الصحافة العراقية .. مهنة على خطوط النار

  فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

في عيد الصحافة العراقية لم احمل الى مقر الاحتفال وردا فقد خجلت ان احمل وردة الى بستان الزنابق ومشتل الياسمين واعني بهم جمهور الصحفيين الذين ينزفون كل يوم هذا الوطن الجريح. يوم 15/6 كنت على موعد لالقي كلمة في تجمع مهنته التشوق الى المتاعب وتجاوز ذلك بالوقوف على خطوط النار في عراق اصبح القول الجرئ والمتحدي والنابض بالحياة مهددا بالقتل والتصفية.
ليس هذا غريبا على من يكتبون لا لكي يصفق الاخرون او ينهضون اكراما لبلاغة الكلام , بل لكي يردموا قيح الجراح ويتضامنوا مع الاحزان والالام ويؤلفوا جسرا ليتواصل من خلاله العراقيون بمختلف الوانهم واثوابهم ولغاتهم وتطلعاتهم وثقافاتهم.
هذا النهج الذي تجسد بكل شفافية في مسيرة نقيب الصحفيين الراحل (ابو ربيع) كان لابد ان يتلقى حقد الارهاب وشره , ولكن (ابو ربيع) بربيع كلماته كان حاظرا بين المحتفلين بعيد الصحافة وهو يقول لحاملي القلم ان قدر الاقلام الحرة ان تواجه ولا تنكفئ على ذاتها وان تتكلم حين يسكت الجميع وان تقف بوجه الاعصار حتى حين تسقط اكثر الاشجار تجذرا في الارض وان تقف لصالح المواطن في وجه السلطه ولصالح خير وحرية وامن البسطاء ضد اية فئة تترفع على الجمهور.
قلت في كلمتي اننا معكم ومنكم واليكم ولا يمكنني تصور وجود لوزارة الثقافة دون التماهي في الكتاب والفنانين والصحفيين وكل المبدعين على ارض العراق. فهؤلاء هم وزارة الثقافة التي تتسرب كل يوم عبر الصحف والفضائيات واللوحات التشكيلية والاغاني والموسيقى والمسرحيات الى عقول وقلوب المواطنين لاضفاء لمسة جمال وحنان وحب على تضاريس ارض يكاد يخطفه الارهاب من ايدينا , وسلاحنا الامضى لمنع ذلك هو التشبث بثقافة التعايش والحوار والتألف والمشاركة في بناء الوطن بأكثر الطرق حضارية ونعني بوابة الادب والثقافة والفن والكلمة الحرة.
للصحافة في قلبي موقع خاص فقد مارستها وانا لم اتجاوز بعد العشرين من عمري عبر صحيفة التأخي اوائل سبعينات القرن الماضي ومازلت اتذكر شهيد الصحافة الكردية والعراقية (دارا توفيق) الذي جعل الصحيفة مشروعا عراقيا وناطقا بأسم الكل ومعبرا عن هموم الجبل والسهل والهور. ولذلك فاية وظيفة اخرى مهما علت لا تبلغ قامتها عندي  قامة مهنة الكتابة والتعبير عن الفكر وعن احزان الاخرين وهذه قمة الحرية وذروة اللذة والشعور بالوجود في هذه الحياة.
يقينا ان الصحافة العراقية تنزف وتدفع ضريبة الحرية كل يوم ولكن شهداؤها اذ يسقطون فأنهم بذلك يجعلون الحقيقة اكثر تجذرا وتحصينا في حياتنا ويثبتون للمرة الالف عبر التاريخ مقولة الجواهري الخالدة :

لثورة الفكر تاريخ يحدثنا
بأن الف مسيح دونه صلبا

ان الصحافة التي لا تعاند ولا تقتحم ولا تحفر اخدودا في الارض, ليست سوى كلام يمضي مع فيضان الحياة ويدخل, ارشيف النسيان لذلك فأن نقيض الصحافة الصفراء الباهتة هي الاقلام التي تجعل الدم والدموع والالام والجراح شهادة حب على جبينها فلا تخاف ولا تنطوي , بل تمضي وحصيلتها في الحياة انها تتحمل الى الابد وجع الاخرين, وهذه قمة الفرح للكلمة التي تريد ان تسجل في التاريخ نقشا على حجر لا وشما على الماء.

في عيد الصحافة العراقية احمل قلبي على يدي واضعه بحنان على قبور كل شهداء الكلمة الذين رحلوا لكي يحضر الامن والسلام والحب والخير الى حياتنا, وفي مقدمتهم نقيب الحفيين الراحل شهاب التميمي واطوار بهجت التي انبعت بيننا بستان ورد ونحن نحتفل يوم 15/6 في نقابة الصحفيين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبري رسول

ولدت الفنانة الكردية السوفييتية سابقاً، في 1945 في قرية ألكز Elegez في أرمينيا. تنحدر من عائلة فنية وطنية غنت أغنيات فلوكلورية مع مجموعة واسعة من الفنانين كمريم خان، سوسيه سموم وآرام ديكران، ١٩٩٧/٢/٢٥ ظهرت بشكل مباشر للمرة الأولى في قناة مد تيفي في 25 شباط 1997 وهي مثقفة ومناضلة، كان اختصاصها في الدراسة…

في حضرةِ الشعر، حيث يتناسلُ المعنى من رمادِ الكلمات، وحيث يشعلُ الحرفُ فتيلَ الوجود، يولد هذا الديوان: جحيم الأمل.

ليس عنواناً عابراً ولا استعارةً تلقى على عتبة الصدفة، بل هو صرخةٌ تتناوبُ فيها النارُ والندى، وتتعانقُ فيها خيبةُ التاريخ مع شغفِ الإنسان الذي لا يعرفُ الاستسلام.

“جحيم الأمل” انعكاسٌ للروح حين تلقى في أتونِ الأسئلة الكبرى، في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

يَقُولُونَ

: لِمَاذَا تَكْتُبُ قَصَائِدَ حَزِينَةً

دَمْعُ هُمُومٍ مَآسِي رَهِينَةٍ

قُلْتُ : مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ

مَنْ جَمَعَ الْبَشَرَ عَلَى السَّفِينَةِ

قَالُوا : حِكَايَاتٌ رِوَايَاتٌ

قُلْتُ : تَوَارَثْنَا الْعُرَى

نَمْشِي عَلَى أَرْضٍ جَرْدَاءَ قَرِينَةٍ

هَذَا الْوَطَنُ

كُورٌ فِيهِ كُلُّ الْأَجْنَاسِ رَغْمَ أَنِينِهِ

عَرَبٌ أَكْرَادٌ مَسِيحٌ تُرْكْمَانٌ صَابِئَةٌ

بِأَلْوَانِ بَنَاتِهِ وَبَنِينِهِ

مِنْ حَضَارَاتٍ ذَهَبٍ وَصُولْجَانٍ

وَفُرْسَانٍ وَقَادَةٍ

تُخْرِجُ الْأَسَدَ مِنْ عَرِينِهِ

………….

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَآذِنِ

دُقَّتْ أَجْرَاسُ الْكَنَائِسِ

وَتَجَلَّتْ أَلْوَاحُ السَّمَاوَاتِ

طَافَتْ وَهَبَّتِ الْفَيْضَانَاتُ

عَلَى الْخَنَاجِرِ…

سيماف خالد محمد

في المطبخ كعادتي كل يوم استيقظتُ على فنجان قهوة أُحاول به أن أفتح عينيّ وأمنح نفسي شيئاً من التركيز قبل أن أبدأ بتحضير الغداء.

بينما كنتُ منشغلة بالطبخ أفتح هذا الدرج وذاك، دخلت أختي مايا تحمل لابتوبها جلست أمامي، فتحت الجهاز لتعمل عليه وكأنها أرادت أن تؤنس وحدتي قليلاً وتملأ صمت المطبخ بأحاديث خفيفة.

لم…