في العراق مهنة المتاعب ما زالت هي الاخطر

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

بقي العراق الدولة الاخطر في مجال العمل الصحفي والاعلامي هذا ما يؤكده مرصد الحريات الصحفية, ومنظمة (فريدوم هاوس Freedom house) الامريكية وما تؤكده كل التقارير الخبرية المنشورة في العالم, اذاً فأن مهنة المتاعب تحولت في العراق الى مهنة مؤدية بالضرورة الى القتل او الخطف او في احسن الاحوال ترك عشق الكلمة والحقيقة والانزواء بعيداً عن معترك الحياة العامة.
ان الارهاب رغم كل قبحه وقساوته وكرهه للحقيقة وللاقلام النيـَّرة, الا انه وحده ليس السبب في هذه الكارثة الاعلامية التي لا مثيل لها في العالم. فبعض الاحزاب السياسية ومليشياتها لا يقل حقدها للكلمة الطيبة الصادقة البناءة عن حقد الارهابيين , وبعض المحرَّضين من خطباء وائمة الجوامع لا يكفون عن صب الزيت على النار بغية رفع وتيرة اضرامها والتهابها. فأذا نهض اي قلم ناقد لبعض الظواهر المتخلفة وما اكثرها تجد بعض الذين يصادرون الدين كله والحقيقة كلها ينهض متوعداً مهدداً موضحاً ان حدوده وفكره وشروطه في العمل ومعاييره في الحياة هي فقط التي تمثل الشريعة السماوية. وهكذا يخذل الفكر الخلاق والكلمة المؤثرة لصالح خطاب هزيل متعفن لا يمت للحياة بصلة. وبعض الاحزاب السياسية هي الاخرى لا زالت تنتمي الى جيل فكرة الايدلوجيا النقية التي لا شوائب فيها فأذا انتقدها قلم بارع ذو بصر وبصيرة نجدها ترفع عقيرتها وتتهم النقد بأنه هدام وغير بناء والفرق بين ماهو هدام وبناء ليس المعيار الموضوعي بل المعيار الذي تضعه تلك الايدلوجيا.
ان حرية الصحافة في العراق بحاجة الى اليات سياسية واجتماعية وقانونية لتحصينها ولجعلها سمة للعراق الجديد , اما تكرار ان الحرية متاحة للصحفي والاعلامي فأنه لا يجدي نفعاً اذا كان صاحب المقال والكلمة الصادقة النيـَّرة يتوقع قتله كل يوم بل كل ساعة , واغتيال نقيب الصحفيين العراقيين كان انذاراً للجميع ان لا احد بمأمن من القتل اذا تكلم او افترش صحيفته للحقيقة الموضوعية.
اننا جميعاً مطالبون في العراق لتفهم عمل ومهنة الصحفي ولكي لا نمنح الارهاب الاعمى اية فرصة لاداء جرائمه القذرة بحق اصحاب الكلمة وابطالها , فأن الحكمة والسلوك الحضاري يقتضي منا كأحزاب وكأفراد وكمرافق دولة ان نستوعب الى اقصى حد ما تقوله الصحافة وان نبتعد عن اتهام اية كلمة تقال بحقنا بأنها نقد هدام وان نتفهم ان الفارق بين النقد البناء وبين ماهو قدح وتشهير لا تقرره الا محكمة مدنية مختصة.

انها دعوة للاحزاب والهيئات والمرافق الادارية والمرجعيات الدينية ان تفهم وتتفهم مهنة الصحافة وان تحصنها بالحرية المطلقة وبذلك نرهب الارهاب ونضربه في مقتل.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…