عبدو خليل: غادرت حلب حين علا صوت الرصاص… ومعي روايتي

   مها حسن 
لا تزال فكرة محترفات الكتابة موضع جدال بين مؤيد لفكرة الانضباط والتنظيم والاستفادة من خبرات التمرين، وبين معارض مؤمن بأن الإبداع يصعب نقله وفق مدارس ومؤسسات وورشات… في ملتقى الرواية المنعقد في بيروت قبل فترة قصيرة خُصصت إحدى ندوات الملتقى حول تجربة المحترفات. وكروائية، انشغلت طويلاً بهاجس الكتابة الإبداعية وفكرة الورش الكتابية، خصوصاً حين أتعرض لأسئلة متكررة من الراغبين في الكتابة، حول كيفية الكتابة.
بعد قراءتي لرواية «فندق بارون» للكاتب السوري عبدو خليل، والتي فاجأتني بسويتها الفنية، على رغم كونها العمل الأول المطبوع للروائي خليل، والتي كتبها ونشرها ضمن تجربة محترف الكتابة، ازدادت رغبتي في التعرف إلى تلك التجربة المثيرة للتساؤلات والسجالات، فكتبت للروائي محاولة استنباط ما يشبه الشهادة حول تجربته الروائية الأولى، فكان هذا الحوار:
* هل يمكن أن تحدثني عن ما قبل «فندق بارون»؟ وكيف تم انضمامك إلى المحترف؟
– مشروع المحترف يعود إلى ما قبل عام 2010. كانت محض صدفة. وقتها كنت أقرأ رواية «يا سلام» للروائية اللبنانية نجوى بركات. وجدت إعلاناً في صحيفة للمشاركة بورشة المحترف بإشراف بركات نفسها. هذا التزامن دفعني سريعاً للمشاركة بالمحترف – المسابقة. لا أخفي كنت معجباً باللغة الروائية المنتقاة من قبل بركات بعناية بالغة لدرجة أنني حسدتها. تقدمت بمشروع فندق بارون الذي كان بين يدي وأعمل عليه بهدوء. وفاز بالمحترف من بين أعتقد 170 مشروعاً تقدم وقتها للمسابقة.
* هل الرواية المنجزة هي نتاجك وحدك، وإلى أي حد تدخل المحترف وغيّر في الرواية، أضاف لها، أخذ منها؟ وكيف تقيم تجربتك في المحترف؟
– أخمن أن البعض ربما ينظر للمحترفات في شكل عام بشيء من السلبية. على الأقل تلك رؤية بعض الكتاب ممن جاوز عتبة النشر والشهرة. بالتأكيد المحترف لا يصنع كاتباً. الكتابة الروائية بالنهاية فعل فردي ذاتي والرواية بالنهاية تحمل اسم كاتبها. لكن الموهبة تصقل بالنقاش والحوار والنقد وما تعلمته من المحترف الكثير. مثلاً كيف أستطيع ترك مسافة أمان كافية بيني وبين النص الذي أنجزه بعيد الانتهاء منه والنظر إليه بعين ثالثة محايدة. ليس من السهل أن تتعامل ككاتب بقسوة مع نصك الذي تكتبه. تحتاج إلى من يلكزك بخاصرتك أو يهمس في إذنك أن ما كتبته ليس مقدساً أو سبقك غيرك إلى هذا الاكتشاف. لا أخجل إن قلت تعلمت من نجوى بركات كيف أحيط نفسي بمرايا لأرى ما أكتبه من كل الزوايا ولولا تجربة المحترف ربما أخذ مني هذا الاكتشاف الكثير من الوقت.
لذا أعتبر تجربتي في المحترف غنية جداً وممتعة بآن واحد. وكان للمكان دور مهم. اختيار المنامة عاصمة البحرين كان موفقاً كعاصمة ثقافية أنيقة وهادئة. ساهم في إنجاح المحترف، بالإضافة إلى مستوى المشاركين وأغلبهم قادم من عالم الصحافة. وأعتقد كنت الوحيد ممن لا يمتلك كتاباً مطبوعاً قبيل التحاقه بالمحترف.
* أين كتبت هذه الرواية بالموازاة مع الأحداث السورية التي انتهت روايتك في بدايتها في حلب بخاصة: بركان حلب، حسبما يرد في الرواية؟
– فكرة الرواية وجزء كبير منها كتبت في حلب عشية الحراك الشعبي، تحديداً في مقهى ميلانو الواقع في شارع بارون. كنت أجلس على الشرفة وأرى جزءاً من فندق بارون. وكنت أراقب مثل غيري المدينة الضاربة في التاريخ تترنح تحت ثقل البلادة التي أصابتها خلال العقود الأخيرة. لكن ما حدث أنه خلال فترة قصيرة لم تعد المدينة هي نفسها التي أعرف أدق تفاصيلها وأحفظ حواريها عن ظهر قلب. أربكني هذا الأمر ككاتب. شعرت كأنني أكتب عن مدينة أخرى غريبة عني. هذه الفترة تحديداً كانت فترة قلق بالنسبة إلي. على صعيد الكتابة إلى أن عشت يوم بركان حلب لأعيد اكتشاف المدينة من جديد.
خرجت من حلب بعدما علا صوت الرصاص، وكل ما حملته من منزلي ذاكرة مثخنة بالتعب وشريحة الكترونية مدون عليها مخطوط الرواية.
* ككاتب مولود في عفرين، إلى أي حد حسمت موضوع الانتماء والهوية؟ هل أنت كاتب كردي؟ وهل لهذا علاقة بكون روايتك قد أتاحت لأصوات مهمّشة في سوريا خصوصاً (أرمن – كرد..) الظهور في الرواية، عبر كارو مثلاً و «أبو الريح»؟
– قبل الحديث الشخصي عن حسم موضوع الانتماء والهوية، بصراحة، أريد أن أتحدث عن شيء. عن مشهد. ربما يمنحني هذا مساحة للهروب من الجواب المباشر. قبل خروجي من حلب كنت في زيارة خاصة لمشفى التوليد .المشفى المشهور بحي الميدان. في الغرفة ذاتها ثلاث نساء. كردية وعربية وأخرى شركسية. ثلاث نساء. وثلاثة مواليد تحت سقف واحد. البشرة نفسها والحليب نفسه ولا يمكن التمييز بين بكاء وبكاء. حتى تمييز الجنس ربما أمر بالغ الصعوبة. وهؤلاء المواليد عندما يدخلون المدرسة قد تقودهم الصدفة للجلوس على مقعد واحد. هؤلاء المواليد يكتشفون عندما يكبرون انتماءهم القومي أو الاثني والطائفي في أفرع الأمن والتحقيق. حيث تنزع الهوية الوطنية لصالح مفاهيم مثل عبادة القائد أو الحزب، وتسحق حقوقنا الشخصية التي شرعتها المواثيق الأممية لمصلحة وهم الأمن القومي الذي هو في الحقيقة أمن منظومة النظام الحاكم. ضمن هذا السياق وبالعودة إلى الحالة الفطرية الوطنية، أؤمن بالهوية السورية. وهذا ما أردت الإشارة إليه في فندق بارون في شكل غير مباشر، من خلال تعدد الشخصيات ذات الانتماءات المختلفة.
* حاولت أن تكون منصفاً بين الطرفين: الحلبي (من خلال البحث عن بكري أفندي) والكردي (من خلال البحث عن اسماعيل آغا)، هل كان هذا متعمداً، أم أن سياق الرواية فرض عليك هذا؟
– بالتأكيد تعمدت ذلك. مع ان لكل واحد قضية مختلفة. أحدهم مالك أرض قادم من الريف. كردي. والآخر تاجر عريق متمدن. لكنهما اجتمعا في مكان واحد يملكه ارمني هو فندق بارون. الأنظمة المستبدة حاولت أن تخلق صراعاً خفياً بين المدينة والريف. هذا الصراع لم يكن بهذه الحدة قبل سيطرة الاستبداد أو ربما كان في مرحلة الضمور والتصالح. أقصد تماماً المرحلة التي تلت التحرر من الانتداب الفرنسي. لكن تم تفعيل هذا الصراع لديمومة سيطرة النظام القمعي. ولم يعد بخاف على أحد كيف تم ترييف المدن وتمييع الحياة المدنية، ليس بغاية التطوير والتحديث كما ضللتنا الشعارات، إنما بغاية إحلال طبقة مكان أخرى لمآرب سياسية.
* بعد تجربة التنقل من سوريا إلى تركيا إلى ألمانيا… هل يمكن الحديث الآن عن المنفى؟ هل تكتب هناك؟ ما أثر هذه التنقلات على كتابتك؟
– يحق لأي كاتب يعيش في العالم العربي التحدث عن المنفى. المنفى ليس بجديد على المشتغلين بالأدب والثقافة في عالمنا العربي. الاغتراب بحد ذاته منفى صغير بمساحة الغرفة التي تعيش فيها في أي مدينة عربية. لكن الحالة الأقسى منه هو المنفى الجغرافي. المكان. هذا على الأقل من خلال تجربتي المتواضعة. والكتابة في المنفى قضية تستحق التأمل. هل تتعكز على ما تبقى لديك من صور وذكريات وأحداث وشخصيات. أم يغدو الحديث عن المنفى بحد ذاته هو مشروعك الكتابي. هذا ما يقلقني حالياً. لأنه بالنهاية من الصعوبة جر الشخصيات من أذنيها لتلعب أدواراً خارج إطار مكانها.
 جريدة الحياة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…