عبداللطيف الحسيني
كنتُ قد ظننتُ أشياءَ كثيرة عن (جميل داري) قبل أنْ ينشرَ (معلقته) في (سما كرد) : لمْ أعدْ أراه في الزيارات الخاطفة الصيفية لعامودا . بل أسمعُ أنه زارها (وكفى) , دون ضجيج , هو مَنْ عوّدنا عليه. فسافرَ منها بعد يومين أو أكثر . و كنتُ أظنُّ أنه قد تعب من الشعر و أهله ( و قد تعب فعلا) لأنّ الشعر و أهله لم يمنحا الشاعرَ ما يصبو إليه . و أن (الامارات) غيّرته . ليراجعَ نفسَه و نتاجَه الشعريَّ معها . لكنْ يبدو أنه بقي هو هو . لا يستطيعُ تغيير شعره . أو لا يريد أنْ يغيّر نمطية شعره. فقد جعلَ الكلاسيكية (مذهبا له) يدافعُ عنها حتى آخر رمق . ومَنْ أراد أن (يحاكم) جميل داري . يجب أن يقرأه ضمن هذه الكلاسيكية . لا باستيراد مصطلحات الحداثة , و صبّها على نتاجه الكلاسيكي الذي عليه الكثيرُ من ملاحظات:
كنتُ قد ظننتُ أشياءَ كثيرة عن (جميل داري) قبل أنْ ينشرَ (معلقته) في (سما كرد) : لمْ أعدْ أراه في الزيارات الخاطفة الصيفية لعامودا . بل أسمعُ أنه زارها (وكفى) , دون ضجيج , هو مَنْ عوّدنا عليه. فسافرَ منها بعد يومين أو أكثر . و كنتُ أظنُّ أنه قد تعب من الشعر و أهله ( و قد تعب فعلا) لأنّ الشعر و أهله لم يمنحا الشاعرَ ما يصبو إليه . و أن (الامارات) غيّرته . ليراجعَ نفسَه و نتاجَه الشعريَّ معها . لكنْ يبدو أنه بقي هو هو . لا يستطيعُ تغيير شعره . أو لا يريد أنْ يغيّر نمطية شعره. فقد جعلَ الكلاسيكية (مذهبا له) يدافعُ عنها حتى آخر رمق . ومَنْ أراد أن (يحاكم) جميل داري . يجب أن يقرأه ضمن هذه الكلاسيكية . لا باستيراد مصطلحات الحداثة , و صبّها على نتاجه الكلاسيكي الذي عليه الكثيرُ من ملاحظات:
أوّلُها أنّ القصيدة هذه قال معانيها الشاعرُ منذ أكثرمن عشرين عاما . ومن يريد الاستفاضة , عليه الرجوعُ إلى مجمل كتابات الشاعر (إن القرى لم تنتظر شهداءها . مثالا) . وهذا ليس مثلبة . حيث كان الشاعرُ يدرّبنا على تذّوق جمال الكلاسيكية في الثمانينيات في ثانوية (المعري) . وقد أفاد طلابه . و كنتُ واحدا منهم .
الاستفادة الأولى فكرية . فقد استطاع أن يهدي طلابه إلى فكر المدّ الثوري الذي كان جميل داري و(مدرّسون آخرون) مؤمنين به إيمانا وصل إلى حدّ العبادة لهذا الفكر , ولهذا الشعر. و لأجل كليهما تهجّم عليه , و تجمّع حوله ممن بداخله حمّى القراءة و كتابة الشعر . فقد وجدْنا ضالتنا من خلال هذا (الشاعر المدرّس) الذي لم يعطنا دروسا إعرابية و صرفية . بل منحنا ما هو أجمل و أبقى من جفاف الدروس تلك , أعطانا مجالا و مناخا حيويا لمحاكاة و (محاكمة) القصائد الكلاسيكية , والاستفادة منها. أخصّ (شعراء الصعااليك – وفي قصيدته هذه حديث عنهم – و الشعر السياسي) و كان الشاعر جميل داري أثناء شرحه لبعض قصائد الجواهري و السياب . أنه لم يكن يشرح . بل كان (يحارب) الفساد بكلّ ما أوتي من قوة من خلالهما . مازال الشاعر أمينا لطريقته في الكتابة , حتّى وهو بعيدٌ عن عامودا , لكنه يعرفُ حزنَ أهلها الذي طال أكثرَ ممّا يطيقونه. و يتحملون . فحزنه و ألمه هما حزن وألم الجميع . ولو أنّي على يقين لو أنّ (جميل داري) يعاني ما يعانيه أهله (الآن . هنا) في هذه المدينة الميتة لرثاها بآخر قصيدة له . ما أكتبه ليس دراسة عن شعره أو عنه . بل تحية له . هو في غربته . وأنا في غربتي التي هي أمرّ و أشدُّ فظاظة و عنفا , ومع ذلك تضجُّ الحياة فينا . و هذا ليس تفاؤلا مجّانيا , بل هو أقصى حالات اليأس .
alanabda9@gmail.com
الاستفادة الأولى فكرية . فقد استطاع أن يهدي طلابه إلى فكر المدّ الثوري الذي كان جميل داري و(مدرّسون آخرون) مؤمنين به إيمانا وصل إلى حدّ العبادة لهذا الفكر , ولهذا الشعر. و لأجل كليهما تهجّم عليه , و تجمّع حوله ممن بداخله حمّى القراءة و كتابة الشعر . فقد وجدْنا ضالتنا من خلال هذا (الشاعر المدرّس) الذي لم يعطنا دروسا إعرابية و صرفية . بل منحنا ما هو أجمل و أبقى من جفاف الدروس تلك , أعطانا مجالا و مناخا حيويا لمحاكاة و (محاكمة) القصائد الكلاسيكية , والاستفادة منها. أخصّ (شعراء الصعااليك – وفي قصيدته هذه حديث عنهم – و الشعر السياسي) و كان الشاعر جميل داري أثناء شرحه لبعض قصائد الجواهري و السياب . أنه لم يكن يشرح . بل كان (يحارب) الفساد بكلّ ما أوتي من قوة من خلالهما . مازال الشاعر أمينا لطريقته في الكتابة , حتّى وهو بعيدٌ عن عامودا , لكنه يعرفُ حزنَ أهلها الذي طال أكثرَ ممّا يطيقونه. و يتحملون . فحزنه و ألمه هما حزن وألم الجميع . ولو أنّي على يقين لو أنّ (جميل داري) يعاني ما يعانيه أهله (الآن . هنا) في هذه المدينة الميتة لرثاها بآخر قصيدة له . ما أكتبه ليس دراسة عن شعره أو عنه . بل تحية له . هو في غربته . وأنا في غربتي التي هي أمرّ و أشدُّ فظاظة و عنفا , ومع ذلك تضجُّ الحياة فينا . و هذا ليس تفاؤلا مجّانيا , بل هو أقصى حالات اليأس .
alanabda9@gmail.com