(سندبادُ العيونْ و دموعٌ للذيبْ) قصيدتان

نمر سعدي

دموعٌ للذيبْ

 (إلى الشاعر الغائبْ عايد عمرو
 وإلى الحاضرين الشعراء الفلسطينيِّين في كلِّ شتاتِ الدنيا والشعر)  
نمر سعدي

(1)

مطعوناً بزهورِ الحزنِ الأوَّلِ أكمِلُ دورةَ أقماري
أتركُ عطري البكرَ على خطِّ الهزلاجِ
وأعوي في الليلِ وحيداً إلاَّ من عشقي القتَّالِ

المُتربِّصِ بي كيهوذا الإسخريوطيّْ
(2)

مطعوناً بشعاعِ الشمسِ الصيفيَّةِ
أحملُ رأسي في كفِّي.. وأصادقُ قاتلتي
وأقبِّلُ وجهَ حبيبةِ روحي رامَ اللهِ ….
أنا الذيبُ ..العصفورُ الدوريُّ..
المهرُ الجامحُ ..عاطفةُ الأشياءْ

(3)

وأنا الأشقى من بينِ جميعِ الشعراءِ المنفيِّينَ
دمي يخضرُّ على أسوارِ القدسِ
ويُنبِتُ دُفلَى ناعمةَ الألوانِ على عمَّانَ
دمي يحمرُّ ويبكي تحتَ صخورِ الوطنِ المعشوقِ العاشقِ
أو يبيضُّ ويغلي مثلَ الشفقِ المصلوبِ
على جلجلةِ اليومِ الآخِرْ

(4)

وسأمشي فوقَ صراطِ الحزنِ فيوجعني فرَحي المُتأنِّقُ
يوجعُني وردٌ شوكيٌّ لا يتسلَّقُ أحلامي الحُبلى
بحدائقِ بابلَ تجري فيها أنهارٌ ظامئةٌ لسرابِ الحُبِّ
أنا الذيبُ على ثغري لونٌ خمريٌّ..
مصبوغٌ صدري بالتوتِ وأزهارِ الصُبَّارِ
على بوَّابةِ هذا العالمِ أهوي من أعلى رؤيايَ
وأبكي في ليلي العربيِّ بصمتٍ مقهورٍ
يتسلَّلُ من أقصى أوجاعي …

(5)

والأشقى من كُلِّ الشعراءِ المنفيِّينَ أنا
أضلاعي أجنحةٌ كسَّرها الإعصارُ
وأشرعةٌ غرقى في يمِّ الأشعارِ
المُنشقِّ إلى قلبينِ ..إلى قمرينِ شهيدينِ
على مرأىً من عينِ التلفازِ
وعاطفةِ العالمِ والفولاذِ المُتحضِّرِ والمُتطوِّرِ
أهذي أو أهوي من صخرةِ سيزيفْ

(6)

قلبي بوصلةٌ في الريحِ ونقطةُ ليزرَ في الظلماءِ
تشدُّ خيوطَ الفجرِ فيستهدِفُها الأعداءُ الفرِّيسِّيينْ

(7)

العالمُ تُضحكهُ لعبةُ موتي
فسأوقظُ رغبةَ أحلامي وأطيرُ كشمسٍ من حبقٍ
نحوَ الأعلى المجهولِ
وأبدأُ مشواري الأزليَّ
أنا الأرضيُّ أنا
وأنا شبقٌ لسماءٍ حالمةٍ
وأنا الرائي والمرئيُّ ..
الصوفيُّ بلا صوفٍ مصنوعٍِ … وأنا …

(8)

مطعوناً بالضوءِ وبالموسيقى.. مسكوناً بالأمطارِ الهشَّةِ
محروقاً بالقبلاتِ العطشى.. مسفوحاً كدمائي في كُلِّ الساحاتِ
وفوقَ يدَيِّ الدنيا
أرحلُ كطيورٍ زرقاءَ إلى بحرٍ لا أعرفهُ
مشبوحاً فوقَ سياجِ الكونِ المأفونِ
وفي عدساتِ الكاميراتِ
نبيَّاً للحرِّيةِ
مقتولاً قِتلةَ حلاَّجٍ آخرَ في نارٍ أشعلَها لي
إخواني في لغتي أو ديني
فتبخَّرتِ الروحُ سوى خيطِ دخانٍ أو كلماتْ
لا شيءَ سوى كلماتٍ تصعدُ نحوَ اللهِ….
سوى كلماتْ

(9)

من قاعِ الآبارِ الخضراءِ ستبرقُ جمجمتي المُحترقةْ
وتخضُّ الليلَ التتَرِيَّ كعاصفةٍ الحُمَّى.. وأقولُ
ستقتلُ جمجمتي آخِرَ جنديٍّ من جيشِ المُرتزقةْ
ستقتلُ جمجمتي ألفاً من جيشِ المُرتزقةْ

(10)

ليلايَ كظبيٍ في طرفِ الصحراءِ
كخفقةِ نجمةِ صبحٍ تبكيني
وتشقُّ جيوبَ اللغةِ العصماءْ

(11)

أوفيليا كحمامٍ زاجلْ
بوداعةِ زنبقةٍ ونصاعةِ ما في أفئدةِ الشهداءْ
تشتعِلُ أصابعُها وتودِّعُني بلهيبِ الماءْ

(12)

صوتي مرئيٌّ.. أبيضُ مثلَ الثلجِ
وأزرقُ مثلَ نوارسَ طرفِ الأرضِ 
وأحمرُ مثلَ شرايينِ الوردِ
وأخضرُ مثلَ شموسِ الحُبِّ
ومسموعاً كالنبضِ الشعريِّ بقلبي
وخطايَ وراءَ الحقلِ المنهوبِ كجوقةِ أطيارْ

(13)

تزحمنُي أعينُ أهلي بالأنوارْ
وتمُدُّ طريقي نحوَ الجنَّةِ
تحملني روعةُ ما في المرأةِ من أسرارْ
أغفو في رؤيايَ وروحي تحملها الأنهارْ

(14)

أشرعتي بيضاءٌ بيضاءْ
في بحرِ الفجرِ… ستُبحرُ بعدَ قليلٍ نحوَ سماءٍ فيَّ
وراءَ سماءٍ فيكَ .. وراءَ سماءْ
أجنحتي آخرُ ما يبتلُّ بسرِّ الماءْ .

ديسمبر 2008 

************

سندبادُ العيونْ

أناتَكِ فالأسحارُ لم يعفُ سحرُها
ولا غُبِنَتْ يومَ الحقيقةِ آصالي
وما شذَّ عنِّي طيبُ ريَّاكِ إنمَّا
تدَّفقَ في جنبيَّ وانداحَ في بالي
إذا قلتُ شعراً تاهَ فيكِ كأنمَّا
هواكِ لمجدِ الشعرِ أفضلُ دلاَّلِ
يضيءُ دمي من سحرٌ لعينيكِ قاتلٌ
ويبسمُ لي من قاعِ طعنةِ عُذَّالي
وتزحمني رؤيا الخلودِ كأنها
تخطُّ دواويني وتنحتُ تمثالي
برَتْ جسمَ روحي رقَّةً.. وبريتُها
قصائدَ لا يفنى بها الشغفُ العالي
فمن من زهورِ الليلِ يقطفُ ضحكتي
ومن في عبيرِ النارِ يعجنُ صلصالي
ومن لحفيفِ القلبِ يرفعهُ كما
بيارقَ من قولي تعانقُ أفعالي
****
 
أناتكِ ما غنَّيتُ حزنكِ جاوَبتْ
غنائي الطيورُ الهانياتُ بإعوالي
وما أنا نزَّاعٌ لحبِّكِ من دمي
فمالي بنـزعِ الحُبِّ من حيلةٍ مالي
أأنزعُ مسماراً تعلَّقَ راحتي
وشبهَ صليبٍ قد تعشَّقني بالِ ؟
أفيضي عليَّ الليلَ أغرقُ ثانياً
بفيضٍ من الريَّا وشعركِ.. مُنثالِ
سأبحرُ عبرَ المقلتينِ بهِ إلى
جزيرة كنـزٍ ذاتِ خوفٍ وآمالِ
****

ذريني أجدِّدْ ألفَ ليلى وليلةٍ
وأغمرُ ذكرَ السندبادِ بترحالي
ذريني أكن عنقاءَ يبعثها اللظى
إذا احترقَتْ شوقاً.. من الأبدِ الخالي
****

ألا في سبيلِ الحُبِّ بعضُ تعنُّتي
وسيرةُ مشتاقٍ ينوءُ بأحمالِ
إذا كانَ قلبٌ قد تملَّى بحبِّهِ
نعيماً.. فقدْ شقِيَتْ بحُبكِ أوصالي
وودُّكِ لا يصفو وكنتُ عهدتهُ
ولُبسُكِ من مينٍ يُشابُ بإقلالِ
ولم يخلُ هذا الدهرُ من طالعٍ بدا
ولم يخلُ هذا الناسُ من خادعِ الآلِ
فضقتُ بأيامٍ حوَتنا وطالما
مرحتُ بقدٍّ من مُداها وأغلالِ
ومثليَ لو يمشي بأخمصِ فضلهِ
لأخرجَ جناتٍ من الرُبعِ الخالي
****

جمالُكِ ظبيٌ في مراتعِ شهوتي
ومالي سوى قلبٍ لأطلسَ عسَّالِ
ومالي سوى عينيَّ أنشُبها لظىً
بحقلِ فراشاتٍ يعاكسُني عالِ
كأنَّ سيوفاً من لهيبٍ تسوطني
بعشقٍ نبيِّ الحلمِ أنبلِ قتَّالِ
كأنَّ دمي في شمعِ جسمكِ فضلةٌ
لشمسِ احتراقاتي تضيءُ دجىً خالِ
وتركضُ في قلبي الينابعُ خلسةً
من العمرِ والدنيا كرنَّةِ خَلخالِ
****

أكاشفُ نفسي في الحياةِ وفي الهوى
فيلذعُني سرٌّ .. وتزهرُ أقوالي
ألَمْ يكُ بؤسُ الحبِّ أمسِ لذاذةً
وينعمُ في دنيا شقاوتهِ حالي
ألا فأعيدي للطفولةِ ساعةً
أطوِّفُ فيها.. كلَّ مبكيةٍ سالِ .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…