(محمد بودويك) الشاعر العرَّاف حارس الخسارات

  أحمد الدمناتي
       
القصيدة عند الشاعر محمد بودويك مختبر صغير، محترف،لتفريخ أيائل من
الخيالات،وغابة من القصائد ، ينتمي إلى سلالة الشعراء التي لا تنقرض أبداً.إلى جيل ينظر إلى قصائده بخجل و قسوة و شهوة و غبطة و خيانة
أيضاً. في الانتساب للشعر ما يجعله يصاحب طفولة الأشياء و الكائنات في
عذرية ولادتها الأولى ، و يتجسس بفرح طفل مشاغب عن أسرار القصائد

في غرف اللغة.
و حين تتلصص وحيداً في غابة قصائده بدون حراس الأبجدية ،تجد نصوصه الشعرية ملغومة بعمق جمالي مستفز، في قصائده تعثر على حكمة يانيس ريتسوس ، و مرح لوركا، جنون فريدريك نتشه ، سوريالية سلفادور   دالي ، وعشق بول إلوار.
عند هذا الشاعر الجوال،المشاكس،المندس في “مركبة السنجاب”بشهوة الانصات لفلوات ذاته المشرعة على الحلم والخطيئةِ.
القصيدة عنده لاتتجمل بالمساحيق المستوردة لتغطي على تجاعيدها القديمةِ بإتقان،ولكنها منخرطة في إثم متخيلها الفاضح،الواضح كخطيئة منتصف الليل،وقرابينه لاتذبح إلا في حدائق الحواس بإذن من ابن حزم وطوق حمامته.
يستند الشاعر محمد بودويك في تجربته الشعرية المتوهجة بمسالك الكلمات،المندسة في عباءة طفولته بوعي شعري عميق تتكئ عليها قصائده التي تهرول سريعا من أقصى عزلة في القلب إلى ينابيع نهر شعري يتجدد باستمرار كلما استيقظت القصيدة في منعطفات الوجع باحثة عن الشاعر بحرقة نادرة.
الشاعر محمد بودويك في مخبئه الشعري الرهيب يكتب قصيدته بقلق العارف والعراف،بحيرة الزاهد والرائي بحثا عن المرئي والمنسي في ذاته وبين الكائنات المحيطة به من خلال تفجير اللغة بما هي حمالة أوجهٍ،وحمالة أقنعةٍ أيضا.
عند محمد بودويك لااطمئنان في شعرية النص، كل البوصلات التقليدية تتعطل إذا أردت التجسس على اتجاهات الخيال
في قصيدته،أو التنبؤ بأمطارمخيلته التي قد تسقط في الصحراء (صحراء الغواية أقصد)، أو سهل القلب دون استئذانٍ من الشنفرى أو ابن زيدونٍ.
يبني الشاعر شعريته من خلال التمازج الشيق بين التاريخ والأسطورة والطفولة والذات وشغب الكائنات، وبين الخيبات والانكسارات والخسارات التي تتكبدها الذات الشاعرة في كل ثانية من الزمن،وهي تتلصص باستمرار عن فوضى الكتابة في نظام الأبجدية.أليس الشاعرصديق الخسارات بامتيازٍ ، يخسر في كل يوم قميص قصيدة، أو حذاء كلمة، وهو يبحث في سوريالية النص عن معنى الحياة.
بمكرٍ كبير يتعامل مع اللغةِ في بناء القصيدة،وتصبح الكتابة عنده غزوا متسلحا بدربة الانصات للعالم الجواني، وشهوة الاحتفاء بكائنات الحياة والكون.
 يفتح الشاعر المبدع محمد بودويك أفقاً جديداً في الممارسة الشعرية المغربية لما راكمه من رؤيةٍ واضحة المعالم للكتابةِ والقصيدةِ. تتجذرهذه الرؤية الواعية من خلال القراءة الهادئة والعاشقة والمتأنية لمتاهات قصائده الشيقة،ومسارات شعره المنفتحة على بهجة التلقي التي تخفي أكثر مما تعلن، وتصدم أكثر مما تدهش. من ثم يأتي ثراء وغِنى قصيدة الشاعر محمد بودويك، القصيدة التي تعشق الحياة حَد الجنون.
يفتح محمد بودويك نافذة أنيقة على سحر القول الشعري المنجذب لعمق الذات وصداقة الأشياء، وبهذا يؤسس لنفسه جغرافية شعرية خاصة به، تشبهه في قلقه، وهدوءه، وزوبعته، وبحثه الدءوب عن عالم شعري يجد فيه الملاذ والخلاص. تبنى الشاعر محمد بودويك ثقافة السؤال الحرفي قصائده ونصوصه مهتما بالبعد الجمالي الحداثي في رؤية تتحدى المعنى لتخلخل اللغة الشعرية وتبحث في منعطفات غاباتها الكثيفة عن أسرار الإبداع العميق والأنيق في آنٍ معاً.
*شاعر وناقد من  المغرب

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…