فرمان صالح بونجق
إذا كنتُ أنا نفسي قد شارفتُ على الخامسةِ والخمسين ، أي أنني أبصرتُ النور في منتصفِ القرن العشرين ، فلا شك أنَّ جدتي كانتْ قد وُلِدتْ في نهايةِ القرن ِالتاسع عشر، حيث أمضتْ جزءاً من حياتها، ومن ثم انتقلت إلى القرن العجيب لتكملَ ما تبقى منه، وفي بداية ذلكَ القرن ِبدأتْ أحلامُها تتشكل حيث كانت في مقتبل العمر، وكانت أحلامُها متواضعةً كأحلام أية ِفتاةٍ من ذلك العصر، وغالباً ما كانت غارقةً في حلم ٍوحيد.
إذا كنتُ أنا نفسي قد شارفتُ على الخامسةِ والخمسين ، أي أنني أبصرتُ النور في منتصفِ القرن العشرين ، فلا شك أنَّ جدتي كانتْ قد وُلِدتْ في نهايةِ القرن ِالتاسع عشر، حيث أمضتْ جزءاً من حياتها، ومن ثم انتقلت إلى القرن العجيب لتكملَ ما تبقى منه، وفي بداية ذلكَ القرن ِبدأتْ أحلامُها تتشكل حيث كانت في مقتبل العمر، وكانت أحلامُها متواضعةً كأحلام أية ِفتاةٍ من ذلك العصر، وغالباً ما كانت غارقةً في حلم ٍوحيد.
شابٌ وسيمٌ في مقتبل العمر، قوي البنية ِ، من عائلة ٍميسورة ٍشريطةَ أن يكون مِقْداما ً، يأتي على حصانٍ أو حتى راجلاً لا فرق في ذلك، يأخذها على سنَّة ِالله ِورسولهِ ويمضي، وقد أتاها جدي وأخذها على سنَّة ِالله ِ ورسولهِ ومضى. وتحقق لها حلمُها الجميل، وهنأتْ في تربية ِأبنائها إلى أنْ توفاها اللهُ في النصف ِالثاني من قرن المصائب، وتحديداً في عام البعث …
كان هذا توصيفاً لمرحلةٍ زمنيةٍ لم تكن وسائل الرفاهية قد دخلت حياة أسلافنا، ولم يكن الإنسان قد استخرج النفط والغاز من باطن الأرض، ولم تكن المشاريع الزراعية والصناعية بهذا القدر من التطور والإنتاجية، ولم يكن العلم قد غزا العقول والقلوب لدرجةٍ كافيةٍ بعد، ولم تكن السيولة النقدية متوفرةً كالتي نشاهدها اليوم وهي مخزنة في البنوك والمصارف المحلية والأجنبية ، وتحت الوسائد وفي أدراج المكاتب والخِزَن ِوما شابهها، وكان كل شيء متوفراً ومتاحاً وفي متناول اليد وبأقلِ جهد ٍممكن، وكان من السهولة بمكان أن يحقق معظم الشباب أحلامهم المشروعة بيسرٍ، مثلما حققت جدتي حُلمَها الجميل.
والسؤال الذي لا يغيب عن ذهني ويشتتني كلما حاولت الإجابة عليه، وهو سؤالٌ بسيطٌ من كلمتين لا أكثر، ألا وهو : ما الذي حدث ؟؟.
وأحياناً يتردد في ذهني المثل الشعبي المصري القائل : (إللي يقدم السبتْ يلاقي الحد)، وكثيراً ماأجد إجاباتي الضالَّة في هذا المثل البسيط، أكثر مما أجده في كتاب رأس المال أو كتاب الأمير أو خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء أوحتى طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي، وأتوقفُ أحياناً عند تجربة اليابان التي خرجتْ من الحرب العالمية الثانية عام خمسةٍ وأربعين ممزقة ومكسورة ومهزومة ومنهكة ومضروبة بقنبلتين نوويتين وملعون أبو أبوها، ومع ذلك غزت بمنتجاتها الخفيفة والثقيلة معظم أسواق العالم فقط في مطلع السبعينيات من نفس القرن المأساوي . ناهيك عن الصين التي استفاقت من نومها يوم أمسٍ ، فتجدها اليوم وقد اغتبط شعبها الذي ينوف على المليار وربع المليار بني آدم.
إذاً السؤال الذي لا ينبغي لأحدٍ أن ينساه هو: ما الذي حدثَ ؟؟. والإجابة التي لا ينبغي لأحدٍ أن ينساها أيضاً هي: إللي يقدم السبتْ يلقى الحد. وهذا هو بيتُ قَصيدِنا.
يدخل الطفلُ إلى المدرسة وهو يحلمُ بقلم رصاص يمررهُ على صفحةٍ من صفحاتِ كراسته، ويكبرُ حلمه كلما تراكمتْ سنواتُ عمره، ثم ينهي دراسته الثانوية وقد غلبَ عليه وعلى أسرته الإنهاك تحت ضغط متطلبات اثني عشرعاما من الدراسة، بما فيها المأكل والملبس والمشرب والمركوب إذا كانت المدرسة بعيدةً، فيعتقد الأهل بأنهم أدُّوا ما عليهم وكفى اللهُ الأسرةَ شرَّ الدراسةِ، ولكن أحلام الفتى الوردية تضغط باتجاهٍ آخر،
وينتسب إلى إحدى الكليات الأقل ضرراً، ويمضي السنوات الأربع على أقل تقدير بين (حا و حي)،
وخاصةً إذا كان من أبناء القامشلي وما يحيط بها ، حيث سيترتب عليه نفقات استئجار غرفة في مدينة حلب أو دمشق أو حمص أو اللآذقية ربما، بالإضافة إلى نفقات المأكل والمشرب والوقت الضائع في الطبخ والنفخ وغسيل الجوارب. حسناً .. لقد نسينا نفقات ركوب القطار أو الحافلة من وإلى…..
كان هذا توصيفاً لمرحلةٍ زمنيةٍ لم تكن وسائل الرفاهية قد دخلت حياة أسلافنا، ولم يكن الإنسان قد استخرج النفط والغاز من باطن الأرض، ولم تكن المشاريع الزراعية والصناعية بهذا القدر من التطور والإنتاجية، ولم يكن العلم قد غزا العقول والقلوب لدرجةٍ كافيةٍ بعد، ولم تكن السيولة النقدية متوفرةً كالتي نشاهدها اليوم وهي مخزنة في البنوك والمصارف المحلية والأجنبية ، وتحت الوسائد وفي أدراج المكاتب والخِزَن ِوما شابهها، وكان كل شيء متوفراً ومتاحاً وفي متناول اليد وبأقلِ جهد ٍممكن، وكان من السهولة بمكان أن يحقق معظم الشباب أحلامهم المشروعة بيسرٍ، مثلما حققت جدتي حُلمَها الجميل.
والسؤال الذي لا يغيب عن ذهني ويشتتني كلما حاولت الإجابة عليه، وهو سؤالٌ بسيطٌ من كلمتين لا أكثر، ألا وهو : ما الذي حدث ؟؟.
وأحياناً يتردد في ذهني المثل الشعبي المصري القائل : (إللي يقدم السبتْ يلاقي الحد)، وكثيراً ماأجد إجاباتي الضالَّة في هذا المثل البسيط، أكثر مما أجده في كتاب رأس المال أو كتاب الأمير أو خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء أوحتى طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي، وأتوقفُ أحياناً عند تجربة اليابان التي خرجتْ من الحرب العالمية الثانية عام خمسةٍ وأربعين ممزقة ومكسورة ومهزومة ومنهكة ومضروبة بقنبلتين نوويتين وملعون أبو أبوها، ومع ذلك غزت بمنتجاتها الخفيفة والثقيلة معظم أسواق العالم فقط في مطلع السبعينيات من نفس القرن المأساوي . ناهيك عن الصين التي استفاقت من نومها يوم أمسٍ ، فتجدها اليوم وقد اغتبط شعبها الذي ينوف على المليار وربع المليار بني آدم.
إذاً السؤال الذي لا ينبغي لأحدٍ أن ينساه هو: ما الذي حدثَ ؟؟. والإجابة التي لا ينبغي لأحدٍ أن ينساها أيضاً هي: إللي يقدم السبتْ يلقى الحد. وهذا هو بيتُ قَصيدِنا.
يدخل الطفلُ إلى المدرسة وهو يحلمُ بقلم رصاص يمررهُ على صفحةٍ من صفحاتِ كراسته، ويكبرُ حلمه كلما تراكمتْ سنواتُ عمره، ثم ينهي دراسته الثانوية وقد غلبَ عليه وعلى أسرته الإنهاك تحت ضغط متطلبات اثني عشرعاما من الدراسة، بما فيها المأكل والملبس والمشرب والمركوب إذا كانت المدرسة بعيدةً، فيعتقد الأهل بأنهم أدُّوا ما عليهم وكفى اللهُ الأسرةَ شرَّ الدراسةِ، ولكن أحلام الفتى الوردية تضغط باتجاهٍ آخر،
وينتسب إلى إحدى الكليات الأقل ضرراً، ويمضي السنوات الأربع على أقل تقدير بين (حا و حي)،
وخاصةً إذا كان من أبناء القامشلي وما يحيط بها ، حيث سيترتب عليه نفقات استئجار غرفة في مدينة حلب أو دمشق أو حمص أو اللآذقية ربما، بالإضافة إلى نفقات المأكل والمشرب والوقت الضائع في الطبخ والنفخ وغسيل الجوارب. حسناً .. لقد نسينا نفقات ركوب القطار أو الحافلة من وإلى…..
وبعد أربع سنواتٍ عجافٍ يحملُ الشابُ شهادته الجامعيةَ ويقفز قفزتين فإذا هو وسط أهله وذويه ، وذلك من شدَّةِ الزهوِّ والفرح. ولا تدوم هذه الحال أكثر من ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع تبدأُ رحلة تقلص الأحلام، وبعد شهر بالتمام والكمال يشتري خيمةً بالتقسيط ، ويستأجرُ قطعة أرض مساحتها لا تتجاوز مساحة قبرين متلاصقين ، ثم ينصب خيمته ويجلس تحتها وهو يحلم ، وغالباً ما تجده غارقاً في حلمٍ وحيد ، فارسة الأحلام ، فتاةٌ بهيَّةٌ في مقتبل العمر، من عائلةٍ ميسورةٍ شريطة أن تكون جريئة، تأتيه بالتاكسي أو حتى سيراً على الأقدام لا فرق في ذلك ، لتأخذه على سنَّةِ الله ِورسولهِ . (آآآآه ياريتْ).