حيدر عمر
معنى الفولكلور
” فولكلور ” كلمة إنكليزية مركبة من
(فولك) بمعنى الناس، الشعب، و (لور) بمعنى المعرفة، الحكمة، أي (حكمة الشعب أو
الشعوب). ظهرت لأول مرة في منتصف القرن التاسع عشر، و تحديداً عام ( 1846 ) في مقالة لعالم الآثار
الانجليزي ويليام جون تومس (1803 – 1885)، اقترح فيها تبني هذا
المصطلح للدلالة على التراث الثقافي الشفاهي للشعوب، مركِّزاً ” على الأخلاق
والعادات الاجتماعية والمعتقدات
الخرافية و المرويات المأثورة “([1])
مثل القصص الشعبية و الأغاني و الأمثال و
الحِكَم و غيرها من الفنون المنطوقة، كما أشار فيها إلى الجهود التي سبقته في هذا
الميدان في بعض البلدان مثل فينلندا و إنجلترا و ألمانيا التي راح مفكروها يبحثون
عن روح الشعب في الفولكلور، و التي ازداد فيها الاهتمام بالفولكلور بتأثير من
الحركة الرومانسية القومية.
(فولك) بمعنى الناس، الشعب، و (لور) بمعنى المعرفة، الحكمة، أي (حكمة الشعب أو
الشعوب). ظهرت لأول مرة في منتصف القرن التاسع عشر، و تحديداً عام ( 1846 ) في مقالة لعالم الآثار
الانجليزي ويليام جون تومس (1803 – 1885)، اقترح فيها تبني هذا
المصطلح للدلالة على التراث الثقافي الشفاهي للشعوب، مركِّزاً ” على الأخلاق
والعادات الاجتماعية والمعتقدات
الخرافية و المرويات المأثورة “([1])
مثل القصص الشعبية و الأغاني و الأمثال و
الحِكَم و غيرها من الفنون المنطوقة، كما أشار فيها إلى الجهود التي سبقته في هذا
الميدان في بعض البلدان مثل فينلندا و إنجلترا و ألمانيا التي راح مفكروها يبحثون
عن روح الشعب في الفولكلور، و التي ازداد فيها الاهتمام بالفولكلور بتأثير من
الحركة الرومانسية القومية.
ولكن المصطلح لم يقف عند التراث الثقافي فحسب، بل تعداه إلى التراث المادي أيضاً، تحت ضغط مصطلح آخر ظهر فيما بعد، هو ” الحياة الشعبية ” الذي يدعي مؤيدوه ” أن الفولكلوريين يركِّزون اهتمامهم على جانب ضيق جداً من المادة الدراسية، ألا وهو الأشكال الأدبية، ويهملون المنتجات الملموسة التي تبدعها أيدي الحرفيين الشعبيين، ويؤكدون أن دراسة ” الحياة الشعبية ” تستوعب كافة مظاهر الثقافة التقليدية، بما في ذلك التراث الشعبي الشفاهي”([2]). ومن هنا تعددت التعريفات التي طالت هذا العلم، ولكنها رغم تعددها ظلت جميعاً متقاربة. فعلى الرغم من أن ستيث تومسون([3]) يعرِّف الفولكلور استناداً إلى ما ورد في أول مختصر للفولكلور نُشِر عام ( 1890 ) بأنه ” دراسة مخلفات الماضي التي لم تُدوَّن “، فإنه يقول: ” على الرغم من أن كلمة فولكلور عمرها الآن أكثر من قرن، إلا أنه لا يوجد حتى الآن اتفاق كامل حول معناه “([4]). وهذا ما حدا بالباحث الكردي شهاب والي إلى القول: ” يصعب إيجاد تعريف للفولكلور، لأن ثمة تعاريف متعددة ومتباينة له.”([5]) ونحن إذ نحاول أن نلم في هذه الدراسة بأدب الفولكلور الكردي، لا بد لنا من أن نستعرض آراء علماء مختصين في تعريفهم الفولكلور.
في الحقيقة، إن تحديد المقصود بالفولكلور مسألة ليست سهلة، ذلك لأن المشتغلين في هذا الميدان، أو في العلوم الإنسانية ذات العلاقة بالفولكلور، لم يتفقوا جميعاً على تعريف واحد، أو معنى جامع له، و يعود السبب في ذلك إلى أن الفولكلور يشمل موضوعات مختلفة ومتباينة([6]). ومن هنا تعددت المعايير واختلفت في تعريف الفولكلور وتحديد معناه.
علم الفولكلور كلمة ثقافية، تتعلق بنوع من الثقافة هي ثقافة الشعب والإنسان وإمكاناته الإبداعية التي تتجلى في الفنون و العادات و التقاليد و الحِكَم و الأمثال، وجميع فنون الأدب الشفاهي، التي تكون موضوعاً لدراسات هذا العلم، الذي لم يكن مستقلاً في البداية، بل كان فرعاً للأنثروبولوجيا.
ذهب الأنثروبولوجيون الأمريكيون إلى أن الفولكلور هو الثراث أو أدب الشعب، وقد أفرز هذا الرأي تعريفين اثنين:
أ. هناك من الأنثروبولوجيين من يرى أن الفولكلور هو ” أدب الشعب الشفاهي فقط، ينتقل عن طريق الرواية”([7]). و يمثل عالم الفولكلور الأمريكي فرانسيس لي آتلي([8]) هذا التعريف، الذي نراه يضيِّق مجال الفولكلور، فيستبعد الفنون الأخرى كالموسيقى و الرقص و الجانبين الاجتماعي ( العادات و التقاليد ) و المادي ( الصناعات اليدوية و الأزياء و الأطعمة و غيرها ). كذلك يستبعد العلوم الشعبية كالطب الشعبي مثلاً. و يتفق معه الفولكلوري و الأنثربولوجي الأمريكي ويليام باسكوم([9]) الذي يرى أن الفولكلور ينتقل شفاهاً، و يتضمن الفنون الكلامية([10])، و هو بذلك يستبعد أقساماً كثيرة من الفولكلور، كالنحت و الرسم و العادات و المعتقدات الشعبية و الطب الشعبي و غيرها.
ب. ومنهم من يرى أن الفولكلور هو الثقافة الشعبية التي تنتقل شفاهاً. و قد تبنى هذا التعريف العالم و الباحث الفرنسي جايدوز (1842- 1932) الذي درس في ألمانيا ، و تنقّل كثيراً بين إنكلترا و إيرلندا، و تخصَّص في علم الأساطير و الأدب الشعبي و التقاليد و الأعراف. فهو يرى أن دراسة الممارسات والمعتقدات الخرافية والأدب الشعبي هي في جوهرها دراسة التراث الشفاهي. تبعه في ذلك اسبپينوزا الذي يرى أن ” الفولكلور أو المعرفة الشعبية هو الرصيد المتراكم لِما جرى به النوع الإنساني، وما تعلمه و ما قام بممارسته عبر العصور في شكل معرفة شعبية موروثة تمييزاً لها عما يمكن أن يُسمَّى المعرفة العلمية “([11]). هذا التعريف يستبعد أيضاً بعض جوانب الفولكلور، كالعلوم الشعبية و الجانب المادي المتمثِّل في الصناعات اليدوية.
ويذهب أنثربولوجيون آخرون، منهم ميلفيل هيرسكوفيتس الأمريكي([12]) إلى استخدام مصطلحات أخرى للدلالة على الفولكلور، كالأدب غير المكتوب، أو غير المدوَّن، أو الأدب البدائي. وهم في ذلك لا يختلفون عن أصحاب التعريفين السابقين، فيستبعدون الفنون والعلوم الشعبية والعادات والتقاليد والمعتقدات والصناعات التقليدية. و لكن ما يؤخذ على الأنثروبولوجيين هو أنهم مهَّدوا بأبحاثهم الطريق لاستغلال الفولكلور لأغراض استعمارية([13]).
أما الإثنولوجيون الذين يدرسون الثقافات الإنسانية، ويهتمون بالأجناس البشرية، وخصائصها وحياة المجتمعات البدائية، فيرون أن الفولكلور يشمل الأدب الشفاهي المتناقل من جيل إلى جيل، والمعتقدات والأغاني واللغة والتنظيم الاجتماعي والأعراف والتقاليد والفنون والحِرَف، بكل عناصر الحياة المادية والاجتماعية لأي مجتمع إنساني. و هو نتاج جماعي ينتقل من جيل إلى جيل([14]). ويرى الأنثروبولوجي والإثنولوجي والفولكلوري الكندي ماريوس باربو (1883 – 1969) أن ” مجال دراسة الفولكلور هو الظواهر الثقافية للشعب في المجتمعات المتحضرة، وأن الفولكلور هو الأساليب المأثورة التي تنتقل بها معرفة الأجداد والآباء وخبرتهم إلى الأبناء والأحفاد، دون الاعتماد على الكلمة المكتوبة. ويدخل تحت اصطلاح الفولكلور نشاط الإنسان و إبداعه، سواء كان هذا الإبداع أو النشاط شفاهياً أو حركياً أو صناعياً.”([15]) و حين يعرِّف اليابانيون فولكلورهم، يذهبون إلى أن الفولكلور هو أساس الحياة الشعبية اليابانية، و أن هذا المفهوم، أي الفولكلور، يشمل عادات و تقاليد الشعب الخاصة بالأطعمة و الملابس و بناء المباني و الصناعات اليدوية و المعتقدات الدينية و الأعياد و المهرجانات و جميع أنواع العادات والتقاليد([16]).
واضح أن ما أوردناه إلى الآن من تعريفات، كانت صادرة في أغلبها عن باحثين غربيين، المصدر الذي نهض منه هذا العلم. ونرى أنه لا بد من أن ننظر في جعبة بعض الباحثين العرب والكرد أيضاً، لنعرض ما فيها مما يخص هذا الموضوع. نصادف هنا رأي الدكتور عبد الحميد الكافي في دراسة له تحت عنوان ” التراث، تعريفه و أشكاله و أنواعه”، يقول: ” لكي تكون للغة العربية كلمة مرادفة لـ (الفلكلور)، قررت الأمانة العامة لمجمع اللغة العربية وضع كلمة (تراث) بدل كلمة (فولكلو) الانكليزية، على اعتبار أن كلمة (تراث) تشمل ما تركه الأوائل من مؤلفات لغوية وفروعها، والعلوم منها الطبية الفلكية والصناعية وغيرها، وأبنية و قلاع وفنون من رسم وموسيقى وغناء ورقص وغيرها. وتشملها كلها كلمة (تراث)…..فأينما تجد كلمة ( فولكلور ) فهي إذاً ( التراث الشعبي ) و العكس صحيح.
والتراث بمفهومه البسيط هو خلاصة ما خلَفته (ورَّثته) الأجيال السالفة للأجيال الحالية، ومن الناحية العلمية هو علم ثقافي قائم بذاته يختص بقطاع معين من الثقافة (الثقافة التقليدية أو الشعبية)، ويلقي الضوء عليها من زوايا تاريخية وجغرافية واجتماعية ونفسية. والتراث الشعبي هو عادات الناس وتقاليدهم، وما يعبرون عنه من أفكار ومشاعر يتناقلونها جيلاً عن جيل، ويشمل التراث الأشعار والقصائد المُتغنَّى بها وقصص الجن والقصص البطولية والأساطير، وكذلك الفنون والحِرَف وأنواع الرقص واللعب واللهو والأغاني أو الحكايات الشعرية للأطفال، والأمثال السائرة والألغاز والأحاجي والمفاهيم الخرافية والاحتفالات والأعياد الدينية.”([17])
يقف سالم دمدوم إلى جانب هذه التعاريف، و في الوقت نفسه يرى أن العاملين في هذا الحقل المعرفي لم يتفقوا على تعريف واحد، بل تعددت لديهم تعريفاته، إذ يتساءل ” ما هو التراث”؟. ثم يجيب بنفسه: سؤال ما هو التراث من الأسئلة الحرجة التي واجهت النظم الفكرية والمعرفية على اختلاف مكوناتها ومرجعياتها الفلسفية والاجتماعية، ذلك أن هذا السؤال بات متصلاً ومتفاعلاً مع سؤال المعاصرة والحداثة، وصار التراث قيمة مرجعية للأمم. ولذلك نجد له كثيراً من التعريفات، يمكن الخروج منها بما يشبه تعريفاً عاماً على الوجه الآتي: هو كل ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب ونحوها، من جيل إلى جيل، فيشمل كل الفنون والمأثورات من شعر وغناء وموسيقى ورقص وقصص وأساطير ومعتقدات وأمثال تجري على ألسنة العامة من الناس، وعادات وتقاليد يمارسها المجتمع في أفراحه وأتراحه “([18]). ولكنه كما نرى يستبعد الجانب المادي المتمثل في الصناعات التقليدية. ويقول الدكتور أحمد إبراهيم خضر في عرضه كتاب (علم الفولكور و الأدب الشعبي) للدكتور محمد محمد حسين: ” وضع الدكتور محمد محمد حسين تعريفاً جاء فيه: الفولكلور اصطلاح ظهر في أوروبا للمرة الأولى في منتصف القرن الماضي (يقصد القرن التاسع عشر)، ليدل على الدراسات التي تتصل بعادات الشعوب وتقاليدهم وطقوسهم وأساطيرهم و معتقداتهم و فنونهم، وما يجري على ألسنتهم من أغان وأمثال، أو شتائم وأهازيج “([19]).
الملاحظ أن هذا التعريف لم يخرج على التعريفات السابقة. إلا أن الملفت فيه هو أنه زاد عليها، بأن جعل ” الشتائم ” أيضاً ضمن الفلوكلور، مما يوحي بموقف مناهض لهذا العلم. والحقيقة أن ما يُفهم من العرض الذي قدمه الدكتور أحمد إبراهيم خضر هو أن مؤلف الكتاب ينظر إلى الفولكلور بعين الريبة، ويتهمه بإثارة النعرات الفرعونية واللهجات العامية التي تهدد وحدة اللغة العربية، كما أنه استبعد العلوم الشعبية، والجانب المادي للفولكلور المتمثل في الصناعات اليدوية والحِرَف والأزياء والأطعمة وأنواعها وطرق إعدادها.
المختصون الكرد أيضاً ليسوا بعيدين عن هذا العلم، فقد تساءل م. خالد ساديني عن معنى الفولكلور، تُرى ماذا يعني؟ وللإجابة عن تساؤله أورد ما قاله الباحث عبدالرقيب يوسف في هذا المجال: ” يُقال له في العربية التراث، وهو يعني ما خلفه الآباء والأجداد للأبناء والأحفاد والأمة، مثل التاريخ وأنواع الأدب والألوان الفنية والصناعات والآثار والقصص الشعبية والأساطير.”([20])
وقد أدلى الدكتور عزالدين مصطفي رسول، أستاذ الأدب الكردي في جامعة صلاح الدين في أربيل سابقاً، بدلوه في هذا الموضوع، فقال: ” تشمل كلمة (فولكلو) الغربية اليوم ميادين واسعة من التراث الشعبي، ابتداءً ببقايا الأزياء القومية، وبالزي القومي المعاصر، والأفرشة، وأدوات الطعام، إلى الأطعمة الشعبية نفسها، وإلى النقوش والزخارف، وكل ما يحافظ على السمات القومية لشعب ما، في مصنوع يدوي، أو إنتاج فكري. غير أن كلمة (فولكلور) تعني في ميدان الأدب، ما يسميه دارسو الأدب عند بعض الأمم بالإبداع الشعبي الشفوي.”([21]) أما الدكتور أحمد محمود الخليل، أستاذ الأدب العربي، والباحث في التاريخ الكردي، فيقول: ” توسَّع معنى الفلوكلور في الدراسات الحديثة، فصار يدل على التراث الشعبي عامة، كالمعتقدات والعادات والتقاليد والأزياء، والأمثال، والموسيقى، والأغاني، والأحاجي والألغاز “([22]). نراه أيضاً يستبعد الجانب المادي، فلا يذكر منه سوى “الأزياء “، إلا إذا اعتبرنا عبارة “التراث الشعبي عامة ” الواردة لديه تعني جوانب الفولكلور المنطوقة والاجتماعية والمادية. ويتوسَّع في تعريف الفولكلور في موضع آخر، إذ يقول: ” التراث الشعبي عبارة جامعة مانعة، قليلة المباني، كثيرة المعاني. إنه الأغاني، الأهازيج، الموسيقى، الرقص. وإنه الأشعار، والأمثال، والأزياء، والألغاز، والألعاب. وإنه أشكال هندسة المنازل، وتقاليد المضافات والأعراس. وإنه أدوات الفلاحة، ومستلزَمات الرعي، وسائر وسائل العيش”([23]). أما محمود لوندي، فإنه لا يذكر كلمة “الفولكلور” أثناء تعريفه، بل يذكر كلمة ” الثقافة “، فيقول: ” الثقافة بجانبيها المادي والمعنوي، هي الهياكل وأشكال جدران الكهوف والأواني وأدوات الفلاحة، وأشكال الأبنية والجوامع والكنائس والقصور والملابس والأطعمة وكل ما هو مصنوع يدوي، والرقص والعقائد والنتاج الفكري والأغاني والحكايات والملاحم والأمثال والحِكَم، والعادات والتقاليد “([24]). الملاحظ في هذا التعريف، مثل كثير مما سبق، أنه استبعد، أو لم يذكر أنواعاً كثيرة، مثل الطب الشعبي والفلك، واستبعد الطقوس الدينية وغير ذلك. ويقول حنيف يوسف: ” الفولكلور في معناه الاصطلاحي يشمل جملة النصوص والحكايات الشفوية والأمثال الشعبية والسِّيَر الذاتية للملوك والأمراء والوجهاء والصعاليك والأبطال الشعبيين إلى جانب أشكال وفنون الرقص و الدبكات و الأغاني الشعبية، و كذلك الأزياء وطقوس الحياة العامة ومناسبات كرنفالية وأعياد خاصة”([25]). إلا أنه كالآخرين، يستبعد بعض أنواع الفولكلور كالجانب المادي المتمثِّل في الصناعات اليدوية، ولكنه يختلف عنهم بأن يزيد عليهم ” السير الذاتية للملوك والأمراء والوجهاء والصعاليك والأبطال الشعبيين”.
الملاحظ هو أن معظمهم ركَّز على الجانب الأدبي أو المنطوق منه، وبعض مظاهر الحياة الاجتماعية كالعادات والأعراف والتقاليد الشعبية، باستثناء قلة منهم، أشاروا إلى بعض تجليات الجانب المادي المتمثِّل في الحِرَف والمصنوعات اليدوية والأزياء والأطعمة، كما جاء في تعريف مجمع اللغة العربية. وقد أوجز الدكتور عزالدين مصطفي رسول كلا الجانبين الأدبي والمادي في ذيل تعريفه في عبارة مكثفة “مصنوع يدوي أو إنتاج فكري”. أما من حيث حفظه وانتقاله، فجميع دارسي الفولكلور يجمعون على أن الشفاهية هي وسيلة انتقاله من جيل إلى جيل.
والحقيقة، إن كل ما ورد سابقاً، ربما لا يصلح أن يكون تعريفاً أو تعريفات للفولكلور، بقدر ما هو مضامين الفولكلور. نحن نعتقد أن معناه في العربية لا يتجاوز (التراث الشعبي) منطوقاً، أي كل ما كانت الكلمة أداته، وتدخل العلوم الشعبية أيضاً في هذا الجانب. ومصنوعاً كالمصنوعات اليدوية التقليدية والأزياء والأطعمة. وممارسةً كالعادات الاجتماعية. ومعتقداتٍ كالطقوس الدينية، وهو نتاج جماعي، ينتقل من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر. و الفولكلور إذ ينتقل من جيل إلى جيل، لا بد أن يتعرَّض، وخاصة جانبه المنطوق، طوال رحلته عبر العصور، لبعض التغيير، فيسقط بعضه بفعل النسيان أو موت الرواة، أو قد يتلاعب به خيال الرواة، فيزيدون أو ينقصون، أو قد يُزاد عليه بعض الإضافات بفعل التغييرات التي تطرأ على أنماط الحياة الاجتماعية والفكرية والاقتصادية، ليتلاءم مع ظروف العصر، مما ينفي عنه صفة الثبات، التي قد تتبادر إلى الأذهان. يقول بدران حكمت: ” النتاج الفولكلوري ليس ثابتاً، إنه يُنتج في ظروف زمانية وجغرافية وتاريخية واجتماعية، وتبعاً لذلك ينقل معه إضافات جديدة إلى أيامنا “([26]). ومن هنا تتعدد الروايات لقصة واحدة مثلاً، فنحن نجد أكثر سبع روايات لقصة ” زمبيلفروش / بائع السلال ” في أدب الفولكلور الكردي.
أما الفولكلور كعلم، فهو يبحث في هذا النتاج الشفاهي، وجميع مواد الفولكلور الأخرى، ويطرح أسئلة كثيرة من خلال الدراسة، ويعمل على الإجابة عنها، مثل خصائص الفولكلور، وطبيعته الاجتماعية والفنية وجوهره الفكري والتغيرات التي تطرأ عليه خلال رحلة انتقاله من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر، وعلاقته بالفنون والأدب المدوَّن. ولعلم الفولكلور علاقة مباشرة بعلوم إنسانية أخرى، مثل علم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم اللغة وعلم الجغرافيا وعلم الموسيقى وعلم الأدب بأقسامه الثلاثة: نظرية الأدب وتاريخ الأدب والنقد الأدبي.
([1]) د. عبدالحميد سماحة: محاضرات في الأدب الشعبي. مقال إلكتروني. http://ens- mustapha.mam9.com/t471-topic
([3]) ستيث تومسون (1885-1976) فولكلوري أمريكي، ممثل المنهج الفينلندي (المنهج الجغرافي التاريخ) لدراسة الفولكلور.
([4]) الفولكلور. سجلُّ تاريخ المجتمعات الشعبية. مقال إلكتروني. http://www.mojtamai.com/book/index.php/component/k2/item/13962
([6]) ليندة حاج صدوق: الإبداع الفولكوري على ضوء قانون الملكية الفكرية. رسالة جامعية، قُدِّمت إلى جامعة الجزائر سنة 2012، ص 13.
([8]) فرنسيس لي آتلي (1907 – 1974) هو صاحب هذا الرأي، و هو فولكلوري و لغوي أمريكي، رئيس القسم الإنكليزي في جامعة أوهايو الأمريكية، و رئيس جمعية الفولكلور في أمريكا عامي 1951 و 1952، كان استاذ الفولكلور في جامعة كاليفورنيا. يكيبيديا.
([9]) ويليام باسكون (1912 – 1981) عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي، شغل منصب رئيس قسم الأنثروبوجيا (1953 – 1957) و المدير القائم بأعمال الدراسات الأفريقية (1956 – 1957) في جامعة نورث وسترن الأمريكية. ويكيبيديا.
([12]) ميلفيل هيرسكوفيتس ( 1885 – 1963) عالم أمريكي، كان أستاذ الأنثربوبولوجيا في عدد من الجامعات مثل جامعة شيكاغو،جامعة كولومبيا، جامعة هارفارد. كان الأستاذ الوحيد لعلم الاجتماع في جامعة نوردفيستن عام (1927)، و أصبح أستاذ الدراسات الأفريقية في عام (1961)، حين تأسس هذا القسم في ذلك العام. ويكيبيديا.
([16]) حسن حسين البراوي: الحماية القانونية للمأثورات الاجتماعية، دار النهضة العربية، القاهرة 2001، ص 19.
([17]) د. عبدالحميد الكافي: التراث الشعبي، أشكاله و أنواعه. مقال إلكتروني. http://www.mojtamai.com/book/index.php/component/k2/item/13962
([18]) سالم دمدوم: الحكاية الشعبية. مقال إلكتروني. https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2013/12/18/314916.html
([19]) أحمد إبراهيم خضر: مقالة: علم الفولكلور و الأدب الشعبي. http://www.alukah.net/literature_language/0/8529/
([21]) عزالدين مصطفي رسول: دراسة في أدب الفولكلور الكردي، ترجمة المؤلف نفسه عن اللغة الكردية، رقم الطبعة غير مذكور، دار الثقافة والنشر الكردية ، بغداد 1987، ص 9.
([22]) د. أحمد محمود الخليل:الشخصية الكردية، الطبعة الأولى، دار موكرياني للبحوث و النشر، أربيل 2013 ص 231.
([23]) أحمد محمود الخليل: سياحة في تراثنا الشعبي. http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=223&lang=ar&lang=ar