لست أدري- حتى الآن- ما السبب الذي لفت نظري إبداعيا تجاه الشاعرة الكردية فدوى كيلاني ، أنا أقول إنها الحاسة السادسة التي وفقني الله إياها في صوابية الادراك ودقة التوجه وصدقية التبصر
من بين العشرات من الشاعرات الكرديات اللواتي بدأن مع بزوغ فجر الشبكة العنكبوتية “الانترنت” تنبثق زنبقة الكرد الرائعة فدوى كيلاني لتثبت شخصيتها الشعرية وقدرتها الإبداعية ومعرفتها الثقافية، وهي تتواصل مع اتجاهات وفعاليات ثقافية وأدبية وفكرية متعددة ، إنها تعيش مغتربة في أرض الإمارات العربية المتحدة
تكتب الشعر والمقالة والتعليق أما بالنسبة للشعر فهي تبدع في الشعر
هنا محاولة هادئة للاقتراب من النص الشعري لفدوى كيلاني من خلال قصيدتين من قصائدها
في قصيدتها ” شهادة تعريف” هنالك صور شعرية جميلة جدا ففي مطلع القصيدة تقول :” أنا أخدود حفرة عميقة لا يملؤها الا ماؤك، احتاج شتاءك في هذا القيظ الطويل ليزهو جلدي بالقصيدة”
إنَ الصورة الشعرية لديها صورة مبتكرة ، والشعر عندما يكون قادرا على المفاجأة والإدهاش تتحقق نسبة الشعرية الكاملة فيه وبخاصة في الشعر الحديث ، انها تربط بين مفردة الشتاء والصيف والجلد والقصيدة، هذه المفردات التي لا يجمعها في الواقع الدلالي الا التناقض والتنافر لكنها بقدرتها وأدواتها الإبداعية استطاعت الجمع ، والربط الحميمي بين المفردات السابق ذكرها ، وهذا يسجل لها في خلق تكنيك شعري متفوق يستطيع أن يدهش القارئ ويباغته جماليا ، وهاهي تستخدم كلمات جميلة ورائعة مثل “انتظار قامتك المطرية” فدوى بارعة في خلق الصور الشعرية الموحية والدالة على عمق المعاني بشكل مذهل وإعجازي، فالقامة المطرية صورة تعطي طاقة روحية مرتبطة بمحسوسات مادية تتآلف لتشكل لوحة الإبداع الشعري بكل انسيابية وبساطة وشفافية
تقول الشاعرة “اقترب…. عربتي النعناع …… انى ….. نظرت ….. والحوذي بانتظارك …. انتظر !” إنها ليست صورة شعرية وحسب وإنما لقطة سينمائية مليئة بالدلالات والإيحاءات الشفافة القادرة على جذب القارئ والاستسلام لطاقة القصيدة الروحية الهائلة ، التي من شأنها أن يشعر القارئ بالمتعة الشعرية واللذة الروحية
وفي قصيدتها “ما لم يبح به دجلة” تحاول استنطاق النهر الذي يتميز بالفاعلية والحيوية في منطقة كانت حبلى بالحوادث والحروب والويلات والبطولات
” مدينة تغفو
على وجع الانكسار
سماء لا تمطر من دن الانتظار
سماء من حنو تحت قدم الجبل وعناق النهر الحكيم “
نعم إنها مدينة تنام على الانكسارات التي حدثت مرارا وتكرارا لشعب أبى الا أن يقاوم (حتى جاءت لحظة الانتصار) إن الجبال الحنونة تأخذ حنينها من سماء محتضنة تحت أقدامها مع عناق النهر الحكيم – دجلة- إنها صورة شعرية رائعة فالجبل شيئ أرضي له قدرات محدودة روحيا ، من أين يأتي بالحنين؟ ، انه يأتي بالسماء المخبئة تحت قدم الجبل العظيم الذي قال الكثير ون عنه بصيغة الجمع ” لا أصدقاء للكرد سوى الجبال”
تتابع فدوى تألقها الشعري فتقول :
“صمت
صمت
صمت
وأنا امرأة ترقب عبر الحدود
تعتكف الحلم
أنى نسج الصمت لي كفنا
لأحيي البرد
في أوصال جمري “
إنَ المكابدة القومية والمعاناة الكردية الطويلة للشعب الكردي المنعكسة في ذات الشاعرة كيلاني ، إنَ هذه المكابدة تتجسد شعريا بامرأة تتأمل، تترقب ،تحلم عبر الحدود وتنتظر الصمت إزاء ما حدث ويحدث لكي يصنع كفنا لقتل الجمرات الحارقة بإحياء صقيع البرد حتى تبرد وتخفت نيران الجمر المعاناتي الكبير
لنقرأ المقطع التالي
“ويسيل لعاب المباغتة
على حرمة جدائلي
حيث جوارحي مثخنة برائحة النتن الجديد
جسدي مخالبه خريطة الزوال
حين استعيد رائحتي الأولى
أنهض أغاني من سلال الغبار”
إنها قمة الخصوبة والحيوية والدفق الشعري الحميم ، من صحراء الغبار من صحراء القحط والقمع ومحاولات كسر الإرادة ، تعمل الشاعرة على خلق إرادة جديدة هي إرادة الصمود والحياة وذلك عندما تتحول على يد شعريتها الرائعة سلال الغبار إلى أغاني الحلم والأمل والتفاؤل
كان هذا بعض الانطباعات النقدية لقصيدتين من قصائد الشاعرة الكردية فدوى كيلاني استطاعت الشاعرة – من خلالهما- أن تعبر عما تكابده من معاناة فردية وجماعية وهي متواجدة في وسط مجموعة صغيرة من الشاعرات الكرديات ومن القليلات اللواتي تكتبن باللغة العربية ، والمرأة الكردية- شاعرة أو غير ذلك- تحتاج للرعاية والاهتمام لتثقيف نفسها وتطوير شخصيتها ، بعيدا عن السلبية الاجتماعية والركون لهالات نفسية ونزعات ذكورية لا تريد الا التمتع الأنوي الضيق وتهمل الحاجات الإبداعية للمرأة – ومن ضمنها الشعر-
——-
هامش(1) : أنظر كتاب المائدة الأدبية- حواس محمود- دمشق 2005 ط1 ص 85
العنوان : سوريا القامشلي – ص ب 859 – حواس محمود