ثقافة الحب وتجديد الثقافة من الهاوية الأخيرة

عصمت شاهين دوسكي
الثقافة الفكرية والتربوية والمنهجية والإدارية والسياسية والاقتصادية والعلمية كل واحدة منها تؤثر على الأخرى باتجاه ايجابي أو سلبي معين فالدول التي تخوض الحروب والتي فرضت عليها الحروب بمنهجية عالمية وتخطيط وبمساعدة رخيصة داخلية من أهل البلد تذوي وتتحطم كل هذه الثقافات بين ليلة وضحاها، يقينا الحروب لا تترك إلا آثار سلبية على الفرد والمجتمع خاصة بعدما أن تنتهي الحرب وتترك وراءها أزمات، رجال أو أحزاب أو أطياف يصنعون، يخلقون الأزمات ليبقون هم على كراسيهم وتبقى مصالحهم ويضربون مصالح المجتمع عرض الحائط، ما يلفت النظر الثقافة تسقط بسقوط الدولة بيد الاحتلال وإن كان من أهل البلد يمثلها فالاحتلال  الثقافي يجسد ثقافة هزيلة  برموز وصور مختلفة حسب نمط الثقافي للمحتل بتفكيك الثقافة الأصيلة للمجتمع لتصل إلى الثقافة الأسرية والسلوك الفردي الذي يسبب بتدهور شكلها الأصيل وينشرها ليعود البلد والمجتمع لعهود الظلام الوسطى، فهل يا ترى ثمة بداية تلوح في الأفق لعصر نهضة ثقافية جديدة تبعث مفاهيم الإنسانية والرحمة والحب في الصدور ؟ وهل سيزداد الاهتمام بالقراءة والأدب والفنون ؟ 
وهل يبدأ الوعي الحقيقي يتخطى قيمته لا مجرد جني المال والجاه والمظاهر الكاذبة وإشباع الغرائز الحيوانية ؟ هل يبدأ العد التنازلي للفساد الذي وصل بعد بيع الوطن علانية إلى بيع النساء والأطفال والصبايا في سوق النخاسة والحياة ؟ نعم بدأت هذه المعاني والرؤى والمضامين والمفاهيم تلوح في الأفق من شدة وعمق رحم الموت والخراب والدمار والفقر وقلة الإنتاج وقلة الواردات وتفشي الغلاء والبلاء وشراهة الحيتان الرأسمالية وإظهار المناصب الطبقية وتتويج العنصرية، إن الثقافة قادرة على جعل المدن أكثر ازدهاراً، والناس أكثر أمناً، وأكثر استدامة. ويجب أن يستخدم دور الثقافة كمصدر مستدام لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل المدن. هذا ما يستنتج من التقرير العالمي لليونسكو الذي يتناول الثقافة من أجل التنمية الحضرية المستدامة والمعنون بـ “الثقافة  المستقبل الحضري”، والذي صدر العام الماضي، بالإنجليزية، في كيوتو، الإكوادور، بمناسبة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالإسكان والتنمية الحضرية المستدامة (الموئل 3). ينتشر العمران بوتيرة سريعة في شتى أنحاء العالم والمتوقع، مع حلول عام 2030، وجود العديد من المدن الكبرى، بحيث يضم كل منها أكثر من عشرة ملايين نسمة. فالمدن الكبرى مثلها مثل المدن الصغيرة، تشهد زيادة في عدد المهاجرين والنازحين والذين يبحثون عن الأمان والسلام، وهذا يعكس زيادة التنوع الثقافي، الذي ينبغي استغلاله كمصدر من المصادر المستدامة التي تحث على الإبداع والتجديد والتنمية الشاملة للجميع فالمدن باعتبارها مراكز للتبادل الثقافي وللتراث، تحث على استغلال المساحات العامة واستخدامها كوسيلة لتعزيز النقاش والتعبير الإبداعي والتفاعل الاجتماعي. وفي هذا الصدد صرح المدير العام المساعد لليونسكو للثقافة، فرانشيسكو بندارين، قائلاَ : ” يجب أن ينصب تركيز المدن المستقبلية على ” الأفراد ” ( لاحظ قال الأفراد ولم يقل فئة معينة وسياسة معينة وحزب معين وثقافة معينة ..)، وعلى هذه المدن أن تصمد أمام العلاقات الموجودة بين المناطق الحضرية والريفية والمساحات العامة ذات الجودة، وذلك عن طريق توفير مبان ثقافي وبيئة طبيعية صالحة للعيش وهذا يتطلب اتخاذ قرارات مبتكرة ومتكاملة تضع ” الثقافة ” في صميم التخطيط والإنعاش للمدينة بهدف تحسين الاستدامة ومستوى عيش الناس في كل هذه الصور المؤلمة أنا متفائل رغم كل هذا الخراب والتيه والضياع والمظاهر القاتمة، لابد أن تستيقظ الضمائر الحية وإن سقطوا حينا من الزمن في هاوية الاحتلال الفكري، ولا بد من دور كبير ومؤثر للمثقف، العالم، المفكر، الشاعر، الفنان والسياسي النقي والإداري المخلص والقرار الصائب وكل فرد يجسد قيمة الحياة الثقافية الراقية التي تسمو بالإنسان نحو  ارتقاء ثقافة الحب والتجديد الثقافي الذي يظهر في مضمونها حضارة مدنية إنسانية عصرية متجددة، كل واحدة مرتبطة بالأخرى، فالذين يعبدون أصنام الكراسي والمناصب بلا تقديم خدمة للفرد والمجتمع سيأتي يوم وتتكسر هذه الأصنام وسيرميهم التاريخ في قمامة يتعفن فيها الجسد والفكر الوصولي، فالحروب التي مرت عبر التاريخ أعطت وتركت عبر ودروسا في الحياة فالعجز الثقافي لا بد أن ينتهي فقد صنعتها الحروب التي بنت على تجسيد إقصاء الآخر المختلف عنه والتعدي عليه واغتصاب كل حقوقه وموارده، وهذه تعتبر قمة الهاوية الثقافية الإنسانية الساقطة في وحل الاحتلال الفكري التي تعتبر الهاوية الأخيرة، وكأن السقوط في الهاوية الأخيرة هي الأمل الأخير للنهوض، لذلك متفائل إن ثقافة الحب التجديدية والثقافة التجديدية العصرية السليمة قادمة إن شاء الله . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…