حديث في التعارضات (استعادة الصورة النقدية لـلكاتب دحام عبدالفتاح)

  ابراهيم محمود

(أن نتعلم أن نفكر: ليست لمدارسنا أدنى فكرة عما يعنيه ذلك.
 حتى في الجامعات، بل وحتى ضمن أعلم الفلاسفة،
 يصير المنطق، بما هو نظرية وممارسة وتقنية نحو الإفلاس)
            نيتشه : أفول الأصنام، الترجمة العربية، ص 73.

استعادة الصورة النقدية للكاتب الكردي “مزدوج اللغة والكتابة”: دحام عبدالفتاح، تمثل استئنافاً لموضوعات لا تنفد في متضمناتها فكرياً ونقدياً، باعتبارها عاملة هنا، وفق مبدأ المورثات وقوانينها الفاعلة في صياغة الكائن الحي، وأوجه الصراع المعقد فيما بينها: سيادة وتنحية، تكافؤاً أو بنسب متفاوتة…الخ. إنها محاولة لتوسيع حدود الحوار، محاولة مكاشفة الصورة النقدية له، فيما تقدَّم به في مسلكه القولي- الكتابي، حيث تمثل المادة الكتابية التي نشرها عني (كلمات صميمية….الخ)، والتي أبديت بعضاً من الملاحظات المنهجية عليها لحظة ظهورها، بتاريخ 7-1-2008، محور مادتي هذه، وتمثل من جهتها مقاربة أكثر توسعاً وتعمقاً فيما أثاره في مادته تلك، واستحضاراً لأقوال واردة، وحقيقتها النقدية، انطلاقاً من وقائع ملموسة

وأنا هنا، كما أشرت في توضيحي السابق، أنطلق من المادة المكتوبة، وليس مما أتوهمه، كما حاول دحام أن يقدَّمني لقارئه، أو لقارئي، أو للقارىء عموماً، أما لماذا هذه الاستعادة مجدداً، فلأن ثمة ما يمكن توضيحه، وربما حثُّ القارىء أكثر على مكاشفة المقروء مباشرة، أو من خلال استنتاجاته القائمة بالمقابل، ولأن ثمة نقاطاً أخرى وردت في سياق مادته، تفتح زمناً مديداً على أخره، يشمل سنوات من الحراك الثقافي في وسطنا الكردي، وما يمكن للكاتب أن يمثله في واقعه العام، وبدقة أكثر: الخاص ، كردياً، أي المهام هي ملقاة على عاتقه كباحث عما يعنيه، وضماً يهني مجتمعه تنوعاً وتخصصاً، وكيف يقيم علاقته الثقافية بالمهام هذه، من خلال مستجدات السنين هذه، وبالتحديد- أكثر- راهناً. وحتى نكون قريبين أكثر من حقيقة واحدة، كلٌّ منا، يعتبرها تومىء إليه، وتعزز موقعه، هي طبيعة ما نكتب، وماذا ينتَج منها، يكون المكتوب شاهداً على صاحبه، وما عدا ذلك، فتعتيم على الحقيقة تلك، لا بل وتشويه لمفهومها التاريخي.
أي أن محور الموضوع هو: لماذا الموضوع المنحصر بجلجامش مقدمة وترجمة، فاض على محدَّده الثقافي، وظهر العكس هو المقروء: جلجامش الفرع، وما تبقَّى يكون الأصل؟
إن هذا يستدعي مقاربة بينية، تتطلب مسحاً تاريخياً وثقافياً لعلائق القربى بين الحصريّ بجلجامش والمتراجع به إلى الوراء كثيراً، واللامحدود خارجاً، وفحوى “الدعوى” هذه، في الوقت الذي حصرتُ نقدي لذات الموضوع، وتجنبت الإشارة إلى أي نقطة أخرى خارجاً!
ولأنني أشرت إلى أنه اعتمد كثيراً على تعابير إنشائية، لا بل صار ضحيتها، في الوقت الذي كان يسعى إلى جعلها متراساً له، أو أداة نقدية لتأكيد خوائي في مجمل ما كتبتُ عن مادته، أي أنه هو نفسه اعتبر مجمل ما كتبتهً لا يخرج عن نطاق هذا المفهوم، وهذا يستوجب النظر في الموضوع، وأرى أن جلاء الحقيقة، هو فيما احتوته المادة في الحالتين، من دعائم تسندها نقدياً فعلاً، وأسميها مجدداً، أي: الأمثلة الفعلية، ومدى دقة ورودها في النص، وما يرتبط بها، من تداعيات أخرى، توسّع حدود الحوار، وتستشرف ما هو أبعد وأعمق مما تقدم.
فأنا، لست مغتاظاً لأنه جرَّدني من كل سمة نقدية (رغم تأكيده المتكرر على أن لي مكانة معلومة في الوسطين الثقافيين: العربي والكردي)، طالما أن ثمة كتاباً وقراء آخرين: عرباً وكرداً كتبوا عني في مجالات مختلفة، وبوجهات نظر متباينة، بقدر ما يكمن غيظي، فيما انطلق منه، على أنه يبصر طريقه النقدي بوضوح تام، متماسكاً من خلال مادته، وفيما تخللَ مادته هذه، من ثغرات هي شروخ، لا تبقي ركناً ثابتاً فيما شدد عليه إيجابياً، إذ إن الصورة التي ظهرت فيها في المحصلة، لا أظن أن أحداً- لا أحد البتة- يحسدني عليها، من النواحي كافة، لا عربياً ولا كردياً: في القول والفعل، أي في السلوك اليومي، والكتابة المختلفة، في القراءة عموماً (أستثني إشارته إلى اكتشافي الهزيل لخطأ وقع فيه، بصدد مفهوم الساعة البابلية المضاعفة، عندما شكرني عليه، رغم أنه أشار إلى وجود التباس، بصدد موقع الفاصلة، وهذا ما تضمنه توضيحي بالذات، وبالتالي، فلا قيمة للكم الكبير من الملاحظات التي أوردتُها، وأهمِل أغلبُها، حيث أعدتُ نشرها، لتبيان أن الموضوع أكثر من وجود التباس، أكثر من وجود علاقة عادية مع النص)، وهو يتهمني صراحة على أنني لم أبرز حسنة واحدة فيما كتبه وترجمه، مستفظعاً هذا المسلك، بكلمات أترفع عن استخدام أي منها، وقد أوردت بالمقابل حسنات كثيرة، تجاهلها، مثلما يكمن غيظي فيما انتهى إليه، وما في المنتهى الكتابي هذا، من تشعبات أبعاد، أو ذيول، أو تداعيات سلبية تماماً.
أنطلق هنا، من مفهوم نقدي وأضح، كما أظن، في مفهومه، وأعني بذلك (التعارضات):
تعارضات تقوم بين تأكيد القيمة، ونزعها كلياً.
تعارضات تظهر بين الرصانة في القول والكتابة لذاته، وشٌعب التسفيهات الهائلة فيما كتبه.
ولعل الوقوف عند التعارضات هذه، يسهّل عملية مكاشفة مكونات ذات الكاتب وموقعه ثقافياً، ولكم يغفل كتاب، بارزون، عن حقيقة التعارضات هذه، وتأثيرها السلبي في بنية القول عندهم.
أنوه بأهمية النقطة المحورية هذه، وأنا أذكّر بلقاء ضمَّنا : المفكر اللبناني الصديق علي حرب، وأنا، في بيروت، قبل سنوات عشر ونيّف، وأنا أناقشه في نقطة من نقاط كتابته النقدية لسواه، على البداية التي تبرز المنقود مرموقاً، تأتي النهاية خلافها كثيراً، مثلما تعرضت لذلك، في نقدي لكتابه (النص والحقيقة)، وذلك في  مجلة (منبر الحوار، بيروت، ربيع وصيف 1994، انظر الصفحة172منها، مثلاً،)، حيث المقال المنشور هو الذي سلمه لصاحب المجلة، مشكوراً، مع حفظ الفارق الكبير بين الكاتبين، حيث إن قراءة دحام، لما كتبته حول حرب، لا بد أنها تنصب في خانة التحامل الشخصي، من خلال السياق، أعني بالميزان ذاته، والآخر لم ينفر مما كتبت، بقدر ما اعتبر ذلك من دواعي الاختلاف المؤثرة إيجابياً في الرؤية النقدية.
بداية، سأركز على مقدمته، وكيف عبّر عن نفسه فيها، كيف جاء تقويمه لي، إذ، وكما أشرت، يكمن تشنجه الكتابي، لا بل والنفسي، والتقويلي ضمناً، إزاء المثار حول المقدمة، فثمة اتهام مباشر، والتهويل بقصد التحويل لنظر القارىء، حيث أنه تعمد المنطق الديماغوجي والمراوغة كثيراً، واستحضر أمثلة لا تعينه في تبرئته (كما أرى)، مما أوقع نفسه فيه مضاعفاً: بعدم اعترافه، وبتملصه من المسئولية، وهو تارة يقول بالجمع، وتارة، بالاستفادة (إنما دون توثيق)، وتارة بالتصرف بالمادة، كما يرتئي هو، ولهذا، سأتوقف عند الزوبعة المثارة حول مقدمته المقحمة هذه، إنما بدون أي تعبير إنشائي، ومن ثم سأنطلق إلى النص المترجم، وبعد ذلك، إلى متاهة التعبير الوصائي الذي زج نفسه فيها، وكل نقطة على حدة:

مقدمة اللامقدمة:
أشير هنا بداية إلى وهم التذرع بثبوت المصادر، كما ذكرت ذلك في توضيحي (عن مدالساته).
كيف يمكن معرفة أن مصادره هي حقيقة واقعة، أي اعتمدها فعلاً، وبحسب تسلسلها؟
المصدر الأول (وكما سمى)، هو المتعلق بترجمة صلاح سعدالله لكتاب باقر المترجَم (جلجامش…)، دون وجود صفحات، فمن أين ابتدأ يا ترى، كما نوهتُ سابقاً؟ حيث أن التذكير بكتاب باقر في نسخته العربية، يأتي لاحقاً، فكيف تم هذا، وسياق البحث يعارض تسلسله؟
آتي كذلك، إلى المصدر الثاني، والمكتوب بالانكليزية هذه المرة في ثبت (المصادر؟)، وهو يخص كتاب ساندرز عن جلجامش، أعني أنه مقروء بالعربية، وأرى أن هذا غير صحيح إطلاقاً، لأن المصدرهذا، قد نُشر مترجماً إلى العربية في مصر، كما أوردت سابقاً، وأنا الذي أعرته إياه له، فلماذا هذا التزييف الصريح في الكتابة؟
أشير، كمثال آخر، إلى أن الذي ورد في الصفحة (30)، من جهة اسم جلجامش، وكيف توقف؟ عنده دحام، ومن ثم الملاحظات التوضيحية في المجمل؟ لِما اعتمده في كتابه المترجَم، يخصان كلاً من باقر في الحالة الأولى، والسواح في الحالة الثانية، كما ذكرت هذا سابقاً، وأن النظر إلى ترتيب المصادر؟ لا يؤكد البتة ما ذهب إليه مترجمنا الكردي هنا.
أتوقف أيضاً، عند النقطة التي حاول التعتيم عليها، لا بل والسخرية الفاقعة مما أثرتُه مطولاً بصدد النقاط العشر، والمأخوذة (أعني المختلسة، وهي مشوهة) من باقر، وهو يورد في البداية ما يبقيني في دائرة الاتهام المضاعف: الجهل بالتاريخ وبلغة الكتاب، إنما لا بد أن أنشر ثانية ما كتبه حرفياً حول ذلك، لتبيان التعارضات، أي التهرب من المسئولية فيما أوقع نفسه فيه سلباً:
(ينتقل إبراهيم محمود إلى مقارنة مصادر الملحمة (كِسَر ألواحها) ، مقارناً بين ما ورد في الترجمة وما ورد عند طه باقر):
*- عند طه باقر : في نهاية القرن التاسع عشر اقتنى العالم الأثري برونو كسرة كبيرة من اللوح العاشر من باعة الآثار في بغداد …) أما عند دحام ، فهكذا وردت المعلومة (في القرن التاسع  اقتنى العالم الأثري برونو كسرة من اللوح  العاشر …).
 – واضح أنه يرمي إلى الفارق الزمني بين ما ورد عند باقر (القرن التاسع عشر) وما ورد عندي (القرن التاسع) ، على حد زعم إبراهيم محمود. راجعت مقدمة الترجمة ووقفت عند المشار إليه ، فوجدته (القرن التاسع عشر)، وقد نقل التاريخ سهوا ، ولا أدعي (كما يفعل هو) بأنه تعمد في نقله خطأ .
*- عند باقر : (وفي عام 1914 اقتنت جامعة بنسلفانيا (في أمريكا)  بالشراء من باعة الآثار أيضاً لوحاً كبيراً تقريباً ويحتوي على ستة حقول من الكتابة ثبت أنه اللوح الثاني وأن زمنه من العهد البابلي القديم أيضاً)، أما عند دحام، فهكذا وردت المعلومة (سنة عام 1914اقتنت جامعة بنسلفانيا كسرة من اللوح الثاني، من باعة الآثار، ثمة ستة أعمدة مكتوبة تضمَّنتها الكسرة تلك، وهي باللغة البابلية القديمة).
– الترجمة الصحيحة لما أشار إليه هي (عام 1914اشترت جامعة بنسلفانيا / في أمريكا / كسرة من اللوح الثاني ، تحتوي على ستة حقول باللغة البابلية القديمة) . وطبعاً ، الحقول الستة تعني محتويات اللوح الكامل إذ أن كل لوح بالأصل يحتوي على ستة حقول . أما إذا كان تعليقه على كلمة ( latik) التي ترجمها خطأ ً بـ (العمود) فهي تعني  بالعربية الجدول أو  الحقل .
……
…….
وفي المنحى ذاته يسلسل إبراهيم مقارناته ، منها  مالا يستحق الوقوف عندها (لكونه يريدها ترجمة حرفية)، ومنها ما تستوجب المراجعة والمقارنة والتدقيق ، بالعودة إلى مصادر الاستلال (طه باقر وغيره( .. هنا ينتهي كلام دحام!
ثمة مراوغة جلية هنا، فقد كتبتُ هكذا، وأنا أثبت المقطع كاملاً:
(- يورد باقر( في نهاية القرن التاسع عشر اقتنى العالم الأثري “برونو مايسنر” كسرة كبيرة من باعة الآثار في بغداد، ثبت من دلالة نصوصها أن مصدرها من المدينة القديمة” سبار”(أبو حبة الآن قرب المحمودية)، كما أن زمنها يرجع إلى العهد البابلي القديم، وأنها تعود إلى نصوص اللوح العاشر)، أما عند دحام، فهكذا وردت المعلومة ( في القرن التاسع، اقتنى العالم الأثري بروموPromo، كسرة من اللوح العاشر، من باعة الآثار).
– ثانياً، يورد باقر (وفي عام 1914اقتنت جامعة بنسلفانيا (في أمريكا) بالشراء من باعة الآثار أيضاً لوحاً كبيراً تقريباً ويحتوي على ستة حقول من الكتابة ثبت أنه اللوح الثاني وأن زمنه من العهد البابلي القديم أيضاً)، أما عند دحام، فهكذا وردت المعلومة (سنة عام 1914 اقتنت جامعة بنسلفانيا كسرة من اللوح الثاني، من باعة الآثار، ثمة ستة أعمدة مكتوبة تضمَّنتها الكسرة تلك، وهي باللغة البابلية القديمة).
– ثالثاً، يورد باقر (واقتنت الجامعة نفسها في حدود ذلك الزمن أيضاً لوحاً آخر هو الأصل البابلي القديم للوح الثالث)، أما عند دحام، فنقرأ هكذا (في عام 1914، اقتنت جامعة بنسلفانيا كسرة أخرى، من باعة الآثار، وأن مادة الكسرة تلك، من اللوح الثالث).
– رابعاً، يورد باقر (وقد سبق للمنقبين الألمان في آشور وهي قلعة الشرقاط الآن (قبيل 1914) أن وجدوا كسرة كبيرة تعود إلى نصوص اللوح السادس)، أما في المقابل، أو في البند الرابع، عند دحام، فنقرأ (قبلها كذلك، عُثِر على كسرة أخرى، في خرائب مدينة آشور، قلعة الشرقاط، والكسرة تلك، هي من اللوح الثاني).
– خامساً، يورد باقر (وفي عام 1928وجد المنقبون الألمان في الوركاء قطعتين كبيرتين تعودان إلى نصوص اللوح الرابع)، أما في المقابل، عند دحام، فنقرأ (سنة 1928، استخرجت لجنة الآثاريين الألمان قطعتين أثريتين من بين خرائب مدينة أوروك، والقطعتان هما من اللوح الرابع).
– سادساً، يورد باقر (ووجد في العاصمة الحثية “حاتو شاش” (بوغاز كوي الآن) بعض الأجزاء مما يعود إلى اللوح الخامس، كما وجدت ترجمات إلى اللغة الحثية وأجزاء مترجمة إلى اللغة الحورية)،ونقرأ في الفقرة السادسة عند دحام (وجِدت أجزاء تالفة، باللغة الحثية، في الأناضول، في بوغاز كوي).
– سابعاً، يورد باقر (ووجدت كسرتان من تنقيبات مديرية الآثار في تل حرمل ( 1945-1959)، يعود نصهما إلى مادة الملحمة)،أما في الفقرة السابعة عند دحام، فنقرأ (تم استخراج عدة أجزاء، باللغة الحورية من بين خرائب بوغاز كوي).
– ثامناً، يورد باقر ( وحديثاً (1951)، وجدت نصوص من الملحمة في الموضع القديم المسمى” سلطان تبه”، في جنوبي تركية (قرب حران)، أما عند دحام، في الفقرة الثامنة، فنقرأ (عثر المسئولون الأركيولوجيون في العراق، ما بين عامي 1945-1959)، على عدة أجزاء من الملحمة، من بين خرائب تل حرمل).
– تاسعاً، يورد باقر (جملة كسر(أم كسور؟ التساؤل من ا.م)، من العهد البابلي الأخير)، أما في الفقرة المقابلة، عند دحام، فنقرأ (عثِر على أجزاء من الملحمة في مدينة مجدو (في فلسطين)!
– عاشراً، يورد باقر (وآخر اكتشاف مهم كان العثور لأول مرة على كسرة تعود إلى الملحمة في موضع في فلسطين يسمى “مجدو” (وعهدها من حدود القرن الرابع عشر ق.م، ووجه الأهمية في هذا الاكتشاف هو تحقيق الاتصال المباشر بين مآثر العراق القديم وبين العبرانيين)، أما في المقابل، عند دحام، فنقرأ (عثر، سنة 1951، أيضاً، على بعض أجزاء في سلطان تبه، بالقرب من حران (تركيا).).
نجد في النقاط العشر، ما هو مختلفٌ عليه، من ناحية الترتيب والتداخل، والخطأ في الدمج أو التفريق، وفي وسع القارىء أن يلاحظ هذه العلاقة، بين مستويات مختلفة، وبسهولة.).
ثمة الكثير من التحريف والتحوير في النصين، ويمكن للقارىء ملاحظة ذلك، مثلاً، ومنذ البداية، كيف أنه مارس تدليساً آخر، فهو لم يسم الصفحة، عندما قال بأنه راجعها، بينما هي عند باقر، تماماً كما ذكرتً أنا، وهو لم يسمها، حيث اكتفى بترجمة ناقصة، خلت من الزمن الدقيق (ربما لا فرق عنده بين القول بـ “في نهاية القرن التاسع” و “في القرن التاسع عشر” وكما كتب هو ذاته:
Di sedsala19ê de) حيث الصحيح هو di dawiya sdsala19ê de، أم أن هذه ترجمة حرفية، وأستذة، مثلما خلت من المكان: بغداد، على الأقل. ولعل المضي في قراءة بقية النقاط يظهر هذا الفارق والمتفاوت من نقطة لأخرى، مثلاً، هل القول باللوح السادس في النقطة الرابعة هنا، بينما المترجم عند دحام: اللوح الثاني، هو من قبيل الطعن في ترجمته، أم استفزازه، أم ماذا؟ وأين زعم الادعاء بالترجمة الحرفية مجدداً، كما توهم جلجاميشينا، ومن هو مريده هنا وهناك؟
إن هذا ينطبق تماماً، على متابعة اسم جلجامش، وكيفية التلاعب به، مسيئاً إلى المقبوس (المختلَس)، وإلى ذاته، من خلال زيادة من هناك، ونقص من هناك، كما هو أوردته:
(في الفقرة الرابعة، عند باقر، ورد (وفي النسخ المستخرجة من عاصمة الحثيين (في النص الأكدي والحثي) GISH_GIM_MASH،، بينما عند دحام، فهكذا نقرا (في اللغة الحثية..)، أي يورد الاسم ذاته.
في الفقرة السادسة، عند باقر، نقرأ (وفي إثبات آرامية لبعض الملوك البابليين ذكر البطل بصيغة “جميموس” و “جلجمجوس” (بصيغة الجيم كافاً فارسية)، بينما عند دحام، فهكذا (في اللغة الآرامية، ورد الاسم بصيغتين: GIMOS,GILMÎGOS)، ثمة نقص المعلومة، وتجاوز للتخصيص، إضافة، إلى عدم كتابة الاسم بدقة (الاسم الأول) صيغةً!
ولكن دحام، ينتقل إلى الفقرة السابعة، وهي غير موجودة عند باقر، كيف؟ إنها ذاتها تلك التي تخص الفقرة الرابعة، في النهاية (في الأكادية أيضاً: GIŞ_ GIM_MAŞ….الخ).
هنا أسأل دحام مجدداً: هل أمارس أستذة، أم أناقش في أخطاء ليست بأخطاء، بقدرما أننا نجد أنفسنا إزاء فعل سطو متعمد، حيث التحوير والتغيير، لتأكيد اجتهاد مزعوم له.
أما النقاط التوضيحية الأخرى، والمتعلقة بكيفة قراءة الترجمة، فهي مأخوذة (مستلفة: مستولى عليها، من نص السواح، مع زيادة، دون إشارة إلى ذلك)، فأي غرور في مكاشفة كهذه يا تُرى؟
ودحام لا يني يكرر على أن لدي نوازع ومقاصد، أو نوايا تخص غروري اللامتناهي، أو ما هو مخفي، وهذا تدليس من نوع المغالطة المنطقية، فأنا أتحدث عن أمثلة وأبدي وجهة نظر، مستعيناً بمصادر موثقة، بينما هو فيسلّم نفسه للأسوأ تقديراً، من ناحية التشويش على المصدر، ومن ذلك:

قصور الوعي:
هذا ما يمكن تلمسه بداية، فيما واجهني به دحام، كوني لم أستطيع لا فهم لغة نص جلجامش، ولا الذين تعامل معهم، ولا لغته الكردية (وليس لغتي أيضاً)، ربما لطارئيتي المضاعفة، وما في الأسبقية من باشوية وتمثيل اصطفائي مؤبَّدين. إن أمثلته المنتقاة وحدها، وبطريقة توليفية، تضعه في موقع يجرده من هالة الذات التعظيم ضمناً.
أسأل مترجم جلجامش هنا: أليس مؤسفاً التحدث بالطريقة هذه (وهي إسفافية)، ولكل منا ما يسميه دون وصاية من أي آخر؟ لكل منا ما كتبه، وما هو معروف به.
وبعيداً عن المنافحة المورمة للأوداج، لماذا لا نستعين مجدداً بما هو مدوَّن باسم كل منا؟
إن ما أهم ينسَب إلى دحام هو كتابه الذي (يكفّر) به، كما يظهر (نظرة نقدية..)، لأنه يأبى التذكير به نهائياً، كما لو أن ما كتبه كان كعب آخيل الذي كان فيه مقتله، وإلا لماذا هذا الصراخ والاستصراخ؟ أي ممارسة نقدية فعلية قدَّمها واقعاً؟
لا أعدم في دحام مساهماته الأخرى في مسارها النقدي، ولكن مع ميل إلى الانحدار ، ومن ثم الصمت الموظَّف سلبياً، أقول هذا، وأنا أسترجع كراسه (في موسيقا الشعر الكردي “ملاحظات وردود”)، الصادر سنة 1995، خصوصاً ما جاء في البداية تقريباً (ما جاء في المقالة أيقظ في خاطري تساؤلات حول واقع ثقافتنا الكردية، في سوريا، وأسباب ترهلها إلى درجة الابتذال، وهي بعد في مراحل كينونتها الأولى. تسابق غير متزن، ولا متوازن في حلبة التأليف والنشر.. أغلفة ملونة، براقة… ألقاب مؤطرة بالدلالات المختلفة… هالات ادعائية مبتذلة. وليس وراء كل هذا البريق والضجيج سوى مضامين باهتة، تتسم بضحالة فكرية مسطحة ، وفجاجة أسلوبية ساذجة. هو المسخ الثقافي إذاً،ولا شيء غير المسخ..ص 7).
فأنا أعتبر، كما لو أن المقروء هنا يخصني، ليس بمعنى أنه مسروق مما كتبت أنا، وإنما لحرص صاحبه الأستاذ الناقد وقتذاك على الثقافة والنقد الكرديين، ولو أنني أوردت هذا المقبوس دون ذكر اسم كاتبه، في مقال لي، لاعتُبر لي، بسبب التعايش الوجداني، ولعل دحام اليوم نسي أو تناسى دحام عام 1995، ليسلّم أمره للا أولي أمر هؤلاء الذين عرَّاهم، كما هو السائد.
ولعله نسي أيضاً ما كان صمم عليه في أوان صعوده النقدي وإعلان تلاشيه المريع بعدئذ، كما لو أن بداية ما، أخرى، يبحث عنها، في مسار مغاير تماماً، وهو يقول اليوم، إذ جاء في مقاله المتعلق بي: (نحن في طور التأسيس اللغوي، واستخدام أية مفردة مهملة منسية هو إحياءٌ لها ، وبالتالي هو إغناءٌ لقاموس لغتنا التي تفتقر إلى الكثير من عناصر حيويتها(، مثلما أنه كتب وبالحرف الواحد على أن ثقافتنا لا زالت في (طور الحبو) .
لغتنا ذاتها، لما تزل في مراحل كينونتها الأولى، أو في (طور الحبو)، كما أوردت، لأن دحام لم يعد ينظر فيما أثاره بشكل دقيق، وكأن أكثر من عشر من سنوات، ليس بزمن محتسب، نظراً لطبيعة اهتماماته التي لا صلة لها بما هو يومي ومؤثّر بعمق، ولو أنه استمر هكذا، لربما كان لديه أكثر من كتاب، يبز كتاب “سفر الضغائن” (وعي الذات الكردية) عددَ صفحات ومضموناً من خلال المعايشة المحيطية، وللسبب ذاته، لكان هناك حضور أقل لمن (أرعبهم) وقتذاك بنقده عن جدارة، ليرتد النقد الآن عليه، وهو يعيش وسط هؤلاء كثيراً: مادحاً التشرذم هذا بصمته المدرَك في حقيقته،سافحاً كل ما يخص ماضيه الجميل.
أقول هذا، وأنا أقدم للقارىء صيغة إهدائه للكراس ذاك إلي (الاستاذ الباحث ابراهيم محمود مع تقديري لجهودك، واحترامي لشخصك أهديك هذا الجهد المتواضع آملاً أن يكون خطوة في طريق البحث عن هوية ثقافتنا الكردية)، وثمة إمضاءة له بعد كتابة اسمه والتاريخ كذلك، وهو (11-21996)، وأنا أعتبر ما قدمه في كراسه هذا، وفي المقدمة خصوصاً، استمراراً لكتابه (نظرة نقدية..) أو (رؤية نقدية..) كما يترجم البعض الآخر، مدماكاً في البناء الثقافي الكردي النقدي في محيطنا، وما قمت به استمرار وتعميق لما أثير عنده سابقاً، وعند سواه، طبعاً، لكن، وللأسف، فإن التالي يشكل حالة انفصال تدريجية ومن الداخل عما قدمه، وأن صورتي البحثية و (والمحترمة) وقتذاك، ربما لأنني وقتذاك كنت في موقع آخر، لم أدخل (حومة النقد كردياً)، حيث جل الذين كان يعتبرهم منقوديه، يمثلون حلقته الاجتماعية التي دعَّم صلاته بها حالياً.
وهنا، ما علي إلا أن أتحدث اليوم، عن دحام المنسلخ عن تاريخه ذاك، ومحاورته في هذا المنحى!
لا أدري في هذا السياق، كم عدد الروايات أو الكتب التي قرأها بلغته الكردية، وحاول التوقف عندها كناقد، وأنا أذكّر بقراءاتي المتواضعة لعشرات الكتب بلغتي الكردية التي يظهر أنها لا ولن تعجب دحام لا اليوم ولا غداً، ما دمت أدق في ذاكرته ناقوس ماضيه النقدي، المنبوذ منذ سنوات عنده، الكتب التي مارست قراءتها، في حدود إمكاناتي الأدبية والنقدية المتواضعة، وأظنه يعرفها جيداً، عن طريق السماع على الأقل.
يخلط دحام بسبب الموقف النقدي مما كتبه في مقدمته تلك، بين ما يعتبره المعنون في خطوطه الكبرى، والواجب التقيد بها، وهنا نخسر الكتابة وروعتها، مثلما نخسر النقد ونجاعته، وما هو معتبَر خارج تصوراته، وحتى دائرة قراءاته، كما لو ابراهيم محمود يحبو بين يديه (أتراني أسمي غروري هنا، أم أقصيه، وأجرده مما هو نقدي مختلف فيه)؟ أقول هذا، وأنا أذكّره، مثلما أكر للقارىء، أنني وفي معرض مكالمة هاتفية فيما بيننا، قبل نشر القسم الثاني (مقصلة مادته، كما يظهر)، من دراستي عنه، أنني قلت له: دائماً، ومع كل كتاب، أتعامل معه كتلميذ يتعلم، ومن ثم ينتقل إلى طور القارىء، وإذا جد مستجد، فإلى طور الناقد، قدر المستطاع!
أتراني من ناحية أخرى، أبحث عن الذرائع، بأي طريقة، كما صوَّر له وهمه، وأنا أحاول تتبع خيوط الكتابة في مجموع أفكارها الفرعية وكيف تشكلت، مثلما أدوّن ما حفظته هنا وهناك، كما يؤكد مجسّد التعابير الإنشانية بامتياز؟ وهو اتهام لا يبرز سخف مضمونه، ويستفظعه، ويضاعفه كذلك، إلا جنوح الكاتب نحو اللامقروء، كما لو أنني أُُعرَف عنده، وعند قارئه المعتمد والخاص.
ومن جهة أخرى، لأن هذا الجنوح الصارخ يظهر أمرين اثنين: إما أنه يعرف ماذا كتبت ونشرت في الوسطين الثقافيين: العربي والكردي، وكيفية الاهتمام بذلك، ويتجاهل هذا الانتشار، وهذا لا يليق بمن يعرّف بنفسه رائداً في الثقافة الكردية، وفي أكثر من مجال، وإما أنه ينطلق من خيال مرَضي، مكوّنه الرئيس، هو تمترسه وراء مجموعة من الصور المثبتة (المحنطة)، تلك جمدته في زمن معين، ومكان معين، وفي حلقة لا قرائية “منتجة” معينة، وهذا انخساف قيمي مريع.
بقي علي أن أحصي (وأقولها مضطراً)، لمدعي ثقافة لا يعيش حراكها اليومي ومستجداتها، ولمن يتظاهر أنه متابع لما يجري، وهو دون ذلك، كما تقول قراءته البائسة، حيث أنه لا يستطيع إلا قراءة النذر اليسير مما ينَشر هنا وهنا (وهنا لا أتهكم مطلقاً عليه، كما يعرف، كما حاول الإيحاء إلى ذلك، لا بل والتصريح بهذا، أهل النميمة الثقافويون في ناحيته قبل سواها: خارجاً وداخلاً)، إنما ثمة من يقرأ له في الغالب.
هنا أقول أن غالبية كتبي، وهي ممنوعة من التداول عربياً، مقروءة على أكثر من صعيد (ما عليه إلا أن يبحث في قائمة هذه العناوين انترنتياً، ليعلم بذلك، إذا أراد حقيقة كهذه، ولن أزيد على ذلك).
والأمر الأمرُُّ من ذلك، اعتباري العاجز عن ممارسة النقد، وليته جاء بمثال يتيم، مثال دقيق، وليس مختزلاً إياه، وليس باستصراخ الضمائر، تخلصاً من عجز ضمني، كما في الموقف مما كتبته عن السواح، وقد وثَّقت النقاط التي انتقدته فيها، السواح الذي يمكنني القول على أنني شديد الصلة به أكثر منه، وذلك من خلال قراءتي لما يكتب، واعتبار كتبه مصادر بحثية لي، في الكثير مما كتبت، إنما ليس على عمى ً، أو بمريدية خرساء، أما هو فلم يفه بحرف واحد، سوى بإبداء الاستغراب مما تقدم، وهذا ليس بعمل أي ناقد، أو باحث في النقد أو الأدب إطلاقاً، وخصوصاً حين يؤكد أن ترجمة السواح أقرب إلى الأصل (وما مدى معرفته للأصل الذي يستعصى حتى على ذوي الاختصاص؟ كريمر نموذجاً)، وماذا قرأ في هذا الميدان، وهو لم يأت بمثال فعلي ليؤكد قوله؟
أما عن قراءتي البطيئة للكردية شأني في ذلك، شأن كثيرين من الكرد السوريين، كما قال، ففي ذلك الكثير من الغمز واللمز، أو ضرب المندل. ماذا تعني القراءة البطيئة؟ هل قرأت نصاً في حضرته؟ وماذا يعيب على قراءتي إذا جاءت بطيئة؟ أما المقصود بالبطء، عدم القدرة على استيعاب النص، فهذا لعمري، الحد الأقصى من التصدع النفسي، أو العظمة الجوفاء فيه.
المعيب هنا، هو في من يسمي دون تحديد، إذ كان عليه (هنا أمارس أستذة، كما يظهر!)، أن يتوقف عن هذه القراءة البطيئة وكيف ظهرت بطيئة؟ وقد نشرتُ عشرات الدراسات عن مجموعة كبيرة من الكتاب الكرد: محمد اوزون، لالش قاسو، حسن مته فرات جوري، جان دوست، حليم يوسف، هوشنك بروكا، فواز حسين، لقمان بولات، كاميران حاجو، أنور كاراهان، محمد علي كوت، عزيز غمجفين، آرشف أوسكان، سليمان آذر…الخ)، وليته كان في مستوى حديثه عما يخص الأسلوبية، إذ في وسعي القول أنه أبعد ما يكون عن جملة الدراسات الحديثة التي تخص الأسلوبية، وما هو منجَز في حقل الدراسات المعاصرة، كما تقول كتاباته.
وهنا، يمكن القول أيضاً، أن ثمة نقطتين لافتتين، تخصانه في المقدمة: مدحه الفارط (اللانقدي) لسعدالله، وفي جمل مترادفة، تظهر فجاجته في معرفة الكتابة النقدية، وعندما وجَّه جملة ملاحظات إليه، لم تخرج في مجملها، عن تلك الملاحظات التي وجهها السواح نفسه إلى باقر في ترجمته، كما لو أنها ملاحظاته، وقد ذكرت هذه، وتقويمه المجازف لترجمة السواح، إلى درجة تطيح بكل قيمة معرفية مثارة باسمه، طبعاً ليضفي قيمة كبيرة على حسن اختياره.
حسبي أن أقول، هنا فقط، ودون أن أقلل من قيمة كل ما كتبه دحام، في هذا المقام، أو سواه كتابياً، أن دحام لم يترجم جلجامش، لأنه تلمس في هذه الملحمة، ما هو نافع ومطلوب الاطلاع عليه بالكردية، وعلى طريقته، وإنما (وهذا ما أؤكده)، أن ثمة جانباً من السلامة الوهمية في ذلك، وقد أمضى الكثير معها، وحيث تأتي طريقة قراءتها وإمكانية ترجمتها سهلة، أقول هذا، وأنا أتساءل: إذا كان دحام حريصاً على ثقافته، وتطوير لغته التي لا زالت في طور التأسيس، لأنه قابع في بيته كثيراً، لماذا لم يعمد حتى الآن إلى ترجمة ما يمس الثقافة الكردية الراهنة؟ كأن يترجم عملاً أدبياً لسليم بركات أو سواه، من العربية إلى الكردية، أليس لأن ثمة ما يُتخوَّف منه؟
وفي هذا المنحى، أستطيع القول بصراحة عاليه، أن ترجمة الشاعرة الكردية جانا سيدا لرواية أحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد)، رغم الدزينة الكاملة من الملاحظات التي وجهتها إليها، هي أكثر جدارة، بما لا يقاس، من كل ما ترجمه دحام هنا (كنص ملحمي)، وفي مكان آخر، لأن ما سعت إليه جانا في ترجمتها، انعكس مباشرة، إيجاباً على اللغة الكردية في وجهها الحداثي: الأدبي، وهذا ينطبق قبل ذلك، على ترجمة الشاعر أحمد حسيني في ترجمته لـ(الجندب الحديدي) لبركات.
إن دحام ليس فارس الساحات إطلاقاً، وذلك في سنواته الأخيرة خصوصاً، وإنما ساكن الواحات والمستسلم لرطوبة مناخها القاتلة في الغالب.
هل أزعزع في دحام يقينه بذاته، أم أحاول مكاشفة ما وراء هذا اليقين المتعاظم بالذات، رغم انحسار دورها الكبير في الحياة الثقافية الفاعلة كردياً؟
ليس هدفي، هو اللعب بالمفرقعات اللغوية، كما تصرف في كتابته عني، هو ومن معه، ولا محاولة التشهير بسواي، إنما تعرية من يخفي قروحه ودمامله من الداخل، ويدَّعي العفة ثقافياً.
هنا، أدع العمر ووهم المكانة جانباً، إذ لا تفيد لغة النصائح أياً كان، كما اعتمدها كثيراً، وإن حاول الإيحاء ظاهرياً إلى أنه بعيد عن ذلك، بقدر ما يكون التاريخ بمستمسكاته (وثائقه)، هو الحكم الفصل هنا. سواء في مجال الحديث عن الترجمة وكيف يجب أن تكون (وأظن أن لكل منا الوعي المسبق بمستوجبات الترجمة أو بديهياتها وفقهها من لغة لأخرى)، بحيث لا يستدعي أي لغة، تذكير الآخر بمثل هذه المبادىء الأولى، لأن هذا الإجراء يحرّف مسار الحوار مباشرة، أو في مجال الممارسة النقدية لنصوص مختلفة، والطرق المنهجية لكل منا هنا، وأرى جازماً هنا، أن حديث دحام عن صراع الديكة الذي لا قبل لي به، يكشف انفراطاً ذاتياً فيه، طالما أنه لم يقدم ما هو ملموس، في سياق ما تقدم، أعني: طالما أنه يطرح الموضوع بالطريقة التي تبلبل وضعه.

حول آلية الترجمة مجدداً:
ليس تزكية ، إن أنا صارحت القارىء أو دحام ذاته، أن له تجربة محمودة في مجال الترجمة وغيرها كتابياً، ففارق العمر بيننا يشهد على هذا، ولكن ما يجب العمل به (وهذا ليس فرماناً)، هو عدم اعتبار العمر، وما هو متخيَّل أو متصور ذاتياً، أن أياً كان يبز سواه، اعتماداً على قناعة ثابتة، انطلاقاً من يقين لا ثقافي، حيث إن المعطى السلوكي أو الثقافي الفردي شاهد هنا.
وفي قائمة الملاحظات التي وجهتها إلى ترجمته (وليس التسفيهات أو الإنكارات، كما يتوهم دحام، ومن يريده أن يبقى مسكوناً بالوهم الفاره)، في بعض نقاطه، وقد حددتها بالصفحة والفقرة، وهذا يعني أن لا داعي لاعتماد لغة تهويلية، إنشائية جوفاء، انتفاشية تماماً، على أنني بطيء في قراءتي، ولا أحسن القراءة، كما هي السرعة المحددة عنده، ومن يتكتل في خانته اللاتاريخية عموماً، وقد قرأت الكتاب من ألفه إلى يائه، وأكد هذا في مهاتفته لي، لكنه ذلك سرعان ما انقلب على ما تفوه به، وهو يجردني من كل صفة نقدية.

غيبوبة تاريخ:
أشدد جازماً على أن دحام، ومن لف لفه، في الموقف السلبي مما كتبت (في نطاق وعي الذات الكردية، وما تلا كتابي هذا، من مقالات أخرى)، يعيشون غيبوبة تاريخ لافتة، وذلك من خلال طبيعة ما ينشر باسم كل منهم، ودائماً، إذا ربطنا المنشور بمستجداتنا الاجتماعية والثقافية.
ما هو مفهوم (غيبوبة تاريخ) في الحالة هذه؟
هو الدخول في حالة من الضمور في وعي التاريخ، حالة التخلي عن الحد الأدنى من وعي المستجدات، وبالمقابل، عدم إدراك الحد الأدنى المترتب على إطلاق القول على عواهنه.
بالنسبة لدحام، الذي حاول التخلص من موضوعة جلجامش، من خلال أمثلة جرى تمييع مضامينها في الغالب، والنظر إلى محاوره على أنه أدنى من أن تتم مناقشته، ولكنه لم يكف عن السكتى في دائرة التعارضات: كيل المديح دون وجود المؤكد لقوله هذا، ومواصلة الذم لا بل والتشهير، دون تقديم المسوّغ في كل مرة، ومن ثم توسيع ساحة المواجهة، عبر الربط بين شخصيتي في تمامها، وما قدمته في المجالات كافة، والأنكى من ذلك، مطالبة المعنيين بالأمر (كرده كافة، ومن يرادفونهم في الجانب الآخر عربياً)، بضرورة الصبر على هذا البلاء…الخ.
منطق هو الضعف بعينه، أو إيديولوجيا المهزوم واقعاً، لأن ليس مما يمكن اعتباره فاعلاً ثقافياً قد تخلل سياق القول.
أذكّره مجدداً بما سطَّره قبل عقد ونصف، كيف كان المثقف يقيم داخله، المثقف الناقد، كما هو المثقف: العضو المجتمعي الفاعل، المثقف الشاهد على مجتمعه الممزق، على طريقة سارتر، نعم، كان ثمة صحة مقدَّرة، ولكنها انتكست، أو انخسفت دفعة واحدة، كما لو أنه محارب تاريخه هنا.
أن تكون مثقفاً، وصاحب سطوة، وفي مجتمع يدافع عن الكثير من أوجه تخلفه، كما لو أنها عتبات مقدساته، وتعرية أبعادها الاجتماعية والنفسية وغيرها، وتنام نوم قرير العين هانيها، استحالة تامة، وقد اختار دحام، مثلما ارتأى من تخندق لا ثقافياً، معه، أن يكون المثقف الممثل لأشباه الموتى، المرجع الحميم لما هو تخلفي، كما هو مقدَّر عنده. هنا تكون متاهة حنظلة الكبرى غفلةً.
وهنا أعود إلى موضوعة (سفر الضغائن)، كما أراد بالنيابة عمَّن أرادوه المرة هذه ناطقاً بلسانهم، مثلما أراد هو تأكيد فرادته، رغم الحجج الدامغة على أنه خلاف ذلك (على الأقل، لأن ما اعتمدت عليه، يمكن التأكد منه، وهو غير ذلك)، سفر الضغائن، الذي هو كتابي (وعي الذات الكردية)، وهنا، أقول: لكم تضاعف بؤس الوعي فيه، كما كان شأنه بصدد جلجامش، كما لو أن كل ما يقوله هو المطلوب تقديمه.
هنا، مجدداً، كما أراد أن يكون محامياً لسواه (دفاعه المخجل، دون أي مبرر بحثي، عن السواح، وغيره من كرده خصوصاً دون تسميتهم)، أراد أن يستحضر الآخرين، أن يكون في موقف المحامي، وهو العاجز عن تمثيل نفسه.
حسنٌ إذاً: لماذا الكتاب هو سفر الضغائن، وفي كليته؟ أما كان أجدى بمناقشته، من خلال بعض أمثلته، أم ذلك لا يستحق النظر فيه، كما هو ديدن الكثير من كتابنا الكرد، وخصوصاً من أراد دحام أن يكون المنبري باسمهم، عندما يقوَّم أي كان بعبارة طائشة، أو دون تمحيص!؟
وبوسعي مواجهته بما يخصه في الكتاب الضغائني ذاك، وأنا أقول: ليت دحام يستطيع (أقول” يستطيع بإطلاق”)، أن يفند ولو حالة واحدة، تعنيه، في القسم المتعلق به، أي (الصمت في وضح النهار)، ومن خلال الدور الذي يجب أن يقوم به المثقف، كما عهدناه سابقاً، لو أنه أفلح في ذلك، سوف أعتبر كل ما كتبته بالفعل ضغائنياً، وأنا بانتظار محاولته النقدية. طبعاً لن أقول بأنه لن يقدر، كما عرّف بي في موضوعته، وإنما لأن الكتاب لا يخرج عن نطاق ما ابتدأ به هو، ولأن جملة المستجدات الحاصلة في السنوات المنصرمة، تضاعف من حساسية دور المثقف، وخطورة مهامه الموكلة إليه ذاتياً، أو ما يجب عليه القيام به، وفي الوقت الراهن بدقة أكثر، ودحام كان أكثر من كثيرين سواه مأخوذاً بالصمت (عند الضرورة سأستعين بالذاكرة المكانية: المحلية)!
أذكّر دحام الحريص على ثقافته الكردية، ما كان طلبه مني، بعد أحداث 12 آذار، 2004، بفترة، وفي بيتي، ومعه الكاتب محمد سيد حسين، بقوله: لنترك ما كان، علينا أن ندخل في علاقة أخرى.
واجهته حرفياً: ما كان لن يُنسى، حيث الذي  مارس الدور المطلوب منه بشجاعة، غير الذي ألصق به تهماً، فلا بد من الاعتراف بذلك (نقد الذات المقصّرة) قبل كل شيء!
ولعلي هنا، وكوننا على عتبة الذكرى الرابعة لأحداث 12 آذار هذه، أسأل الحريص على كرديته ومجتمعه، ماذا كتب في هذا الإطار؟ لا بل آمل عليه أن يجيب على هذا السؤال فقط: كيف هو تقويمه للأحداث تلك، وللذين شاركوا فيها، ومن تجنبوا الخوض فيها كلياً؟
إن جواباً على سؤال كهذا، كما أرى، جدير بالإجابة عنه، ولأدرك، فعلاً، حرصه على ما يقول!
أقول هذا، ليس من باب التباهي، وإنما لأن التاريخ حاضر بيننا، وأنا أذكّره مجدداً، بأن مجموعة الدعوات التي وجهت إلي كردياً، في عامي 2005-2006، لزيارات أوربية، ومن أطراف مختلفة المشارب والمذاهب، جاءت في أعقاب الأحداث هذه، فهل كان أصحاب هذه الدعوات، وهو يعرفهم تماماً، متواطئين معي بدورهم، أم لأن وضعاً آخر، اُستجد ثقافياً هنا؟
وهنا أستعيد صورته مجدداً، وكيف أنه أصرَّ على أن يكون المتعارض مع نسخته السابقة، وأصر في الوقت ذاته، على أن يكون له الصدر فيما هو ثقافي، لكنه لم يستطيع إخفاء ما يعنيه إصراره هذا من تعارضات جلية، حيث تحاشيه عن إظهار صورته متلفزة، كما كان ذلك في موقع ما (قرية بارزان)، في كرستان الجنوبية، سنة 2004، ونقدي لهذا الموقف وسواه، بالنسبة له ولغيره أيضاً (انظر حول ذلك، كتابي: من قامشلي إلى هولير “شذرات كردية في فقه الأمكنة”، منشورات رابطة كاوا، أربيل،2004، ص116- 117)، وهنا لا أظن أن الذين نشروا الكتاب كانوا متواطئين معي، مثلما أصر على عملية التحاشي هذه في حالات أخرى (مجدداً، في أربعينية الشاعر الكردي الراحل سيدا كلش بتاريخ (27-72007)، حيث الصورة تكون الناطقة بكل ذلك، أم أن ذلك في الأمر مساً بما هو شخصي؟


أربعينية الشاعر (سيدايي كلش)

وبصدد الفرز بين ما هو شخصي وغير شخصي، أحيل الكاتب، وقارئه الخاص، إلى التالي:
ما نُشِر للراحل سعدالله ونوس، وهو المسرحي السوري المبدع، من مذكرات ثقافية، في صحيفة (أخبار الأدب) المصرية بتاريخ (20 أيلول، 2007)، من جهة الحديث عن جوانب شخصية ظاهراً ولكنها تتجاوز البعد الشخصي الضيق، وذلك عن أسماء ثقافية لها حضورها في المجتمع المصري ، قبل كل شيء، وتعرضي لهذا الجانب في مقالي (رهاب الكاتب) في صحيفة (السفير) اللبنانية، بتاريخ (19-102007).
ما يتعلق بجوانب شخصية أخرى تخللت حياة كبار الكتاب: المثقفين العرب، وهم يتناقشون، أو يتشاتمون، وأبعاد العلاقات المختلفة هذه، وتناولي لها، في بحثي النقدي (المثقف العربي والعنف) في مجلة (المستقبل العربي) اللبنانية، (العدد 1401990)، ثم نشره من قبل مركز دراسات الوحدة العربية، في كتاب مشترك، تحت عنوان (الثقافة والمثقف في الوطن العربي)، بيروت،1992، وهو المقال الوحيد الذي تم اختياره من سوريا، بهذا الصدد، رغم (العنف) الموجود في البحث، بالعكس، لقد ثمّن البحث هذا (وإلا لما تم نشره واختياره)!
وفي الصدد هذا، أحيل القارىء المعني إلى كتاب يتعلق بسيرة كاتبة وشاعرة إيرانية مدهشة، هي فروغ فرخزاد 1935-1967، وذلك في كتاب (امرأة وحيدة “فروغ فرخزاد وأشعارها” : سيرة حياة)، تأليف مايكل هلمان، وهو الصادر عن سلسلة إبداعات عالمية (الكويت، 2007)، حيث إنه يتعرض لأهم جوانب الحياة الشخصية للمذكورة، وصلة كل ذلك بكتاباتها وأشعارها، وأظن أن في ذلك بعضاً من التوضيح حول نقاط (خلافية) تخص بنية كتابي (وعي الذات الكردية).
أرجع إلى الوراء قليلاً أكثر، فأذكرر الفيلسوف الألماني الساخط نيتشه وطبيعة كتاباته، وخصوصاً نقمته على عموم الألمان وفلاسفتهم وغيرهم، كما في حديثه عن (تبلد الشعب الألماني، والعقل الألماني المتسطح، والثقافة الألمانية المنحطة، وأشد كسيحي الفكر دمامة على الإطلاق: كانط العظيم “من باب السخرية” طبعاً…الخ)، كما جاء ذلك في نهاية كتابه (أفول الأصنام)، إذ لم يتعرض له الكثير من الفلاسفة الألمان وسواهم على أنه مجرد، أو “مسعور” أو أنه “بكو عوانهم” وإنما صار له مكانة كبيرة جداً عندهم (هايدجر، فوكو، جولزو، دريدا..الخ).
أشير هنا أيضاً إلى عالم النفس الشهير فرويد، وكيف تناول شخصية الفنان الإيطالي العظيم دافنشي، من خلال لوحة (الموناليزا) الشهيرة، وبصورة لافتة، غير مسبوقة، حيث يصعب على أي كان تقبل ما أثاره وتوصل إليه في استنتاجاته، وهذا ينطبق على موقفه البحثي من الروسي العظيم دوستويفسكي، وذلك في كتابه (التحليل النفسي والفن) المعروف تماماً، والمترجم عربياً.
أشير كذلك إلى النقد الحاد والعنيف والمعتمد على أدلة ووثائق، للمفكر إعجاز أحمد، ذاك الذي وجَّهه إلى المفكر الكبير بدوره، الراحل إدوارد سعيد، وفي مجال الاستشراق ، بالذات، وذلك في كتاب (الاستشراق وما بعده)، الترجمة العربية، ثائر ديب، دمشق،2004،القسم الأول.
وإذ أورد الأمثلة هذه، ففي محاولة لتنوير الموضوع أكثر، بعيداً عن لغة الانفعالات، أو استخدام التعابير الإنشائية، ولمكاشفة نقدية أكثر لما نعيشه ثقافياً هنا وهناك، وهذا يشملنا جميعاً في المجتمع، وفي وسطنا الكردي عموماً والثقافي منه ضمناً، ولكنه قول موجَّه إلى دحام قبل كل شيء، وإلى الذين يحاولون التعرض للموضوع (الدخول على الخط)، ليس باعتبارهم متأثرين بالمستجدات الراهنة، ومن من موقع المترفعين عن كل هذه (الترَّهات)، أعني في موقع الناصح البعيد عما هو عملي، كما تقول تواريخ مسلكياتهم، سواء في اختزال لافت للمثار، أو عبر التعرض لجوانب تجيّر الموضوع، أو بتناول الموضوع في عمومية، تزيده تعقيداً، لا بل تقلل من مكانة هذا الكاتب أو ذاك، ممن يعتبرون أنفسهم رافضين لمسلك (المفاخرة والكلمات الطنانة)، وبالتالي يكونون (هم لا سواهم بطريقتهم هذه) بأمس الحاجة إلى معالجة سيكولوجية لـ”مدَّخراتهم” النفسية والثقافية تاريخياً)، أي أن المتمني هنا، هو الدخول في الملموس، وتسمية الشيء باسمه، إنما وقبل شيء، التعريف بما يخص الكاتب، من خلال كتابته، وماذا ينتمي إليه كأثر ثقافي واجتماعي فعلي في وسطه..
إن هذا يقودنا إلى الحديث، ولو باقتضاب عما يعيشه كل منا، وموقعه ثقافةً قبل كل شيء، وخصوصاً عبر مفهوم استُعمل كثيراً بعمومية فاقعة، وبسوء ملحوظ، وهو مفهوم (الوصاية)، أي خضوع الكاتب لتأثيرات جانبية، وتأثيره السلبي في مجتمعه. ودحام لم يدَّخر جهداً في تأكيد هذه المسألة، أي أني أديت الدور السلبي تماماً في الثقافة المحلية والكردية، ولكن كيف؟ لم يظهر ذلك، وهو يكرر ما تفوه به آخرون من قبله، وأظنه يعرفهم واحداً واحدا، بل لعلي على يقين تام، أن كثيرين منهم، كانوا يُعتبرون في عداد مسوخه الثقافية ذات يوم سابق. وهذا تجنَّ على منطق الكتابة التاريخية الموثقة، تدليس من نوع آخر، وخصوصاً في ظل قائمة المقالات والأبحاث المنشورة، وهي تعنيني قبل أي كان (أذكر مثلاً، كتابي الأخير : القبيلة الضائعة، والصادر عن رياض الريس، ويعلم بمضمونه، من خلال السماع مجدداً،على الأقل، وأنا أسأل من كان الوصي عليه لحظة القيام بتأليفه غب أحداث 12 آذار السالفة الذكر مباشرة؟ أليس التذكير بعبارة (الوصي عليه) تعبيراً عن مدى حشرجة الذات، شعور صاحبها بأنه أسقِط في يده؟ ودحام، قبل غيره، لأنه معني بهذا الكلام بداية، يتجاهل كلياً عنواناً كهذا، لأنه ليس في مصلحته الذاتية الضيقة، هو وغيره، وأنا أعيد إلى الأذهان، أنه زمن صدوره في صيف 2007، وبدلاً من المساءلة حوله، كما هو المقتضى، لم يعتّم عليه كردياُ ، وفي جهات مختلفة، وإنما مورست أنشطة (تم إحياؤها)، وتخص ترجمتي لرواية لالش قاسو (أيام حسو الثلاثة)، طبعاً من باب التشهير، ولغرض مقصود، وفي أمكنة مختلفة، وهي ذاتها التي تم التعرض لها بالطريقة التشهيرية هذه، من قبل من تلمس في ذاته سهولة القيام بأداء هذا الدور، سابقاً، ومن ثم لاحقاً، وفي عامودا بدورها، ودحام، كما أظن، كان في أوج انتشائه، لأن منافسه المشهّر في الكتابة هنا، يؤدي دوراً يتمناه بالنيابة عنه، وهو يحضر ندوته البيتوتية، رغم أنني أفصحت عن موقفي من ترجمتي للرواية هذه كثيراً (من باب النقد الذاتي)، مثلما تعرضت لأبعاد ما يجري بالطريقة الاستعراضية هذه، وقد كان الأجدر في دحام الذي يقف على عتبة عمره الخريفي (وآمل من القلب أن يمد الله في عمره)، أن يكون الناصح المختلف، أن يدرك ما يعنيه القيام بعمل لا علاقة له بالثقافة الفعلية بالأسلوب المذكور والمتنقل هنا وهناك، لكن الذي يعيشه ذاتياً، وفي واقع الأمر، يبقيه المتلهف لسماع أو قراءة المزيد من ذلك.
من هو المسئول عن هذه المسوخ المتزايدة كردياً، في الوسطين الثقافي والأدبي، من هم الذين يمارسون انتاجها أو الترويج لها، ما هي الأساليب المتَّبعة، وما هي مآلاتها؟ وما موقع دحام  معايش أجيال عدة، في كل ذلك، وفي الوسطين السياسي الحزبي، والثقافي؟ وكيفية التكييف بين تعارضات الرغبة في تحقيق الأفضل، والسعي إلى الأسوأ من خلال الممارسة الذاتية.
إن هذا يتطلب مكاشفة من نوع آخر، تعرية من نوع آخر، لذات المسوخ التي تعالى صراخ دحام المثقف الناقد ذات يوم، بسبب تكاثرها، والاستئناس بها راهناً.
” للحديث صلة، طبعاً”!
———–
ملاحظتان:
الأولى، ما أن يبدأ حوار من النوع السالف، مهما كانت حدته، حتى ينبري من يفصّل في موضوع كهذا، من موقع حيادي مزعوم، أو من موقع الحرص، عبر البحث في العموميات بمقاربات نفسية مضلّلة في لا محددها المفهومي مجتمعياً، وهنا أقول أن لا حيادية في موضوع بحثي، مهما كان ضؤل مستواه، فالمعلّق كصاحب الموضوع، لا بل يتعقد دوره أكثر، لأنه يقرأ الموضوع، ويتقدم بما يعتبره المجال الأفضل لتفعيل الحوار فيه.
ولذلك، آمل من أي كاتب، كاتب له حضوره الملموس، وأنا أقدر فيه اندفاعه المعرفي التنويري، أن يسمي موضوعه مباشرة، وأن يبتعد عن لغة الحرص التي تعكّر الماء أكثر، ويواجه المادة المكتوبة، من خلال تاريخها الوقائعي، ومكوناتها الفلسفية أو النقدية وخلافها، وما يكتبه هو الذي يشكل لسان حال ثقافياً له، ومدى ارتباطه بما هو مستجد معرفياً أو ثقافياً، وما عدا ذلك، يشكل نفخاً في قرب مثقوبة.
الثانية، وهنا أشكر من اتصلوا بصدد ما يجري، كما الحال في أمور أخرى، مثلما أثبت شكري للذي تمنى علي لو لم أستعمل مفردة (اللاصديق)، في نقدي السالف والموجه إلى دحام، وأنا معه، وقد تمنيت ذلك، من صميم القلب، ولكنني، وكما قدَّرت، تلمست فيما كتبه قاطع حتى شعرة معاوية، فاستصعبت وضع النقيض.

في كل حال، آمل ألا تدوم هذه الـ(لا)، وهذا يتوقف على المستجدات القادمة، أعني على مدى حضور النقد، ومن يعتبر النقد مدخلاً قويماً لمكاشفة ما نحن عليه من ضعف ذاتي وغيره!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…