الحكم القيمي لجائزة جكرخوين الشعرية

  صبري رسـول

تلقيتُ اتصالاً من الزَّميل الشَّاعر إبراهيم اليوسف ، يدعوني فيه إلى حضور حفلةٍ أعدّتها أسرةُ جائزة الشّاعر الكردي المعروف جكرخوين ، في مدينة قامشلي ، لتكريم بعض الشّعراء الكرد لمّا لهم من اسهامات إبداعية في الشّعر الكردي المعاصر، ثمّ أمطرَني الزَّميل الحبيب بوابل عتابِه الجميل لغيابي عنه ، وعن الحفلات والمناسبات المشابهة، فتقبلْتُ العتاب، و قبلتُ الدعوة بتوجيه الشّكر له ولأسرة الجائزة.
في الساعة التَّاسعة كنّا (أنا وأحد زملائي من الكتّاب) قد أخذنا موقعنا في الحفل في جهةٍ قصيّة خارج الهامش الضَّوئي، حيث للأضواء انبهاره الذي لا يُقاوَم في نشر الصّور ذات النّشوة الإعلامية، ثمّ بدأ الحفل بمعزوفة موسيقية جميلة للفنان سعيد فرسو، كنتُ أتمنى لو تطول المعزوفة هكذا ؛ ثمَّ اعتلى المنصة الشَّاعر الزَّميل غمكين رمو ، مرحّبا بالحضور بصوته الشَّاعري المثير، الذي يصلح أنْ يكون مقدّماً لنشرات الأخبار أيام المحن السياسية.
 ولن أدخل في تفاصيل ريبورتاج البانورامي الذي هو من اختصاص الصّحفيين الكثر في تدوين التَّفاصيل متسلسلةً ، مع كاميراتهم ذات البريق الأخّاذ ، ثمَّ عشنا دقائق دافئة مع آرشك بارافي والملا علي داري وبافي خالد ، وإبراهيم محمود ، وجيهان عبدالرحمن وعدنان سليمان ومحمد علي حسو ، إضافة إلى عصام حوج وكلمته باللغة العربية ذات الأخطاء القرائية.
ما يهمُّني من هذا الحديث بعض الأسئلة الخجولة أطرحها على المعنيين في أسرة الجائزة والقائمين على إقامة الحفل ، مع تقديري الكبير للحفل والحضور والمكرِّمين المكرَّمين :
– إلى أيّ مدى تتسامى قيمة الجائزة الشعرية ؟ رغم معرفتي بأنَّها رمزية ومعنوية وليست مالية.  
– مَنْ الشّخص المؤهل ، أو اللجنة المؤهّلة لإصدار الجائزة ومنحها لأشخاصٍ بعينهم؟
– من اختار هذه اللجنة، و ما المقاييس المعتمدة لاختيار أعضائها ؟
– ثمَّ على أيّ أسسٍ تتحرك هذه اللجنة لاختيار الشاعر الذي يستحق الجائزة ؟
الجوائزُ الأدبية تُمنَحُ ، في التقاليد الأدبية ، من جهاتٍ لها رؤية مرسومة في الثقافة عامة ، كما لها مشاريع أدبية وفق تلك الرؤى ، وقد تكون تلك الجهات مؤسسات حكومية ، أو منتديات وملتقيات أدبية خاصّة ، وعلى الأغلب تقوم المؤسسة المعنية باختيار لجنةٍ لتحكيم مسابقةٍ مُعلنةٍ على الملأ ، فتقوم اللجنة بدراسة الإبداعات المشترَكة وفقَ الأصول والشروط المنشورة ، وتُعطَى لكلِّ مشْتَرَكٍ في المسابقة درجاتٌ معينة دون معرفة الاسم ، وحسب المقاييس المرسومة من قبل المؤسسة واللجنة ، ومن ثمَّ تُعلَنُ النتائجُ من قبل المؤسسة بعد تلقي النتائج من اللجنة . هذا ما أعرفه من خلال تجربةٍ واحدة لي ، حيثُ كنتُ عضواً في لجنة التحكيم لمسابقة قصصية تابعة لوزارة التربية في المملكة العربية السعودية سنة 2004م.
والسؤال المطروح هنا ، هل حصل شيءٌ من هذا القبيل في الجائزة التي نحن بصددها ؟ صحيحٌ أنّه هناك صعوبات ومعيقات كثيرة ، فنية وسياسية واقتصادية وغير ذلك. لكن لا يعني أنْ يكون الأمر بهذه البساطة التي عشتُها في الحفل.
كما أنّي لا أعرف مَنْ اختارَ مَنْ في هذه المسابقة ، الجائزة إن صحّ التعبير، وهل تُقامُ الحفلاتُ وتُمنَح الجوائزُ بهذه السلاسة ، مع كامل احترامي للقائمين والمشتغلين في هذا الشأن.
مَنْ اختار الشاعرَينِ ملا نوري هساري و محمد علي حسو ؟ وما القامة الشعرية التي يقفون عليها ليكونوا مؤهَّلين لإصدار ومنح الجائزة للآخرين ؟
هل يمتلك أحد المشتركين أو المعنيين أو القائمين في أسرة الجائزة دراسةً نقدية ذات الطابع التحليلي ؟ هل أصدر أحدهم نقداً أكاديمياً لشعر جكرخوين ؟ بل السؤال الأهمّ هل ثمّة مؤسسة شعبية تقف خلف الجائزة ؟ أم هي مبادرات فردية تقديراً لذكرى المرحوم الكبير ؟

أسئلة مشوَّشة ، وقلقة ، ومنفلتة من عقالِ الّلسان ، أسئلة خجلة وحرجة ، لا أمتلك الإجابة . هل لدى غيري إجابة تشفي ظمأ المتلقي ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…