في رحاب لغتنا الكردية الجميلة 15

ياسر إلياس

اللغة العربية كلغةٍ بدأ تدوينها في نهايات القرن الثامن الميلادي و بدايات التاسع الميلادي اقتبست الكثير من المفردات الكردية ، و كون العراق و ما جاورها من مناطق سكنى الكرد كانت الموئل الجغرافي الذي فاضت إليه جموع قبائل المستوطنين العرب الذي هاجروا إليها من الجزيرة العربية فلا غرو أن تزدهر حركة التأليف و الترجمة و النقل و المعجمية العربية إبان الخلافة العباسية و مركزها بغداد بين ظهراني الكرد .
جاء في لسان العرب :
والجِلْبابُ: القَمِيصُ. والجِلْبابُ: ثوب أَوسَعُ من الخِمار،  وقيل: هو ثوب واسِع، دون المِلْحَفةِ، تَلْبَسه المرأَةُ؛ وقيل: هو المِلْحفةُ. قالت جَنُوبُ أُختُ عَمْرٍو ذي الكَلْب تَرْثِيه:
تَمْشِي النُّسورُ إليه، وهي لاهِيةٌ، * مَشْيَ العَذارَى، عليهنَّ الجَلابِيبُ .
وقيل: هو ما تُغَطِّي به المرأَةُ الثيابَ من فَوقُ كالمِلْحَفةِ؛ وقيل:
هو الخِمارُ. وفي حديث أُم عطيةَ: لِتُلْبِسْها صاحِبَتُها من جِلْبابِها أَي إِزارها. وقد تجَلْبَب. قال يصِفُ الشَّيْب:
حتى اكْتَسَى الرأْسُ قِناعاً أَشْهَبا، * أَكْرَهَ جِلْبابٍ لِمَنْ تجَلْبَبا(1)
وفي التنزيل : ((يُدْنِينَ علَيْهِنَّ من جَلابِيبِهِنَّ ))قال ابن
السكيت، قالت العامرية: الجِلْبابُ الخِمارُ؛ وقيل: جِلْبابُ المرأَةِ
مُلاءَتُها التي تَشْتَمِلُ بها، واحدها جِلْبابٌ، والجماعة جَلابِيبُ، وقد تَجلْبَبَتْ؛ وأَنشد:
والعَيْشُ داجٍ كَنَفا جِلْبابه
وقال آخر:
مُجَلْبَبٌ من سَوادِ الليلِ جِلْبابا .
وفي حديث عليّ: مَن أَحَبَّنا، أَهلَ البيتِ، فَلْيُعِدَّ للفَقْرِ جِلْباباً، وتِجْفافاً. ابن الأَعرابي: الجِلْبابُ: الإِزارُ؛ونحوَ ذلك. قال أَبو عبيد قال الأَزهريّ: معنى قول ابن الأَعرابي الجِلْبابُ الإِزار لم يُرِدْ به إِزارَ الحَقْوِ، ولكنه أَراد إِزاراً يُشْتَمَلُ به، فيُجَلِّلُ جميعَ الجَسَدِ؛ وكذلك إِزارُ الليلِ، وهو الثَّوْبُ السابِغُ الذي يَشْتَمِلُ به النائم، فيُغَطِّي جَسَدَه كلَّه. والجِلْبابُ أَيضاً: الرِّداءُ؛ وقيل: هو كالمِقْنَعةِ تُغَطِّي به المرأَةُ رأْسَها وظهرها وصَدْرَها، والجمع جَلابِيبُ؛ كنى به عن الصبر لأَنه يَستر الفقر كما يَستر الجِلْبابُ البَدنَ.
تحرير و خلاصة التعريفات العربية ( أن الجلباب هو الثوب الذي يغطي كامل جسد المرأة)
الأصل الكردي لهذه الكلمة لا ينتطح فيها عنزان Cilpî
Cilêpî
هي من كلمتين :
Cil: ( جِل ) معناها : ثوب ، إزار 
Pî:( پِي )معناها : قدم ( أرجل ) 
و المعنى الذي أريد اجتراحه لتتضمنه الكلمة عند نحتها أن تدل على الثوب الطويل الذي يغطي كامل الجسد 
من الصدر نزولاً إلى القدمين 
كما هو واضح في دلالة الكلمتين الكردتين 
و يبدو أن الكلمة في استعمالها العربي الدارج ( اللهجات العامية العربية) أسبق من الفصيح لأنها أقرب و أصح و أليق و أكثر قرباً من صيغتها الكردية الأصلية ولا يزال العرب عليها حتى يومنا هذا ( جلابية) ثم أدركها القاموسيون و المعجميون فضمنوها المعاجم بعد أن تلقفوها من أفواه العامة العرب الذين نطقوا بها على السجية في أقرب صورها للكردية باختلاطهم بالكرد .. 
وهذا ينفي القول تماماً ببدوية هذه الكلمة و عروبتها 
و هذا ما يولد عندي الكثير من الأسئلة الأخرى 
من مثل جغرافية و زمان ميلاد و نشوء و تطور اللغة العربية وحقيقة الكثير مما يصنف اليوم في خانة اللغة العربية ، و حول جدية و علمية  الحدود الافتراضية بين ما يسمى باللغات السامية و على رأسها العربية و اللغات الهندوأوربية و من بينها الكردية كإحدى أهم و أقدم اللغات في حوض الأناضول و الهضبة الإيرانية .
المُنْخُل :
……….
جاء في لسان العرب :
نخل: نَخَلَ الشَّيْءَ يَنْخُلُهُ نَخْلًا وَتَنَخَّلَهُ وَانْتَخَلَهُ: صَفَّاهُ ، وَاخْتَارَهُ، وَكُلُّ مَا صُفِّيَ لِيُعْزَلَ لُبَابُهُ فَقَدِ انْتُخِلَ وَتُنُخِّلَ، وَالنُّخَالَةُ: مَا تُنُخِّلَ مِنْهُ. وَالنَّخْلُ: تَنْخِيلُكَ الدَّقِيقَ بِالْمُنْخُلِ لِتَعْزِلَ نُخَالَتَهُ عَنْ لُبَابِهِ. وَالنُّخَالَةُ أَيْضًا: مَا نُخِلَ مِنَ الدَّقِيقِ. وَنَخْلُ الدَّقِيقِ: غَرْبَلَتُهُ. وَالنُّخَالَةُ أَيْضًا: مَا بَقِيَ فِي الْمُنْخُلِ مِمَّا يُنْخَلْ; حَكَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ: وَكُلُّ مَا نُخِلَ فَمَا يَبْقَى فَلَمْ يَنْتَخِلْ نُخَالَةٌ، وَهَذَا عَلَى السَّلْبِ. وَالْمُنْخُلُ وَالْمُنْخَلُ: مَا يُنْخَلُ بِهِ، لَا نَظِيرَ لَهُ إِلَّا قَوْلُهُمْ مُنْصُلٌ وَمُنْصَلٌ، وَهُوَ أَحَدُ مَا جَاءَ مِنَ الْأَدَوَاتِ عَلَى مُفْعِلْ، بِالضَّمِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِيهِ مُنْغُلٌ، فَعَلَى الْبَدَلِ لِلْمُضَارَعَةِ. وَانْتَخَلْتُ الشَّيْءَ: اسْتَقْصَيْتُ أَفْضَلَهُ، وَتَنَخَّلْتُهُ: تَخَيَّرْتُهُ. وَرَجُلٌ نَاخِلُ الصَّدْرِ أَيْ نَاصِحٌ. وَإِذَا نَخَلْتَ الْأَدْوِيَةَ لِتَسْتَصْفِيَ أَجْوَدَهَا قُلْتَ: نَخَلْتُ وَانْتَخَلْتُ، فَالنَّخْلُ التَّصْفِيَةُ، وَالِانْتِخَالُ الِاخْتِيَارُ لِنَفْسِكَ أَفْضَلَهُ، وَكَذَلِكَ التَّنَخُّلُ.
و كل هذه الطيوف الدلالية محمولة على المعنى الأصلي لدلالة الكلمة الكردية القديمة ( Mû xul) , Mûxil,Moxil
bêjinga hûr ji bo parzinîna ard
المصفاة الدقيقة التي يستصفى بها الطحين
و أصل  اجتراح هذه الكلمة و اشتقاقها من كلمتين
Mû: الشعرة
و المراد منها مقدار و مقياس المرور كأداة قياس
Xul: ثقب
من هذا التحليل نفيض إلى كلمة غربال التي تأتي بصورة غير صحيحة مرادفة للمنخل في العربية لانصراف الذهن عن دلالاتها الأصلية في اللغات التي اقتبس منها العرب و هذا ما يفسر شيوع الاعتقاد بظاهرة الترادف التي تجعل الكلمات في العربية تكراراً لمعنى واحد في صور و أشكال صوتية مختلفة و ماهي في حقيقتها إلا صدى من أصداء الاقتباس اللاواعي بالمعنى الأصلي لكلماتٍ غير عربية في الجوهر و الصميم ..
غربال : 
Girpil , گِرپل، الدرجة الخشنة
Gir: خشن، pil: درجة
Girpol :Gir: خشن
Pol: شكل، تصميم
وبهذا ف Mûxil, Moxil, Moxul, mûxul
مصفاة لاستصفاء الأشياء الدقيقة التي تمر في ثقب بمقدار الشعرة كما يدل عليها معنى الكلمة الكردية 
و girpol, girpil
لاستصفاء الأشياء الخشنة الأكبر حجماً كما تدل عليها الكلمة الكردية ..
لغة عظيمة تحتاج لمئات السنين من البحث و الدراسة لإدراك نهايات العظمة فيها ..!
جاء في لسان العرب لابن منظور 
الدَّسْرُ:  الدَّفْعُ الشديد، يقال: دَسَرَه بالرمح؛ قال
الشاعر:
عن ذي قَدَامِيسَ كَهامٍ قد دَسَرْ و  الدَّسْرُ:
الدفع، ، وفي حديث
الحجاج أَنه قال لسِنان بن يزيد النخعي: كيف قتلت الحسين؟ قال: دَسَرْتُه
بالرمح دَسْراً وهَبَرْتُه بالسيف هَبْراً أَي دَفَعْتُهُ دَفْعاً
عنيفاً، فقال له الحجاج: أَما والله لا تجتمعان في الجنة أَبداً. ابن سيده:
دَسَرَه يَدْسُرُه دَسْراً طعنه ودفعه. وشيء دَسَرَهُ
البحر أَي دفعه موج البحر وأَلقاه إِلى الشَّطِّ فلا زكاة فيه.  وقال الزجاج: كل شيء يكون نحو السَّمْرِ وإِدخال شيء في
شيء بقوَّة، فهو الدَّسْرُ. يقال: دَسَرْتُ المسمار أَدْسُرُه
وأَدْسِرُهُ دَسْراً. وقال مجاهد: الدَّسْرُ إِصلاح السفينة؛ وقيل: الدَّسْرُ
خَرْزُ السفينة، وقيل: هي السفينة نفسها تَدْسُرُ الماء بصدرها أَي تدفعه؛
في اللغة الكردية 
Da ser
(دا سَر )
ضغط على الشيء بقوة 
Da ser: زاد من وتيرة الشيء، رفع من درجته
Da ser: زاد من شدة الشيء و أكثر من الدفع به إلى الأمام أو الأسفل 
والتركيب الكردي من التراكيب المتلازمة القديمة 
من مقطعين صوتيين دالين قديمين 
(Da , Ser ) 
(دا سَر )
و هو شبيه تماماً ب حدث للفعل ( دمر يدمر تدميراً ) 
الذي أخذ من الكردية و أصله 
Da mirn
Da mirandin
Da: أسلم 
Mirn
الموت
بمعنى أسلمه للموت و الهلاك .
( أهلكه، أماته ، هدّمه)
و هذا الباب من العربية مما تم اقتباسه من الكردية 
باب لطيف قلما يدرك و يلاحظ ، و هو من أدق و أصعب 
جوانب تأثر العربية بالكردية لخفائه و دقته و اضطراب النظر في تأمله .
كلمة (( double)) الدارجة في الإنكليزية و اللغات الأوربية و عاميات الشعوب الشرقية من أصل كردي 
المعنى :مزدوج ، مضاعف ، مكرر .. الخ 
Do : اثنان 
Pil: درجة 
Pel: طبقة-صفحة-طية-صفيحة
……………….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…