الشاعر يوسف برازي في سجل الخالدين

عبدالرحمن آلوجي

صبيحة الخامس عشر من شهر كانون الثاني الجاري من عام 2009 انتقل الشاعر الموهوب والمناضل الكردي المعروف يوسف برازي إلى رحاب خالقه, بعد رحلة مديدة في حياة صاخبة, مليئة بالعنت والقهر والمعاناة, دامت سبعة وسبعين عاما, إثر مرارة صراع مضن مع مرض عضال..
لقد أوتي الشاعر “أبو خسرو” قدرة فائقة على التكيف مع محيطه, ومرونة واضحة في فهم ضرورات حياته, وآفاق مستقبله, في إدراك دقيق لتلك المعادلة بين أن يعيش بكرامة مع شعبه, يعاني مع أبناء هذا الشعب الأبي ما يعانونه, ويتقاسم معهم ما يجدونه من شظف العيش وبؤسه وعرامة قسوته وشدته, وبين أن يدير لهم ظهره , وينعم بالرفاه والأمن ورغد العيش والرضى ببؤس واضطهاد شعبه…
فاختار الشطر الأول من المعادلة – طيلة حياته- متحملا قسوة الحرمان و شقوة السجن و شراسة التعذيب, مدفوعا في ذلك بمبدئية صارمة, وقوة احتمال , وروعة تحد, جسدها في قصائد عفوية رائعة, تغنى بها الفنانون الكرد, أبرزها قصيدته الرائعة hebs Û zindan”  ” تلك التي أثارت مشاعر الجماهير وألهبت حسها , ودفعتها إلى مزيد من الإصرار على المطالبة بحقها المشروع في حياة عزيزة آمنة , بعيدة عن أغلال التمييز , ورهق العنصرية وممارساتها البغيضة, وأشكال التعذيب والاغتراب الروحي والنفسي, مع سحق تطلعات الإنسان الكردي ووجوده وبقائه , ومستلزمات وضرورات هذا البقاء, حياتا ودستوريا, بما يتوافق مع تاريخه العريق وكفاحه وتراثه النضالي ..
تميز الشاعر الكبير بغزارة إنتاجه ليخلف خمسة دواوين جسدت رؤيته القومية وطموحه الإنساني الرفيع, وموقفه الوطني الصلب , مستلهما دروسه النضالية من قادة الكرد العظام وتضحياتهم السخية وبطولاتهم الخارقة, مختزلا رؤيته الناصعة في نهج راسخ تجلى في حياته اليومية وشعره المتدفق بعفوية وحيوية وروعة أداء وقوة تأثير, هذا النهج الذي تجلى في مواقف البارزاني الخالد وفكره المتألق, ليمارسه طوال حياته , وفي مدرسته النضالية “البارتي” منذ بداية تأسيسه إلى آخر لحظة في حياته, لنتذكر – على سبيل المثال لاالحصر- ما كلفناه به من الإشراف على منظمة “رأس العين” منذ ثلاثين عاما ليضع النواة الأولى لتنظيم لا يزال عاملا بقوة حتى يوم رحيله, أبا حانيا ومرشدا كبيرا ومرجعا لرفاقه وللوطنيين في محيطه الغني والواسع , مما بدا أثره رائعا وعظيما, في ذلك الحشد الكبير والمتنوع الذي ودعه إلى مثواه الأخير , في موكب جنائزي حافل قل نظيره, من مختلف الفئات والأطياف والفعاليات الثقافية والاجتماعية والحزبية المتعددة, ومن جملة الأوساط , لبرهن على تاريخ نضالي غني بالمآثر زاخر بالعطاء, يذكر بسير المبدعين وسجل يخلد مع الأيام ويتجدد …

لقد رحلت أيها الرفيق المحب العطوف المرح, لتلتحق بدرب رفاقك الأبرار في موكب أب روحي عظيم التحق بالصفوة الكرام من قادة الكرد ذلك الذي ألهمنا دروس الفاء والتفاني والعزة والرؤية الإنسانية الجامعة, البارزاني الخالد, ومن دخل هالته النورانية الجامعة, الشهيد كمال أحمد وسائر رفاق دربه ومن لا يزالون ينتظرون, حتى تتحقق آما وأماني شعبن في الانعتاق والحرية والعدل, وتندحر كل أسليب ووسائل القمع والتنكر والإذلال والقهر, إن غدا لناظره قريب…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…