«مريّ بكردستان يا عروبة!» *

في الذكرى الأولى لرحيل الشاعر محمود درويش

«مريّ بكردستان يا عروبة!» *
القصيدة الدرويشية التي مهما قدمت توهجت تألقاً عن كردستان

سيامند إبراهيم
وندا شيخو

صعد الشاعر محمود درويش بحنو, وعانق جبال كردستان الشامخة, ودخل في حميمية   متوحداً مع صقور هذه الجبال التي كانت تتلقى الضربات الضروسية المؤلمة من قوات الطغيان العراقية السابقة, بهذه الأشعار الجميلة يهبط من الجبال الكردية إلى رياضها وهو ينتعش أكثر وأكثر من رائحة هذه الورود, والرياحين, وعبق التراب الكردستاني يمد له البساط الأخضر, ويحرس كلماته الرقيقة خوفاً من تلقيها شظية جندي يحمل في ثنايا قلبه حقداً ليس على الكرد فحسب, بل رمي كل شيء يدب على هذه الأرض الساكنة الجميلة.
وفي ذكرى رحيله في السنة الأولى من غيابه عنا, وأنت الحاضر بيننا نقرأ قصائدك   يا شاعرنا الذي تألق مبدعاً في وادي عبقر, صقراً في مملكة الشعر, تاهت, ثملت, وانتعشت حروف القصيدة بين يديه المباركة, وأسبغ من روحه ألف نوع من عطور  الحرية لكل المظلومين والمقموعين في العالم, والشعب الكردي واحداً من هذه الشعوب التي تستغيث أحرار العالم, وتناضل منذ عشرات السنوات للإقرار بحقوقه, وحقه في العيش بكرامة على أرضه, وبشراكة أخوية حقيقية؟ّ
عقود طويلة ونحن نمني النفس بأن تزور كردستان, وتغني بحرية أكثر في روابي كردستان, وتسطر قصائد وجدانية ورائعة مثل هذه القصيدة التي ننشرها لعشاق شعرك من الكرد التواقين إلى قراءة قصائد الشعراء العرب أصحاب المواقف النبيلة من القضية الكردية.
أيها الشاعر الذي بكرت في الغناء للكرد وكردستان.. وهللت لصلاح الدين الذي جاء مع الريح الكردستانية, من (تكريت) يلهث في تحرير التراب المقدس الغالي, صلاح الدين الفارس الصنديد الذي أذاق مرارة الهزيمة للويس الفرنسي, ولريتشارقلب الأسد  الملك الانكليزي الذي كان يفتك بالمسلمين أشد الفتك, أجل يا صلاح الدين أنت الذي سقيت روابي حطين بنثار من صلادة العزيمة والقوة من جبال جودي, متين, سفين.
يا شاعرنا العبقري, وأنت الذي دخلت عوالم الأكراد مع البياتي, والجواهري العظيم الذي صدح مثلك بأرقى قصيدة معبقة بباقات ورد محملة بمعاني البطولة والعنفوان والجزالة للقائد الأسطورة البارزاني الخالد الملا مصطفى) – (شعب دعائمه الجماجم والدم تتحطم الدنيا ولا يتحطم).
نعم يا شاعرنا وملهما وحبيبنا الذي لن ننساه لحظة من اللحظات ونحن ننتشي بقراءة قصائدك الملحمية والمعبرة عن ألم شعبك الفلسطيني وهو الذي لا يزال يعاني من الألم مثلنا, وألمنا من العروبة المزيفة التي عبرت عنها بكل وضوح, وصدق, وصراحة, العروبة المتعالية الجيفة في صحارى النسيان, ولم تجد أية نوازع إنسانية في صميم قلبها سوى زرع المزيد من رسائل الحقد والكراهية بين الشعوب, ونحترم, ونفتخر بالعروبة التي تحافظ على نقاء رسالتها البعيدة عن التعصب المقيت ؟! وها هي الجواهر التي تخرج من مبسمك الفواح بعطر فلسطين المباركة وتعلن تبرؤك من هذه العروبة المزيفة:
يا أمتي
لم يكفنا أنا براء
منهم ومن طابورهم
لم يكفنا أنا براء
ألقي لمزبلة الزمان
أخسّ ماعرف الزمان
ألقي عدوك يا عروبة !
ونحن يا شاعرنا المحبوب سنصعد مثلك جبل الجلجلة, وسنحمل روحنا  المهمشة في وطننا, , وسنحمل بضع روح من الأنفال وحلبجة, و ميزوبوتاميا رسالة حب وسلام من حقول القمح والزيتون الكردي معبقاً بنهري دجلة والفرات وبضع نرجسات مرويات بدمانا إلى كل أحرار الدنيا, وسنعانقك ونبارك جسدينا  من زيتونك الفلسطيني, وبرتقالك اليافاوي الذي ينشي فؤادنا ليعبر عبر الشريان إلى مسامات قلبينا, ولنصبح غيمة ونهطل على سهول  كردستان الحبيبة, حاملين معها  نور قصائدك المتوهجة ألماً وحباً، ونزين به كل عروس في أرض وطننا لتخبئها في رحمها إلى حين الولادة.
و لا نعرف كيف نواسي جراحنا قبل ذويك؟
ذكراك عطرة, ونحن مكلومي القلوب, السواد يعم كل الأوطان, موطنك وموطننا القهر والحزن والحرمان, برحيلك عنا أدميتنا أكثر وذكراك العطرة تفوح في الأرجاء وقصائدك بلابل تغرد على وجه البسيطة , كالعطر الكردي الذي روته أوردتنا في كل شبر من بسيطتنا , أسيلية خالدة ذكراك, ولكل قلم أبدع درر إضاءات من صفحات الأدب بقصائد خالدة  من قدري جان,و كوران, شيركو بيكس, جكرخوين وقائمة المبدعين الكرد… وهذه قصيدتك الخالدة يا شاعرنا لنغردها معك لكل مظلوم في الدنيا ونقول للظلم والظلّام كفى … كفى :

معكم
معكم قلوب الناس
لو طارت قذائف في الجبال
معكم عيون الناس
فوق الشمس تمشي لا تبالي
معكم عبير الأرض
من خصر المحيط إلى الشمال
معكم أنا … أمي … أبي
وزيتوني وعطر البرتقال
معكم عواطفنا … قصائدنا
جنود في القتال
يا حارسين الشمس من أصفاد أشباه الرجال
ما مزقتنا الريح إن نضال أمتكم نضالي
ا فرّ منكم فارس شدت على عنقي حبالي
تحيا العروبة  !
هل فرّ مهرك يا صلاح الدين
هل هوت البيارق
هل صار سيفك صار مارق؟
في أرض كردستان
حيث الرعب يسهر والحرائق
الموت للعمال إن قالوا:
لنا ثمن العذاب
الموت للزراع إن قالوا:
لنا ثمن التراب
الموت للأطفال إن قالوا :
لنا نور الكتاب
الموت للأكراد إن قالوا :
لنا حق التنفس في الحياة
ونقول بعد الآن فلتحيا العروبة
مرّي إذاً في أرض كردستان
مرّي يا عروبة
هذا حصاد الصيف هلا تبصرين؟
لن تبصري
إن كنت من ثقب المدافع تنظرين
يا أمتي هاجم على تاريخك الإنسان
وأشباه الرجال
باسم العروبة
يستباح الدم تحكمك النعال
بعثت لمزبلة الزمان
أخسّ ما عرف الزمان من الزمان
باسم العروبة
يطعن التاريخ من شطآن دجلة والفرات
يا أمتي
لم يكفنا أنا براء
منهم ومن طابورهم
لم يكفنا أنا براء
ألقي لمزبلة الزمان
أخسّ ماعرف الزمان
ألقي عدوك يا عروبة !
ونقول بعد الآن فلتحيا العروبة
لا على الموت فلتحيا العروبة
شهرزاد .. يا شهرزاد
الليل يفترس الصباح
 وحقول كردستان موسمها جراح
الحب ممنوع وهمس الجار لا شيء مباح
إلا دم الأكراد  نفط الموقدين
مصباح عارهم بموت الآخرين
يا شهرزاد
هدأت أساطير البطولة في لياليك الملاح
والذكريات البيض والمهر الذي ركب الرماح
والحب والأمجاد والسيف الذي ملّ الكفاح
عار على بغداد ما فيها مباح
إلا دم الأكراد في المذياع
في صحف الصباح
حبر الجرائد في مدينتنا دمٌ
إنا أبدناهم وتعتز الذئاب وتبسم
إنا زرعنا أرض كردستان
لحداً عارياً من فوق لحد
إنا زرعناها جماجم لا تعد
يا شهرزاد
الليل يفترس الصباح
الحب ممنوع ومخدعك الوثير
ملقىً على أقدام سيدك الحقير
ودماء كردستان تغرق سافحيها
واللاعب المأفون بالنيران
سوف يموت فيها
يا شهرزاد
ما مات إلا الموقدون
مصباحهم بزيت الآخرين
فإلى اللقاء مع العصور القادمة
قومية العصر الذي
صنعته كفّ الثائرين.

* كتب الشاعر محمود درويش هذه القصيدة في سنة  1965

————-
 Siyamendbrahim@gmail.com
orkesh2005@yahoo.com

القامشلي 10 – 8   2009  

 

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…