وزنة حامد
الإبداع خط الاستواء الكوني يخترق أرضية الفكر فيفتق المستحيل ليحيله إلى مألوف فيه خلق وابتكار والمثقف أين كانت أرضه …وأين كان موضع قلمه هو المنارة التي لابد وأن يهتدي إليها كل ضائع مهما أوتي من العقلانية والتبصير، وان كانت الكلمة هي البدء فإن المبدع هو من يحمل معاناة هذه الكلمة التي ينحتها بدون أزميل أو مطرقة ليخلد من خلالها أبداع أنتاجها، فالشجرة التي تحطبت وينمو من احد شقوق جذورها نسغ يتحدى الفناء مجدداً البداية فيورق ليكون شجرة قادمة ثابتة في مسالك الحياة يؤكد هذا النسغ الاستمرارية رغم الفراغ ، وان كانت العولمة وما فرخته من أدوات تقنية أسمتها (التكنولوجيا) المبدعة لتعترض طريق الثقافة من خلال اسطوانة مرموقة أو مكتوبة آلياً فقد فشلت هذه العولمة التي كانت تظن أنها قاطعة طريق بين القراءة الأدبية والفكرية وبين قراءة مصنوعة من مؤطرات مقولبة ، فالقراءة ماء مالحة لصاديها فكلما شرب عاد إليها ظمأناً صادياً لا يرتوي ، ونتسأل مع من يتسأل :هل تؤثر عصرنة الواقع على مسيرة القراءة وتشل عطاء المبدع في زمن مادي محسوس ..؟؟
صحيح أن القراءة هاجمها عنكبوت الإهمال ،وتسلط عليها غبار التناسي ، وانصرف القارئ بشكل عفوي أو مدفوع للجلوس أمام ما تفرزه تقنية المعاصرة ، ولكن هذا الكتاب المغلق يبقى مثل كنز طمرته الأتربة لزمن وجيز وسيخرج هذا الكنز إن شاءت الطبيعة البشرية أم أبت فالقراءة نداء الروح للجسد ، وغذاء النفس لاستمرارية الحياة ، والمثقفون الواعون لا يمكن أن يقفوا وهيهات أن يموت الحرف وتوأد الكلمة بين أحاقيف الضياع ، إن المثقف اليوم وأن تقاطعت الطرق أمامه لا يقف عاجزاً عن مسيرته فها هي المؤلفات في زخم ودور السينما تنضح بأفلام كتب قصصها كتاب مبدعون ودور النشر ورغم تلكؤها ببعض ما تنشر وبعض ما تتغافل فهي تفرز في اليوم أعداداً هائلة من المؤلفات الأدبية والفكرية ، ويكفي ما قدمه عميد الأدب العربي نجيب محفوظ من قصصه ورواياته الرائعة مثل _الثلاثية _خان الخليلي _الحرافيش _ بداية ونهاية_رد قلبي_وجاراه في العطاء الكاتب إحسان عبد القدوس فأغنى السينما والفكر العربي بقصص عديدة مثل _الوسادة الخالية _النظارة السوداء _لا أنام _ وهناك عشرات من الكتاب لا يسع البحث عن ذكرهم ، وبالعكس فإن المبدعين تحدوا اليوم عجلة الطمس فأخذوا على عاتقهم استمرارية الإبداع وكذلك الشعراء ولا ننسى إن الشاعر الكبير نزار القباني الذي لا تخلو مكتبة عربية خاصة أم عامة إلا ويتواجد فيها عدد من كتبه وكذلك حنا مينا وأدباء وشعراء وان نسي الزمن بعض الأحرف الصغيرة فهذا لا يعني إن الزمن أعمى لا يبصر ما خبأه للقارئ الذي لا تصرعه العصرنة ولا تهزه الثقافة المصطنعة ، وقد نغفر للقارئ الظرف المادي الجلف ولكن دور إتحاد كتاب العربي ساهم في تذليل العقبة المادية ، وساهم في تقديم الكتاب للقارئ بدون أي إحراج مادي ، بمبلغ رمزي ليبق القارئ والكتاب رفيقا درب ثقافي واحد وإن كان طويلاً ، وقد خرج علينا اليوم دعاة الاختصار واعابوا علينا ثقل الثقافة في الكتاب وفندوا حجتهم بأنها أصبحت مملة ممقتة غثة وللأسف نرد على هؤلاء إن الذهب وإن أخفاه التراب كما قلنا في المقدمة سيبقى ذهباً وهيهات أن يجاري الصفيح الذهب هيهات ، وسيبقى المبدع علماً يرفرف في سماء العطاء وقل للعابرين أن يعبروا من تحت ظلاله، وسيبقى الحرف أبديا والكلمة هي الفاروق بين الوعي واللاوعي.