بافي مزكين… سفير الدبكة الكردية

عبدالهادي عثمان

 
تعرفت عليه في تسعينات القرن الماضي في دمشق ، ذاع صيته في الوسط الفني والفولكلوري ، وبسبب توجهاتنا السياسية المختلفة لم تكن هناك قنوات تواصل قوية ، ترعرع في كنف كوما آزادي وأنا كنت في حضن كوما آراس. 
شاء القدر أن نلتقي ثانية بعد غياب طويل ومحطات قاسية من الحياة ، ولكن زادت المحبة هذه المرة ، فقسمنا القدر بين ذكريات الماضي الجميل ورحلة الاغتراب الصعبة.
عاش بعيداً عن الأضواء والأنظار ، حيث عمل كجندي مجهول في كل المواقع ، يجمعنا كره الاتجار بالمصطلحات والكاميرات.
عاش هادئاً ، خلوقاً ، عاشقاً للفن وخدمة الفولكلور الكوردي بكل اقتدار ، أحبه الناس ، عرفته – ركن الدين – بدءاً من كيكية وجسر النحاس وابن العميد وشيخ محي الدين وحتى ساحة شمدين ، هذه الحارات الكوردية الموغلة في تاريخ الشام ، حيث جعل ارصفة الشوارع ترقص كوردياً وتستيقظ كل مناسبة وخاصة في عيد نوروز…لاشك بأن حدائق تشرين والتضامن والفيحاء وبردى حنت الى مشاغباته الجميلة ورحلاته الطلابية حتى انكسف ياسمين الشام حرقة لغيابه.
إنه المايسترو إبراهيم إبراهيم بافي مزكين ابن بلدة تربسبية (القحطانية) الأصغر بين اخوته ، وهو من مواليد عام ١٩٥٧ ، عاش طفولته الأولى فيها ، وبسبب ظروفه الصعبة حينذاك لم يكمل تعليمه الابتدائي ، حيث رحل والده مبكراً الأمر الذي ضاعف من مهمة الوالدة الضريرة أيضاً. 
قال لي ذات يوم والألم يعتصر قلبه:
كنت برفقة والدتي نقصد احدى القرى مشياً على الأقدام ، تعرضت للغرق ونحن نقطع احد الانهار في منطقة الجراح وبقدرة قادر استطعت ان انهض من وسط الشلالات وامسكت بيد والدتي التي كانت الصرخة مجمدة في صوتها.
كان ابو مزكين يرافق المطربين في الحفلات حيث رافق الفنان لطيف نادو والملقب ب (لطو ) فتأثر بفنه وعزفه على آلة المزمار( زرنا) وعاصر ابنائه ايضاً( صبري،شكري،لوند).
انتقل عام ١٩٦٦ الى قامشلو مع العائلة وعمل في مطعم (جانيك) وهو لم يتجاوز عشر سنوات.
حط به المطاف في عام ١٩٦٧ مع اسرته في دمشق ، حاول اكمال دراسته ، وفي الصف السادس يعانده القدر ليترك المدرسة مرة اخرى ليبدأ رحلة العمل الشاقة حتى عام ١٩٨٧ بين اعمال يدوية مختلفة.
في عام ١٩٧٢ أنضم الى الشبيبة الديمقراطية التابعة لحزب اتحاد الشعب.
انضم الى صفوف البارتي في عام ١٩٧٣ وهو في سن ١٦ سرعان ما قام بتأسيس فرقة كوردية مع مجموعة من الاصدقاء منهم :
ياسين ديركي ، ادهم وانلي.
وسمى فرقته بكوما آزادي في عام ١٩٧٥ ليصبح مدرباً رسمياً للفرقة بكل قوة والعنفوان حتى الآن.
زار في عام ١٩٧٦ برفقة ثلاثين شخصاً الى الأردن لأحياء اعياد نوروز وميلاد الراحل الملك حسين ، التقى من خلالها بالملكة بسمة شقيقة ملك الحسين لدى حضورها حفلة نوروز.
في أعوام ١٩٨٤ و ١٩٨٥ و ٢٠٠١ قام بتدريب كوما نارين في قامشلو.
كما قام بمساعدة فرقة سرخبون في عامودا وذلك بتقديمه عدة أنواع من الدبكات من الفلكلور الكوردي.
في عام ١٩٨٦ وبسبب مضايقات النظام السوري على أعياد نوروز ، قامت الاجهزة الامنية بمصادرة الباصات التي تم تأجيرها لنقل المحتفلين في الاحياء التي تتواجد فيها الكورد ، ما ادى الى غليان الشارع الكوردي واتجهت الجماهير الغاضبة وبعفوية الى القصر الجمهوري ولكن الأمن لم يتوانى في امطار المظاهرة بوابل نيرانها مما ادى الى سقوط سليمان آدي شهيداً بجانب ابو مزكين وجرح الأخرين ، حيث كانوا ينادون بحرية عيد نوروز.
وفي الأعوام التي تلتها انتقل ابراهيم ابو مزكين الى الأردن وقام بتشكيل فرقة فلكلورية وخلال فترة تواجده في المملكة الأردنية وبحكم قربه من جمعية صلاح الدين الأيوبي الكوردية في عمان/جبل ويبدة/ حيث أماكن تواجد الكورد كان يقوم بأحياء حفلات الأعراس الكوردية وميلاد الراحل الملك حسين ، لكنه لم ينقطع عن فرقته في دمشق، كان يتردد بين الفينة والاخرى لمتابعة تدريبها.
خلال فترة تواجده في الأردن عُرض برنامج على التلفزيون الاردني عن جمعية صلاح الدين الأيوبي الكوردية ونشاطات الفرقة وذلك بمساعدة الاردنيين من ذوي الأصول الكوردية أمثال ( أحمد قره شولي، سعيد آلا رشي، جاسم الكوردي ).
التقى بالزعيم الكوردي مسعود البارزاني في ١٩٨٨ مع طلبة الكورد في جامعة دمشق عند حضور احتفالية الاحزاب الأممية 
ومما لفت نظر الحضور كلمة الزعيم مسعود البارزاني والتصفيق الحار من قبل الطلبة.
عاد بادراجه الى دمشق مرة اخرى عام ١٩٩٦ لمتابعة فرقته ونشاطه دون كلل أو ملل ، في نفس العام قام مع فرقته (كوما  آزادي) بزيارة الرئيس مسعود البارزاني في مقره الكائن في حي البرزة.
تعرض للاعتقال في ٢٠١٢ وقضى ستة اشهر متنقلاً بين سجون دمشق ابان بدايات الثورة السورية ، تم ملاحقته أمنياً من قبل محكمة الأرهاب السيء الصيت مما اضطر الى ترك دمشق و الاتجاه الى أقليم كوردستان ، وفي مخيم دوميز قام بتشكيل كوما آزادي لإحياء الاحتفالات مرة اخرى الى جانب نضاله ضمن صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا.
غادر كوردستان عام ٢٠١٥ باتجاه بلاد الاغتراب للالتحاق بعائلته في المانيا.
شكّل كوما آزادي عام ٢٠١٧ في كل من المانيا وهولندا لمتابعة نشاطه واحتفالاته القومية ، حيث يشارك سنوياً في ملتقى الديوان الشرق والغرب في مدينة مونستر الالمانية للتعارف بين الثقافات والشعوب وفي كل مرة تبهر فرقة آزادي بزيها المزركش ورقصاتها الفلكلورية وعلمها الكوردي الجماهير الحاضرة بأدائها المميز .
خلال مسيرته الفنية تم تكريمه من مختلف الأحزاب والشخصيات الكوردية تقديراً لنشاطاته .
ولكنه الآن يعاني من مرض الكلى ورغم ذلك لا تغيب عن روحه المرحة العطاء والنضال المستمر في سبيل رفعة الفن والفلكلور الكوردي.
 وبحكم الصداقة التي تجمعنا أحببتُ تكريمه بهذه الأسطر وبأن الآمال والطموحات تبقى مشروعة رغم الظروف والتحديات طالما وجدت الإرادة والتصميم أتمنى ان اكون قد وفقت في تسليط الضوء ولو بجزء يسير على مسيرة حياته الفنية الشاقة والطويلة.
مع وافر الدعاء له بالشفاء و العافية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…