سلامٌ على قمرِ البنفسجِ في عينيكَ.. إلى محمود درويش

نمر سعدي

ها قد مرَّ عامٌ على الغياب.. ونحنُ لا زلنا نعيشُ في الوهمِ من انطفاءِ العنقاء وحتَّى هذهِ اللحظةِ الكاذبةِ الصادقةِ نحاولُ الإمساكَ بالأطيافِ الذهبيَّةِ الهاربةِ من خيالاتنا دونَ جدوى… ونُجرِّبُ أن نقيسَ أيامنا الحنطيَّةَ بالماءِ المسفوحِ من قلوبنا على رحيلكَ يا سيِّدَ الكلام.. الصامتَ الأبديِّ في حضنِ منيرفا وفي حضورِ كلامها الأخضرِ.

يا طفلَ الأقحوانِ.. أيُّها الحصانُ العصيُّ على الريحِ الأنثويَّةِ.. لا تخجل بنا وبعجزنا عن رثائكَ.. لا تخجل بكلِّ الهذياناتِ التي فاضَتْ على أرضنا العربيةِ اليابسةِ الجرداءِ سوى من دماءِ الحالمينَ أمثالكَ…

لا تخجل بنا يا وريثَ عذاباتنا أمامَ نساءِ أولمبَ الفاتناتْ.. فكُلُّ أقمارنا في غايةِ الغباءِ والحيرةِ… وكُلُّ عظامنا لا تضيءُ الظلامَ الصلبَ..
أتبلَّلُ بالمَطرِ المورقِ وأعجبُ لكَ كيفَ استطعتَ أن تحملَ صخرةَ سيزيفَ إلى هذهِ الهوَّةِ القاحلةِ الهائلةِ الطائرةِ في الجحيمْ…. كيفَ استطعتَ أن تُحوِّلَ شتاءاتي جميعها إلى شتاءٍ واحدٍ باذخٍ مُعذَّبٍ يليقُ بالشعرِ والبكاءِ على طللِ العولمةِ .. ويرتفعُ بالموسيقى الزرقاءِ ويضيءُ بخواتمِ ريتا سُدُمَ القلبِ.
وقد كانت شتاءاتي من قبلكَ صخوراً تنهمرُ عليَّ من كُوَّةٍ صفراءَ في السماءِ الزجاجيَّةِ المُكسَّرةِ… آهِ كم كانت شتاءاتي عقيمةً من دونكَ..

مرَّ عامٌ على الغيابِ ونحنُ لو تفكَّرنا قليلاً في حضرةِ الغيابِ منذُ الأزلِ وإلى الأبدِ وأنتَ تحاولُ بأشعاركَ المزهرةِ كاللبلابِ أن تلقي علينا بصيصاً من شعاعِ الحضورِ العاطفي الإنساني المعرفي المتمرِّدِ ولو من وراءِ حجابْ.
عندما أقرأُ اليومَ في دواوينكَ الأخيرةِ وأنا بالذاتِ أنحازُ إلى مرحلتكَ الأخيرةِ التي تذكِّرني بكلِّ أمجادِ الشعرِ الذي يدغدغُ الروحَ.. يضربني بقوَّةٍ هائلةٍ برقُ الحقيقةِ.. أُدركُ تماماً أننا نحنُ أشباهُ الشعراء ما زلنا بعيدينَ سنينَ ضوئيةً عن عوالمكَ الشعريةِ الساحرةِ التي جُبتها كغزالٍ شريدٍ شاردٍ.. وأننا في الزمنِ الأخيرِ مغفَّلونَ في لعنةِ التجربةِ.
أنتَ وحدكَ فينا من قبضَ على الجمرِ المقدَّسِ يا بروميثيوس.. من دون أن يرتعشَ لكَ قلبٌ أو يرمشَ لكَ جفن. أنتَ وحدكَ يا سليلَ أسطورةِ هذهِ الأرضِ النبيَّةِ من نثرَ الزهرَ اليابسَ على بحيراتِ العالمِ القاسي..
فهَلْ تغفرُ لنا حُبَّنا الذي قتَلَكَ كالذئبِ بلا رحمةٍ وألقى بكَ في جُبِّ يوسفَ عليهِ السلامْ.. هل تغفرُ لنا حماقتنا وبراءتنا وقلَّةَ صبرنا..

قصائدكُ تراوغنا بالذهبِ والصباحاتِ الصيفيةِ ولا نفلتُ بتاتاً من سطوتها اللامعةِ.. فنحنُ مدينونَ لكَ بالنرجسِ وترويضِ الكلامِ الجامحِ في بريَّةٍ ممتدَّةٍ في الفضاءِ خلفَ هذا البحرِ الذي أدمنَ صداقتَكَ. وأدمنَ عشقَ ممالككَ العاليةِ وزهوةَ روحكَ ونبلَ السيوفِ التي حفَّت خيلاءكَ ذات حلم.

لحيفا هسيسٌ ناريٌّ لا يسكنُ لحظةً واحدةً مسائلاً عنكَ. لا يسمعهُ إلاَّ محبُّوكَ وقلبي فهو يرهفُ السمعَ كلَّ صباحٍ ومساءٍ ويمتلأُ بهِ كما يملأُ قوسُ قزحٍ برذاذِ الماء المتطايرِ .

سلامٌ عليكَ وخزامٌ أليفٌ يطوِّقُ وجهكَ
سلامٌ على روحكَ الوامقةِ أمامَ السماءِ كعبَّادِ الشمس
سلامٌ على قمَرِ البنفسجِ في عينيكَ
سلامٌ أخيرٌ على بهاءِ زهرةِ اللوزْ….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الجابر حبيب

 

في المذبحِ،

يُغسلُ خطايا الأرضِ

بحنوّ الكهنةِ،

وبرجاءِ الأراملِ،

لكن، لم يتوقّعْ أن يأتي

من خبّأ جحيمه تحتَ قميصٍ مستعار،

ففجّرَ التوبةَ،

وذرّى جسدَ الغفرانِ في الهواء!

حتى جعلَ من الركوعِ موتاً،

ومن “آمين” طلقةً.

 

***

 

في كنيسةِ مار إلياس،

ارتجفتِ الأيقوناتُ،

تشقّقتْ ملامحُ القدّيسين،

مزّقتْ مريمُ عباءتَها،

وصاحت من خلف الخشبِ:

“يا بنَ الإنسان،

مَن سلّمكَ أمرَ الحياةِ والموتِ؟”

 

***

 

انحدرَ الضوءُ من قلبِ الناقوس،

مثل خيطٍ من ذهبٍ قديم،

احترقَ في…

نظّم الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا بالتعاون مع اتحاد كتاب كردستان سوريا أمسية ثقافية احتفاءً بتوقيع إصدارين أدبيين لكل من الكاتبتين يسرَى زبير إسماعيل وليلاس رسول، وذلك في مدينة إيسن الألمانية، وسط حضور نوعي من المهتمين بالشأن الثقافي من كتاب وشعراء وصحفيين ومتابعين للشأن الأدبي الكردي.

افتتحت الأمسية بتقديم الكاتب خورشيد شوزي لمجموعة الشاعرة…

ماهين شيخاني

 

كان يحمل ساعة في معصمه، لكنها لم تكن تشير إلى الوقت…

بل إلى المهام.

منذ لحظة استيقاظه وحتى انطفاء آخر رمشٍ في جفنيه، كانت الحياة تُديره كأنها آلة لا تتوقف.

بيته؟ يمرّ به مرور الكرام.

زوجته؟ تراه أقل مما ترى صورة ابنها على الجدار.

أولاده؟ صاروا يتحدثون إليه بصيغة الغائب، وكأنهم يخاطبونه في خبرٍ عائلي، أو عبر رسالة واتساب.

صباحًا،…

النقل عن الفرنسية مع التقديم : إبراهيم محمود

 

ما قيل ولم يُقَل بعد وأبعد:

قيل في الشّعر أنه أول الأصوات الأقرب والأكثر تمثيلاً لما هو إنساني- كوني، ولا بد أنه آخر الأصوات استبقاءً تعبيراً عن هذه المكانة المعتبَرة. الشّعر هنا يتعدى كونه عبارات ذات معنى، إنه الترجمة الأكثر مكاشفة للمخفي، للمؤلِم، للمعذّب، للمنشود، للمفقود، وللمأمول، إنه ما…