هكذا انشقّ حزبنا

جوان حسين ( جوان كوردي)
  للمرة الأولى في تاريخ  مدينتنا الجريحة ¸تفوح منها أنباء لها طعم السمن والعسل , سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم , حتى ان الاكثرين ذهلوا واعتبروا الخبر مزحة عاقل , لكن مؤشرات الجو العام , والفرح الغامر على الوجوه والقلوب , طير صواب الكثير من اليائسين ممن انكروا وحدة وطنية , لأن أبناء مدينتنا لم يعتادوا على هكذا شائعات, أن يقرر رؤساء الأحزاب كافة بما فيها الأحزاب اليمينية واليسارية , والديمقراطية والليبرالية , والاشتراكية والتقدمية , وكذا جميع التنظيمات السياسية المنشقة والوليدة في عصر الآمال العريضة , على وقف خلافاتهم ومهاتراتهم , هذا ما لم يكن في الأحلام , فكل شيء قابل التصديق , عدا أن يجتمع أخوتنا في اليمين مع أخوتنا في اليسار على طاولة واحدة تحت سقف واحد وكأن شيئا لم يكن . 
 بهذه الروح الجماعية , والإخوة الصادقة  , وبعد نقاش استمر لأيام وأسابيع  تم الإعلان عن تشكيل لجنة جماعية من ممثلي جميع الاتجاهات السياسية  , تقوم بمهمة الإشراف العام على عملية توحيد الصفوف وتقريب وجهات النظر المختلفة بين القادة , و وضع برنامج عمل سياسي , اقتصادي , ثقافي , تنموي , يلملم طاقات الشعب ويحفظها من الهدر بشكل يخدم غايات الوحدة ويحقق تطلعات الجماهير . 
منذ البداية , ورغم تحري الدقة والكفاءة في اختيار أعضاء اللجنة , والحرص الشديد على  سرية الأداء والعمل , فإن أنباء عن الخطط المرحلية والمستقبلية لعمل الأحزاب الموحد , ضمن إطار مشروع الوحدة الوطنية , كان يصل الأسماع , فكيف يحدث ذلك , لا أحد يعلم  , سوى الله , العليم بكل الخفايا ما ظهر منها وما بطن ,  هذا ما قاله سعيدي بك , ممثل اليمين الأزرق , وأكده بافي سيامند ممثل اليسار الأحمر , وكذا رشو جزيري ممثل الديمقراطيين الاشتراكيين , ونعمو كسار  الملقب بالرجل الأخطبوط ممثل الجماهير الكادحة الحرة المنشق مؤخرا عن الديمقراطيين الأحرار , شيء يضع العقل في الكف , فمن غير المعقول أن تشي الجدران باسرارهم , ولا أن يخون أحد الأعضاء شرف وطنيته , ظل اللغز مستعصيا على الحل , فأعضاء اللجنة المؤلفين من أحد عشر عضوا , والمنتخبين بنزاهة كان مشهود لهم بالوطنية العالية , والسمعة الممتازة , هذا ما حير عقول من بقي له عقل في رأسه , وأحبط أمال الطامحين إلى الوحدة الوطنية , لذلك اقترح العضو نعمو كسار تفاديا لتنامي مشاعر الخيبة والإخفاق , وحرصا على سرية عمل اللجنة , أن يعقدوا اجتماعاتهم في مكان بمنأى عن أعين الرقباء ريثما يتم انجاز مسودة وبرنامج  العمل .
 لاقى اقتراح نعمو استحسان جميع الأعضاء  وعلى الفور بدأوا بتنفيذ المقترح كسبا للوقت , حيث وقع الاختيار على قرية نائية هي ” كوندي شيتكا ” على أطراف الحدود الشرقية لما تتميز به هذه القرية من أقلية سكانية , وموقع جغرافي بين تلال مبعثرة , يصعب على أي كان تحديد مكانها , فضلا عن مزايا سكانها الشرفاء وما عرف عنهم من طاعة عمياء في سبيل قضاياهم , وعلى هذا الأساس توجهت اللجنة إلى بيت مرادو , ابن عم نعمو , وبدأوا بالتحضير لكتابة مسودة وبرنامج عمل الأحزاب الموحد . 
في اليوم الأول من اجتماعات اللجنة , وبعد أن أكرم مرادو ضيافتهم , تداول الرفاق في جدول أعمالهم , أهمية العمل الجماعي , وأكدوا على ضرورة توحيد النضال في خندق واحد , وأبرزوا أهمية تلاحم الصفوف , أيمانا أن ” الله مع الجماعة ” وأن قوة الشعب تكمن في وحدتهم , البعيد عن الفردية والانتهازية , كما وأكد الرفاق على أهمية دور الجماهير في نجاح العملية السياسية وضرورة إشراكها في تعزيز الوحدة الوطنية , ثم اختتم الاجتماع بكلمة الرفيق سعيدي بك ممثل التيار الأزرق وتدوين مسودة العمل في نهاية كل اجتماع . 
في اليوم الثاني لاجتماعات اللجنة تم التركيز على أهمية دور المرأة ومشاركتها في الجانب السياسي , كما وأبرز الأعضاء دور المثقفين و النخبة المثقفة في رفد الحركة السياسية , والتأكيد على دور الإعلام كأداة في إنجاح  مشروع الأحزاب الموحد , لما للإعلام من تأثير على الجماهير , و وسيلة لإيصال أصواتنا إلى الأطراف الأخرى , وفي نهاية الجلسة تم تسطير مسودة العمل واختتم الاجتماع بكلمة للرفيق رشو الجزراوي تحدث خلالها عن الليالي الحالكة التي مر بها المناضلون الأوائل , فهم يستحقون المناصب القيادية عن جدارة .   
في اليوم الثالث ركز الأعضاء نقاشهم على أولوية الجانب الاقتصادي والثقافي , حيث أجمع أعضاء المجلس على ضرورة أعطاء هذين الجانبين اهتماما بالغا لأنهما يشكلان الأرضية الصلبة التي تقوم عليها أي عمل وحدوي ونشاط سياسي وعلى الجماهير الغفيرة أن تعي هذه الحقيقة وتقدم الغالي والرخيص في سبيل إنجاح هذا الحلم المنشود والأمل الواعد .
في اليوم الرابع بحث الأعضاء وضع آلية عمل تنظيمي  في إطار العمل الجماعي الموحد للأحزاب , ثم توزيع المهام المختلفة على الرفاق المنتخبين بالشكل الديمقراطي الحر , أسوة بالدول الديمقراطية وعلى ضوء الانتخابات الديمقراطية سيتم تشكيل هيئة قيادية ولجان متخصصة تشرف على عمل الهيئة وتدرس القرارات المقترحة للنظر فيها ومناقشتها قبل التصديق للعمل بها , وبناء على ذلك فأن صنع القرار يكون بإجماع الهيئة واللجان المنتخبة من الجماهير , ولا يجوز لأي كان أن ينفرد بقرار دون الجوع إلى الهيئة والمجلس المختص , ثم اختتم بافي سيامند الجلسة بكلمة عن الحريات ونضال الشعوب المضطهدة لنيل حرياتها مذكرا بالبطل الهندي ” غاندي ” ونضاله السلمي في مقاومة الاستعمار الانكليزي . 
في اليوم الخامس من الاجتماع كان النقاش ساخنا حول برنامج العمل السياسي والنضالي للأحزاب المتحدة ورسم الخطط والأهداف المرحلية والمستقبلية لعمل الأحزاب وبعد نقاشات مستفيضة , أفرغ خلالها سعيد بك ورشو الجز يري علبتي دواء ليخففا وجع رأسيهما , توصل جميع الرفاق إلى حل يرضي جميع الإطراف وكالعادة اختتم  أحد هم الاجتماع بالشكر وتثمين الجهود على إنجاح عمل اللجنة بوضع مسودة العمل الجماعي للأحزاب الوطنية الموحدة , وتوجيه الشكر الخاص لمرادو الذي استضاف في بيته حلم شعب يكبر ويكاد يزدان بالنجاح لو أن قادة الأحزاب كبروا رؤوسهم من زمان . 
في صباح اليوم التالي , بعد أن مضى على استضافة الوفد في بيت مرادو أكثر من أسبوع توجه نعمو وأصدقائه بحماس وأمل إلى قامشلو , حاملين معهم كما تصوروا , فاتحة عهد جديد لا شك أن قامشلو ونواحيها وقراها وطيورها وأحجارها وأشجارها سترقص فرحا
من نشوتها , وما أن وصل نعمو ورفاقه في الموعد المقرر لمكان الاجتماع لعرض مسودة  العمل على القادة أمناء الأحزاب , وجدوا المقر خاليا إلا من أخيلة أولئك القادة كما تراى لنعمو وأصدقائه , وراحوا يستفسرون عن سبب غيابهم , لكن الإجابات كانت جاهزة كالوجبة السريعة . . . . 
سكرتير الحزب اليساري الأحمر قال : أن اليمين يفرط بالقيم الوطنية والديمقراطية , ويعرقل مسيرة النهج المتوارث  . 
في حين برّر سكرتير اليمين الأزرق , أن العمل مع اليسار الأحمر صعب .
وذهب سكرتير الحزب الديمقراطي , أن الظرف غير مناسب . 
أما سكرتير الحزب الليبرالي أبدى انزعاجه, وأعتبر فشل الأحزاب في التوصل إلى قرار إجماع سياسي كارثة وطنية وردّ ذلك أن في الأمر ” إن ” .
فيما رئيس الحزب الجماهيري الحر أعتذر عن التصريح لانشغاله بمراسم دفن والده ” ألأغا شهباز ” .
وكل واحد من هؤلاء تنصل من دم الوحدة الوطنية , وأهرق سطلا من الدموع على حلم قامشلو المهدور على ضفتي نهر جقجق .
 كاد نعمو ومَن تبقى من رفاقه في لجنة كتابة مسودة عمل الأحزاب الموحد أن يصدقوا سياسة القادة في أقناعهم , لكن نعمو كسار صاحب الشعر الأبيض , واليد الطويلة , ترفع عن حضور اجتماعاته الحزبية , وبعث برسالة شفهية إلى سكرتير الحزب الجماهيري  الحر
كتب فيها : اقطعوا اسمي من دفاتركم , واحرقوا مجلسي بين غبار صمتكم .
ومنذ ذلك اليوم أنقطع صلة نعمو بحزبه وألغي ذكره في المجالس السياسية , و قرّر بعد فترة دم الوحدة المدفون ، مع بقية رفاقه , أن يشقوا عصا الطاعة على العقلية السياسية التقليدية , وأعلنوا عن ولادة حزب التجمع الجماهيري , الديمقراطي , التقدمي , الحر كما واتخذوا اللون الأبيض شعارا لهم . 
واعتبارا من الحلم الذي لمع كنجمة وانطفأ بسرعة الشهب أصبح الإستاد نعمو كسار, سكرتير حزب التجمع الجماهيري , الديمقراطي , التقدمي , الحر , المنشق كما يقول مؤيدو وأنصار الحزب الجماهيري الحر , وبذلك ارتفع رصيد قامشلو من الأحزاب ليصبح الله أعلم , على قول الإستاد نعمو كسار .
ـــ   النهاية   ـــ
جوان حسين (جوان كوردي)
كاتب ومخرج سينمائي
jiwan.hussin33@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…