قوس قزح.. بالأسود و الأبيض..!

خدر خلات بحزاني

عالم الألوان الجميل والزاهي في البراري والحقول يختلف عنه في مضمار آخر.. وإذا كان اللون الأبيض لون الفرح لدى شعب ما فانه لون الحزن لدى بعض الهنود، والأزرق الذي يرمز للقوة والنفوذ لدى البعض تجده لوناً بغيضاً لدى الآخرين، أما الأسود الذي يمثل الثقة بالنفس فهو يرمز للحزن والتشاؤم لدى آخرين..

وهناك مفاهيم واستخدامات مفرطة للألوان لدى بعض الأحزاب التي ولدت وتكاثرت عقب سقوط صنم ساحة الفردوس، اكتشفناها (صدفة) أثناء تجوالنا لإعداد تقرير إخباري عن حجم البطالة في أيامنا هذه.
وقبل أن ندخل إلى مقر (الحزب الوردي الوطني التقدمي) طالعتنا جدران المقر الخارجية المطلية باللون الوردي، وعندما دخلنا، لمقابلة السيد مسئول المقر لاحظنا إن الجدران الداخلية مصبوغة بالوردي الخفيف والوردي الغامق، كما إن المزهريات الوردية اللون المركونة في الزوايا كانت تحمل وروداًُ وردية اللون بطبيعة الحال..
استقبلنا السيد المسئول في غرفته ذات الستائر والقنفات والسجاد الوردية اللون، وبعد أن قدم سيادته لكل منا وردة وردية اللون، تحدّث إلينا بشفافية وردية مؤكداً على إن الأحلام الوردية من الممكن تحقيقها في حال اصطفاف الجماهير خلف الحزب ـ الوردة ـ بكل معنى الكلمة، وأضاف سيادته وهو يتفحص الوردة الوردية اللون المعلقة فوق جيب سترته الوردية: نحن نؤمن إيماناً مطلقاً وعميقاً وراسخاًَ بان لغة الورد ستسود في النهاية.. وفي نهاية زيارتنا قدموا إلينا قرص (CD) فيه جميع أغاني وردة الجزائرية، إضافة لقرص آخر فيه مسرحية (على خشب الورد)، وودعونا بالورود..

في المقر الثاني العائد (لحزب العسل الاشتراكي الحر) كان اللون العسلي يفرض نفسه على المكان، الكراسي، الطبلات، مناضد المكاتب، الأبواب والشبابيك، طفايات السجائر، وحتى (صوندة) الحديقة كانت عسلية اللون، بل إن كرسي المرافق الصحية كان مصبوغاً باللون العسلي..
غرفة السيد مسئول المقر كانت مبنية بشكل سداسي، وعندما لاحظ سيادته تمعننا في ديكور غرفته بادرنا بالقول وبما يعكس لنا سرعة بديهيته وفطنته وذكاؤه الوقاد: نحن نستلهم كل أفكارنا من نحل العسل (حفظهم الله من شرّ الزنابير) الذين يبنون خلاياهم بشكل سداسي، وهذا ينبع من ثقتنا المطلقة بأننا لو ثابرنا في العمل الدءوب والمضني مثلما يعمل نحل العسل (حفظهم الله من شرّ الزنابير) بدون أية أطماع أو بحث عن مكتسبات شخصية، فان الوطن سيصبح أحلى من العسل..
ثم قدّموا إلينا الكعك المحلّى بالعسل مع شربت العسل المخفف، إضافة إلى علبة زنة (واحد) كلغم من العسل الأصلي والخالي من (الشيرة) على حد زعمهم، وأثناء خروجنا من غرفة السيد المسئول طالعتنا صور (نحّول) التي كانت تزيّن أروقة المقر، تارة وهو ينطّ بين الزهور وتارة أخرى وهو يقاتل الزنابير، كما إننا لم نستغرب استماعنا إلى أغنية (زي العسل على قلبي هواك) التي كانت تبثها إذاعة المقر الداخلية..

في المحطة الأخيرة من جولتنا، وصلنا إلى مقر حزب (سماء واحدة تجمعنا) والذي ارتبكت خطواتنا ونحن نلج لداخله، حيث اعتقدنا بأننا دخلنا إلى مركز للشرطة وذلك لان غالبية الإخوة المتواجدين هناك كانوا يرتدون قمصان سماوية اللون شبيهة بتلك التي يرتديها أبناؤنا من عناصر الشرطة، وقد اكتشفنا إن مرد ذلك التشابه سببه إن هؤلاء الإخوة يحبون حزبهم بشكل لا مثيل له، حسبما قال لنا ذلك السيد مسئول المقر.. ثم أضاف وهو يتنهد: يا إخوان نحن لدينا مشكلة كبيرة، وسألناه عن تلك المشكلة فقال: و لأن رفاقنا يرتدون القمصان السماوية، فإن الإرهابيين يستهدفونهم، وقد قدّمنا قافلة كبيرة من الشهداء جراء حبنا وتمسكنا باللون السماوي الذي هو لون حزبنا المكافح.. وكي نغيّر من سوادوية الموضوع، سألناه عن شعار حزبهم، فقال: شايفين البحر شو كبير؟ قد البحر نحبكم، وشايفين السما شو بعيدة؟ قد السما نحبكم.. هذا هو شعار حزبنا الذي يسعى ويعمل ويأمل أن يعتنق أفكاره وطروحاته كل محب للسلام..
ثم نظرنا فوقنا فرأينا إن الغرفة بدون سقف.. فقال لنا دون أن نسأله: أعزائي لا تستغربوا عدم وجود السقف، لأنني اعشق رؤية السماء أينما أكون..
وفي نهاية زيارتنا لهم أعطونا كميات كبيرة من حلوى (من السما) مع مجموعة قصص (تحت سماء الجليد).. كما منحوا كل منا قميص سماوي اللون، لكنني قررت عدم ارتدائه حاليا على اقل تقدير..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…