المحجور عليه

  عبداللطيف الحسيني 

سألت عنة لكثرة سفره إليها حتّى أنني سألتُ عن غيابه الطويل عن عامودا . فقيل لي : لم يعد يطيقها . فهي تضيق به . وان أهاليها يجعلونه أضحوكة لهم: سخرية وتهكماً وكان الأولى بهم أن يدارونه في كلِّ شيءٍ يفعله . وأن يرحبوا به ، وبأي شيء يتفوه به ، حتّى ولو كان شتائم أو ضرباً . وللتذكير فقط أن قاموس هذا المعتوه المسالم لا يحتمل أية بذاءة كالتي يتعامل معها غيره . أقصد هنا الأسوياء الذين يدّعون ” الحكمة والطهرانية والنظافة ” .

أجمل ما رأيته في هذا الرجل وقوفه الساحر أمام باب مكتب للبولمان في عامودا ، وقد تجمهر حوله شبان كثيرون . وهم يضحكون على  نكتة يقولها هذا الرجل لهم . وكم كنت أحاسب روحي آنذاك بأشد العقوبة  .وكانت هذه المحاسبة الداخلية : سؤالاً أطرحه   : لماذا لا  يتكرم واحد من المتجمهرين حوله ليقول له طرفةً تدخل السرور إلى نفسه .
المهم في سيرة الرجل : أنّه يرتدي بذةً كاكية تتصدرها نياشين وأوسمة ورتب رفيعة المستوى . حتى أن الذي لا يعرف الرجل ، وعن كثب . سوف يخاف منه بمجرد أن يرى تلك النياشين والرتب والأوسمة التي تدخل إلى النفس قشعريرة مرعبة . وكأنّ عادة الرعب هذه تتناسب طرداً مع هذه النياشين والأوسمة . فكلما رأيت هذا الرجل ونياشينه ، وقّر في نفسي بأنه يخاف من الجميع ، فأفضل طريقة له كي يبعد الخوف عن نفسه هو وضع تلك العلامات التي لها دلالات ومعاني شتى : سياسية و اجتماعية ، وسوف لن أستطيع أن أعطي لتلك العلامات أية دلالات أو معانٍ ، لأنّ رعباً داخلياً يتملكني وقد تملكني هذا الرعب منذ عشرين سنة . (ان تحدتث تخاف . ان سكت تخاف . وان تفعل ما بينهما تخاف )
الأهم في سيرة الرجل : أنّ بولماناً دهس إحدى رجليه بجانب الموقف الذي اعتاد الوقوف إزاءه . وكانت نتيجة هذه الحادثة قطع رجله اليسرى . فلزم الرجل بيته ، وهدأت روحه التي ما كانت تعرف الهدوء والاستقرار يوماً . وفي أية أرض تريدها .
موقف البولمان ذاك لم يعد يحتمل النظر إليه بعد غياب الرجل عنه .

 alanabda9@gmail.com

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…