل مرة،
وإذا كنتَ كلباً ضعيفاً مثلي، فماذا تستطيع القيام به في مواجهة تلك الذئاب؟
وكان هناك ذئب ضخم، أسود المؤخرة،
ولذا كان صاحب قطيعنا يسميه ب”باتك ره شو – صاحب الفخذ الأسود”.
فقد كانت على فخذيه بقعة سوداء كبيرة.
فكان ذلك الذئب خاصةً يهاجم على قطيعنا كل يوم،
كان يأتي، فيخنق الشاة التي يريدها، ثم يذهب في طريقه.
وكان يعلم أن صاحب الغنم لن يمس الشاة التي قضى عليها الذئب،
ولم يكن يأكل لحمها لأنها “حرام”.
فكان الذئب يعلم بأنه سيدع له تلك المواشي التي قتلها،
وفي الليلة التالية كان (باتك ره شو) يعود ليفترس لحم تلك المواشي بعافية،
وكان يجر معه أحياناً قطعة كبيرة من اللحم
ليأخذه كهدية لأصدقائه.
فماذا أقول؟
على كل حال،
كنت أنا أختفي في جحرٍ،
قبل أن يأتي الذئب (باتك ره شو)،
وما كنت أخرج من ذلك الجحر،
حتى أتأكد من أن (باتك ره شو) قد ذهب من المكان وابتعد.
بعدئذٍ، كنت أخرج من الجحر الذي اختفيت فيه من قبل،
وكنت أنبح بصوتٍ عالٍ طالباً النجدة، فالذئب قد أتى!
إلا أن (باتك ره شو) كان قد غادر المكان، وأصبح غباراً تلاشى أو ضباباً انقشع.
واختفى.
وعندما كان الراعي يأتي مهرولاً، كان يجد شاةً أو اثنتين أتلفهما (باتك ره شو)،
فكان يصب شتائم الدنيا وإهاناتها عليّ وعلى (باتك ره شو).
كان يصرخ فوق رأسي، ويغضب لأنني لم أخنق ذلك الذئب.
أنا الفقير لله، كيف سأتمكن من خنق (باتك ره شو)؟
هذا كان أكبر من طاقتي وأبعد من جرأتي،
فكان الراعي ييأس مني،
ويغضب عليّ.
إلا أنه كان بلا حول ولا قوة، لا يدري ماذا يفعل،
ولم يكن يعلم أنني كنت أخفي نفسي كل ليلة في الجحر خوفاً من (باتك ره شو).
(يتبع….)