رفقا بالاستاذ دحام عبد الفتاح

مرشد اليوسف
m.yousef2@yahoo.com

على هامش المشادة بين الاستاذين دحام عبد الفتاح  وابراهيم محمود
في حضرة النقد ابتعدوا عن تصفية الحسابات الشخصية.

النقد كظاهرة أبداعية من أصعب وأرقى الفنون الانسانية المعاصرة,والنقد لايغني ولايسمن مالم يكن جادا وصادقا , والنقد الذي يطالعنا في الفترة الأخيرة- باستثناء حالات محدودة- أهوج , متسرع , ضحل, ينطلق بشكل عام من دوافع ذاتية طبقا لأهواء الناقد وعلاقته بصاحب النص الأمر الذي يحول النقد عن مجراه الحقيقي الى اسقاطات ذاتية وتسوية حسابات وكسر أجنحة ,وهذا النوع من النقد لا يظهر الا الأخطاء والهفوات , ويتجاهل بتعمد الايجابيات, ويطغى عليه التسرع والاعتباطية وعدم التأني.
في البداية لابد أن اعترف أن السجالات النقدية التي تقع بين الحين والآخر بين الكتاب الكرد على صفحات النت  تثير اهتمامي وترسم الابتسامة التي نفتقدها , وسواء كانت هذه السجالات ذاتية أو موضوعية فانها  دليل عافية ونشاط في واقعنا الثقافي الكردي , وفي كلتا الحالتين فانها تحرك الدم الراكد في الشرايين,وتدفئ الأجواء الباردة التي تسود المنطقة في الوقت الحاضر و تعطينا مؤشرعلى مستوى الوعي الثقافي لدى الكورد.
ولابد أن أشيد بالاستاذ دحام عبد الفتاح (أطال الله عمره) على مجمل دراساته وأبحاثه القيمة في خدمة اللغة الكردية والثقافة الوطنية. واثني على الاستاذ ابراهيم محمود بوصفه كاتب غزير الإنتاج ، متشعب المواضيع، وله مكانته المحفوظة في الوسطين الثقافيين العربي والكردي كما ذكر الاستاذ عبد الفتاح.
ومادام المرء يعمل ويكتب ويترجم ويبحث فلابد أن يخطئ ويصيب ,وهذه سنة من سنن التكوين البشري , ومن بديهيات الثقافة أن أن نقرأ بعض النقد حيال الكثير من الأبحاث والكتابات والترجمات التي لاينتظر منها أن تبلغ درجة  الكمال , الا أن ذلك لا يعني التصرف خارج الأسس والمرتكزات الموضوعية التي هي من معايير النقد البناء , والحقيقة أن النقد الذي أبداه الاستاذ ابراهيم محمود بخصوص ترجمة الاستاذ دحام عبد الفتاح لملحمة جلجامش من اللغة العربية الى اللغة الكردية , كان مزاجيا محبطا للهمة , وقد لا أجافي الحقيقة لو قلت كان في منتهى القسوة والخشونة في تقييمه , ومن خلال الملاحظات التالية سوف أظهر حجم خشونة الاستاذ ابراهيم محمود ومبررات وجهة نظري :
– الغاية من الكتابة والترجمة كما عند الاستاذ دحام عبد الفتاح في ترجمة ملحمة جلجامش هي ايصال مضمون الملحمة والمعاني والمقاصد التي يريدها الى القارئ الكردي بلغته الأم , واغناء المكتبة الكردية, واللغة التي استخدمها شاعرية معبرة,  لمست روح النص من الناحية الجمالية  والمعنى العام و الخاص للتراكيب والجمل والكلمات (وأشاد الاستاذ ابراهيم محمود نفسه –  في معرض رده على الاستاذ دحام في موقع عفرين – بلغة المترجم عندما قال: و لا يخفى الجهد المبذول من قِبل الكاتب المترجم، في ممارسته اللغوية والأدبية، فهو ذاته ينم في الكتابة، عن شخصية شاعر، ولا يمكن ترجمة أي ملحمة، دون امتلاك ذائقة شعرية مطلوبة ، وهو جهد محفوظٌ حقوقاً، ففي ترجمة الكاتب ما هو لافت للنظر، في الكثير مما عالجه ودبجه لغوياً , حاول أن يقدم أقصى ما عنده، تلك هي حدوده الاجتهادية ، كما هو المتلمَّس، في الكثير من العبارات، حيث لا تضيّع أثر الثقافة الذاتية والمعايشة اللغوية لما هو مفكَّر فيه هنا وهناك , جميلة هي لغة الترجمة عنده، مطواعة، مرنة، وهي بذلك، تشكل ترجماناً حياً ناطقاً بخبرة قائمة) ولايعيب الترجمة شيئا اذا اكتفى المبدع بايراد كلمة واحدة أوجملة ذات أبعاد ودلالات ثقافية وفكرية وفلسفية وتاريخية وقدرة ايحائية عالية على معنى معين بدلا من كلمة تعطي المعنى الحرفي ولاتلبي المعنى الكلي المقصود ,وقد لايجد المترجم مسوغا لترجمة كلمة ما بعبارة صريحة كوسيلة مثلى لتحقيق درجة عالية من الكفاءة اللغوية والقدرة البلاغية. وفي هذه المناسبة  أدعوا الأدباء والكتاب والمترجمين والنقاد الى احترام القارئ ,وأن يخلعوا  ثوب المهابة ويتركوا  صومعاتهم وينزلوا الى مستوى المتلقي ,وأن يقفوا موقف الند للند من القارئ , فالقارئ المعاصر لايرضى أن يفكر الكاتب والناقد بدلا عنه دون أن يدركا أن عملهما الثقافي منطلقا لتأملات جديدة من جانب القارئ.
والغموض في فكرة أو كلمة  في النص المترجم لدى الاستاذ دحام  قد يكون مقصودا كدلالة على عمق تناول الموضوع واتساع افقه, والنقد المعاصر  يعير اهتماما أكبر للجانب الفكري العام للنص ولايهتم كثيرا بالترجمة الحرفية للكلمات. وان لجوء الاستاذ  ابراهيم محمود  الى خلق الملاحظات الصغيرة حول ترجمة كلمة هنا وهناك (temaşe bike) (binêre), وتكبير الحبة الى قبة هو اسلوب مشاكس – بقصد الاثارة-  ليس له علاقة بفن النقد أصلا.
أما موضوع علاقة الأكراد بالسومريين فقد عالجته في كتابي الذي يحمل عنوان:  دوموزي (تيؤوسي ملك) بحث في جذور الديانة الكردية القديمة , وأثبتت في هذا الكتاب مدى الصلة بين السومريين والأكراد , وأرجو من الاستاذ ابراهيم قراءته.
وأخيرا…… لقد مضى الزمن الذي كان الناقد فيه مصلحا وحكيما ووصيا ومعلما ومؤرخا وفيلسوفا وحارسا للثقافة, يمنح نفسه مكانة في المجتمع تقترب كثيرا من موقع الأنبياء والرسل والألهة.

مع تحياتي الى الاستاذين دحام  وابراهيم

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

الاحساس المرهف يفجر المشاعر المكنونة والآمال الميتة

كلیزار أنور عندما فتحت عیناھا للحیاة وعرفت بعض أسرارھا، قاومت كل الأشواك التي تحیى حولھا ،أبت أن تكون نرجسه نائیة ، جرداء ، بلا نور ، خرجت من بین الطلاسم المظلمة لتغیر ذلك الهواء بهواء نقي وترفض التقالید الفكریة البالیة ، رسمت لنفسھا طریقا وعرا، شائكا، غائرا…

عبد الجابر حبيب

 

خطوةٌ واحدةٌ منكِ،

تكفي لتهوي الأبوابُ الثقيلةُ

التي حُشرتْ خلفها حكاياتُ الألمِ.

 

بخطوةٍ أخرى منكِ

سينهارُ الهرمُ المشيَّدُ فوقَ صدورِ الجائعين،

وتبتلعُ الأرضُ عذابَ البؤساء.

 

حتى بإيماءةٍ منكِ،

تعودُ إلى أصحابِها

مفاتيحُ المدنِ المفقودةِ،

ويجفُّ الحبرُ على النهاياتِ القديمةِ،

وتنفكُّ الأقفالُ عن السجونِ

دون أن يلمسَها أحدٌ.

 

بهمسةٍ منكِ،

واثقٌ بأن أصواتَ القتلةِ ستختفي،

ويذوبُ صليلُ البنادقِ

في فراغٍ لا حدودَ له،

وتسقطُ تماثيل اعتلَتْ عروشَ يأسِنا.

 

نعم، بمجرّدِ حضورِكِ،

يتمزّقُ…

إبراهيم سمو

شعرية الجرح والتحوّل أو ثلاثية التمرّد والرومانسية والمفارقة:

يشكّل شعر سعيد تحسين صوتا متفرّدا في مشهد الشعر العربي الحديث، يتميّز بقدرته على التوليف بين التوتّر الداخلي والاختراق الجمالي، بين الحُلم والخذلان، وبين اللغة بوصفها خلاصا، والوجود بوصفه سؤالا معلّقا.

يغترف “مهندس الأعمال الشعرية الكاملة” جوهر قصيدته من حواف الذات لا من استقرارها؛ حيث يتقاطع العاطفي…

أحمد عبدالقادر محمود

لم يكون حسين يدري أن نزوله في تلك الليلة إلى القبو سيقلب حياته رأساً على عقب ، من لصٍ دعيٍّ إلى أمير ، بل لم يكون يتصوَّر أن هذا القبو المنسي منذُ سنيين سيكون برج أحلامه ، نزوله في تلك الليلة كان من أجل العثور على شيءٍ يستطيع استخدامه في إشعال النار ، الليل…