طرائف من عيادتي (3)

د. آلان كيكاني
 
وفوق منها أخذ مصاري كمان
دخل , وكان من الطول ما نطح سقف الباب فارتد عقاله إلى الخلف , ركزه باليسار  وصافحني باليمين ,  ثم دخلت بعده  زوجته , وجلسا قبالتي .

كان الرجل في حوالي الخمسين من عمره يتحدث بلهجة بدوية خالصة , نحيلا  , وجهه ينم عن روح مرحة وعيناه عينا ثعلب تتراقصان في محجريهما وعلى شفتيه بسمة فطرية بريئة , والمرأة في حدود الأربعين , موشومة الوجه  , ترتدي جلبابا أسودا , قالت أن اسمها  شمسة   . لم يكن لدي أدنى شك في أنهما غير بدويان , لا لهجةً ولا لباساً . بالاستجواب ظهر لي أن شمسة لديها مشكلة في ناحية الدبر منذ أسابيع , طلبت من الرجل الانتظار في مكانه ريثما أقوم بفحص زوجته بحضور الممرضة فامتثل الرجل لطلبي .
بعدما أنهيت فحص شمسة , شرحت لهما عن مرضها , ثم شرعت أكتب لهما وصفة طبية  . ويبدو أنهما الآخران استشفا من لهجتي أنني عربي لا محالة , فقال لزوجته بصوت خافت ولكنه مسموع بوضوح وبكردية قحة :
– الله ياخدك يا شمو , صرفت عليكِ مليون ليرة حتى شفت مؤخرتك. والآن شافها هذا ال……. ببلاش  وبكل سهولة  ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
انتابت شمسة قهقهة لكنها بترتها خجلا  وقالت له بهمس:
_  تفووووو عليك يا بوزو. صحيح كما يقولون أن كل طويل لا يخلو من الهبل. ألا تستحي ! ألا تخجل من لحيتك البيضاء  !!!!!
إلا أن بوزان لم يعرها أي أنتباه وإنما استمر في التنكيت وقال ضاحكا :
_ ها ها ها ها ها  وفوق منها أخذ مصاري كمان !!!!!!!
حبست شمو وجهها بين يديها وراحت تضحك بهدوء بلا انقطاع , تظاهرت أنني لم أفهم شيئا , وألهيت نفسي بالبحث لهما عن عينة مجانية من الأدوية.

شرجي غربي ما تفرق
التقط حمد ميزان الحرارة من يد الممرضة ليوفر عليها جهدا ووضعه في زاوية فمه اليسرى مثل السيكارة وجلس ووجهه باتجاه الشمال بحيث جاء ميزان الحرارة في الزاوية الغربية من فمه.
 قلت للمرضة موبخا بصوت خلتُ أن حمدا لا يسمعه :
– أعتقد أن ميزان الحرارة هذا  شرجي وليس فمويا (أي يقيس الحرارة عن طريق الشرج). لماذا هذا الخطأ , ألا تنتبهين  , أين عقلك ؟
وعلى الفور أخرج حمد ميزان الحرارة من زاوية فمه الغربية ووضعها في الزاوية الشرقية (الشرجية) وهو يقول :
– شرجي غربي ما تفرق يا دكتور . كلو أثمي (فمي) !!!!!!! .

وبهذا حل حمد مشكلة , وقعت فيها الممرضة , بكل بساطة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

في حضرةِ الشعر، حيث يتناسلُ المعنى من رمادِ الكلمات، وحيث يشعلُ الحرفُ فتيلَ الوجود، يولد هذا الديوان: جحيم الأمل.

ليس عنواناً عابراً ولا استعارةً تلقى على عتبة الصدفة، بل هو صرخةٌ تتناوبُ فيها النارُ والندى، وتتعانقُ فيها خيبةُ التاريخ مع شغفِ الإنسان الذي لا يعرفُ الاستسلام.

“جحيم الأمل” انعكاسٌ للروح حين تلقى في أتونِ الأسئلة الكبرى، في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

يَقُولُونَ

: لِمَاذَا تَكْتُبُ قَصَائِدَ حَزِينَةً

دَمْعُ هُمُومٍ مَآسِي رَهِينَةٍ

قُلْتُ : مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ

مَنْ جَمَعَ الْبَشَرَ عَلَى السَّفِينَةِ

قَالُوا : حِكَايَاتٌ رِوَايَاتٌ

قُلْتُ : تَوَارَثْنَا الْعُرَى

نَمْشِي عَلَى أَرْضٍ جَرْدَاءَ قَرِينَةٍ

هَذَا الْوَطَنُ

كُورٌ فِيهِ كُلُّ الْأَجْنَاسِ رَغْمَ أَنِينِهِ

عَرَبٌ أَكْرَادٌ مَسِيحٌ تُرْكْمَانٌ صَابِئَةٌ

بِأَلْوَانِ بَنَاتِهِ وَبَنِينِهِ

مِنْ حَضَارَاتٍ ذَهَبٍ وَصُولْجَانٍ

وَفُرْسَانٍ وَقَادَةٍ

تُخْرِجُ الْأَسَدَ مِنْ عَرِينِهِ

………….

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَآذِنِ

دُقَّتْ أَجْرَاسُ الْكَنَائِسِ

وَتَجَلَّتْ أَلْوَاحُ السَّمَاوَاتِ

طَافَتْ وَهَبَّتِ الْفَيْضَانَاتُ

عَلَى الْخَنَاجِرِ…

سيماف خالد محمد

في المطبخ كعادتي كل يوم استيقظتُ على فنجان قهوة أُحاول به أن أفتح عينيّ وأمنح نفسي شيئاً من التركيز قبل أن أبدأ بتحضير الغداء.

بينما كنتُ منشغلة بالطبخ أفتح هذا الدرج وذاك، دخلت أختي مايا تحمل لابتوبها جلست أمامي، فتحت الجهاز لتعمل عليه وكأنها أرادت أن تؤنس وحدتي قليلاً وتملأ صمت المطبخ بأحاديث خفيفة.

لم…

فراس حج محمد| فلسطين

تثيرني أحياناً في بعض الكتب عتباتها التمهيدية، من الغلاف وتصميمه، وما كتب عليه في الواجهة وفي الخلفية (التظهير)، والعتبات النصيّة التمهيدية: العنوان، والإهداء، والاقتباس الاستهلالي، وأية ملحوظات أخرى، تسبق الدخول إلى عالم الرواية أو بنيتها النصيّة.

تقول هذه العتبات الشيء الكثير، وتدرس ضمن المنهج البنيوي على أنها “نصوص موازية محيطة”، لها ارتباط عضوي…