ماجد ع محمد
كالذي زرعني ولم يلتفت إلَي
مضى وحتى قطرةً على شكل الوداعِ
عند الغرسِ لم يُدلق علي
فزُرعتُ كما تُزرع من تلقاء ذاتها اللّمعةُ في الأثيرِ
أو كحبةٍ بفضل احتكاك كيس القمح بظهير البعيرِ
على شمال الحقلِ سقطتُ
فلا أتذكر مِن الزارع إلّا ولوح ظهره إلي
ومثله تماماً أظنكم لم تشاهدوا
كيف راحت تتعقُّب باشمئزازٍ فصول مسيرتي
ولا ربما حظيتم
بمن يتلو عليكم أبوابَ متفرقة من سيرتي
ولا تعثرتم في خمّارةٍ أقربُ إلى مناخ الحظيرةِ
بمن يضيء عتمات جهلكم
بقبساتٍ من قصتي
لذا فإن رأيتموني في الدربِ
ملتفاً عليَّ كالكلبِ
لا مبالياً بي
مَرمياً في ظل حاويةٍ
لم يألفها منذ قرونٍ إلَّا عويل الجربِ
أو عند مروركم عفو الخاطر
بمقبرةٍ
أو بحديقةٍ
أو بنفقٍ مُغرقٍ بالمهملات
فأبصرتموني بهيئةٍ ظننتموها لا تليقُ بي
ممغوصَ الأركانِ
مَقعياً على حافةِ رصيفٍ مثلكم
لا ينظر بأيّ احترامٍ إلي
فلا كلبةً تحن علي
ولا جرواً من جموع اخوته يهتم بي
ومن بين معشر الأحياء
وحده الذباب بلا كللٍ
يعقد مبتهجاً
حلقات الطّرب حوالي
إذاً فعند المرور بي
كمرساةٍ مرميٍّ في القاعِ كونوا هادئين
أو كحال جدار المعرض بلقائه رهطاً من زوارٍ برجوازيين
أو كما يتطلب المشهدُ الغريبُ من أهل الرِفعةِ
بأن لا يبلغوا مراقي الذهولِ كأناس محترمين
بل لكم أن تتابعوا الزّحفَ كعظّاءةٍ محايدة
فلا تشتموا في سركم قرينتي
ولا تلعنوا جرّاء ما صدمكم ذريتي
تمعنوا فحسب بسحنتي
وإذا ما وددتم بألَّا يفوتكم خلاصة ما ترونه أمامكم
خذوني كقصةٍ حية عبرةً لكم
من غير أن تحمّلوا أنفسكم هاجس الاهتمام بي
لا تتكهنوا بما هو خلاف ما ترونه
توقعوا بأني أعيش ذروة فرحتي الوجودية
ولِمَ يا ترى تكثرون على حرٍ لامبالي
عاش حياته بالطول والعرضِ
أن يتنعم بما تبقى له من العمرِ
ممدداً هكذا بكامل الحرية على نمارق الأرضِ؟
وبما أني أخمنكم من أهل البصيرةِ
فحريٌ بكم أن تتعاملوا مع مَن بلغ فردوس دنياه
عبر اللامتناهي من سلالم الغريزةِ
ومَن عاقر مذ اليفاعة من خوابي التهتّك
وكأنه ينهلُ منعشاً من كوثر الأبديةِ
أليس من المستحسن أن لا توقظوه ؟
أن لا تقلقوا راحته
بدعوى إنقاذه من مهاوي الأذيّة
وإياكم من حاشية الفضولِ
أو من كوة الرأفةِ أن تُنهضوه
إنما احتراماً لاختياراته الشخصية
يليق بكم وبه
أن لا تسعفوه
بل وكما هو تدعوه
معفراً بآثار ما خلّفته النعالُ البشرية
وتمضوا بعيداً عنهُ
ليبقى مع ما صنع محتفلاً بمفردهِ
متحملاً وزر ما كسبت يداه
لوحدهِ
كسحليةٍ طاعنةٍ في السن
يستنشقُ على أقل من مهلهِ
خواتيم هواء الحرية.
19/12/2016