القطيــــــــــــعْ

منير محمد خلف /  سورية

إنَّ القصيدةَ لا تجيء مع الحبيبةِ.
والحبيبة لا تجيء مع القصيدَهْ.
كلّ الجراح مسافةٌ
بيني وبين أصابعي
مخبوءةٌ في بئر روحي.
.. في خزانةِ عرسها
أطيار مملكةِ النّواحْ.
لكنّ قلبي
شامخاً يبقى
ويُطلِقُ في النداءِ
حمائمَ الوقتِ الجميلِ
ويزرع الهاماتِ في قمم الرّياحْ.

وأُطلّ من وطني عليَّ
لكي أراني
بين صبّاراتِ أجدادي
وأحصنةٍ من النورِ المهاجر
نحو قلبٍ
لا يملّ من الصّياحْ

وأُطلُّ من صوتي على وطني
وأرسمُ في الخرائط كلِّها
توتَ البلاد
ووجهَ أُمي،
أقرأُ التاريخَ
أحفظُ ماءَ عشقي
والصباحَ،
وصرخةً من عهد عادْ.

أصطادُ أُغنيةً
وتخرج من كهوف القلبِ
أنهارٌ من الصمتِ المحاصرِ
بانتماءاتِ الحنينِ المرِّ
بي،
وبنسوةٍ كتبَ الجنودُ
على جلودِ صياحهِنَّ
معاركَ التفتيشِ
والعنبِ المسافرِ
وانتصارِ الرّيحِ
تحت عباءةِ الماضي الخجولِ
يدقّقون ترابَ روحي
ينقشونَ على دمي سجناً
ويقترحونَ أنّ الأرضَ
مازالتْ تخبِّئُ نارها
ونهارها
ويلوّنون أصابعي
بالعقمِ والحُلُمِ القتيلِ
ومهملاتٍ
من حِدادْ .

الآن أفهمُ عادةَ الأمواتِ
في إهمال مَنْ حفروا لهم أصواتهم
وبكوا على أحلامهم،
وفهمتُ مالا يفهم الحرّاسُ
من وِقفاتِهمْ
وفهمتُ أنَّ أولئك الأوغادَ
يغتالون أمكنتي
وأزمنتي التي لم تأتِ بَعْدُ
ولم تصلْ،
وهناكَ مَنْ يتكلسون على دمِ الذكرى
وأعناقِ الغناءْ
ويعلِّبون هواءَنا وكلامَنا
ويجرّدونَ حدائقَ النعناعِ من أحلامنا،
هم يُحرقون قصائدي
هم يشربونَ حليبَ روحي
يُقفلونَ يَدِيْ على أبوابِهمْ
ويهرّبونَ حمائمي لصقورهمْ
لغرابهم سطحي
ونافذتي الصغيرةَ لانتظاراتٍ
يكبّلُها الحنينُ
بألفِ صوتٍ من دخانْ
هم يرفعونْ يديَّ نحو طبولهم
ويمزّقون طهارةَ الآتي
بأظفار الوداعةِ والبهارْ،

وأنا أمدُّ حدود روحي نحو روحي
حطِّمُوا يا أصدقاءُ
جماجمَ الإسطبلِ
كونوا كالصغار
مُعبَّئين ببرتقال الفجرِ
كونوا واضحينَ وغامضينَ
وشاغلينَ الرّيحَ عن أفعالها،
لا تشلحوا أوضاعكُمْ
لا تشرحوا أحلامكُمْ
ما ضاعَ منكم من صباحٍ
يطلعُ التّفّاحُ من كتفيهِ
يورقُ كالينابيع الضحوكةِ والكنارْ .

سأرى البلادَ كما أشاءُ
وأنتمي لحبيبتي،
ماءٌ يمدُّ جذورهُ في راحتيَّ
يمشّطُ الدّنيا
بأوجاعِ الكتابةِ،
ربّما تأتي الحبيبةُ
مثلما تأتي القصيدةُ
وهي تحملُ سلَّةَ الأفراح في يدها
وتركضُ نحو صمتي والندى
تَطوي الربيعَ على الربيعِ
تُفصِّـلُ الماضي
على أطراف إصبعها
وتولد كي تنامْ
ما الفرقُ بين أصابعي
ـ إنْ لم تكنْ مشغولةً
بأصابعِ النهر الجديد
بشَعر أنثى أشتهيها
من طفولة جرحنا وقلوبنا
أنا أنتمي لهوائها وفراتها
وهي الجميلةُ والرقيقةُ
تحتسي من ماء روحي
تُخرِجُ الأسرار من فنجانها
وتغوصُ في عمري
وتعرف أنني وَجَعٌ ونارْ،
أو لامسَتْ ريحُ الخريفِ أصابعي
وغزا جروحي سنديانُ القهرِ
روحي أدمَنَتْ أوجاعها
وتعلَّمتْ لغةَ الحصارْ ـ
ما الفرقُ بينهما
وبين طفولتي؟؟؟

ماذا أقصُّ من الحكايا..
من تفاصيل المرارةِ
والمرايا في دمي
تُلقي شظاياها
وترحلُ
مثل نهرٍ نائمٍ أو حالمٍ
والناسُ
تخنقُهم بداياتُ الوداعِ
ويهربونَ من الهروبِ
إلى الْتماعات المدينةِ
والمدينةُ شقّةٌ مطعوجةٌ
أو غرفةٌ مشنوقةٌ
أو ظلُّ ريحٍ
أو سرابْ ،

لا أرضَ تحملُ ظلَّنا
لاحُبَّ بين الناسِ،
إنَّ قلوبَهم خِرَقٌ،
ونظرتهم إلى الدنيا
كنظرتهم إلى المرآةِ
حين يُرتِّبون أمامَها أكتافَهمْ
ويُورّطون البحر في أحلامِهِ،
ويصوِّرونَ العمرَ علبة مرتديلا،
هم يعبدونَ نساءَهُمْ
ويعلِّقون على الرياح كلامهُمْ
هم يحكمون على الظواهرِ
يُرشدون قلوبَهم
لخرافةِ الماضي
على أبوابِ حاضرهم،
ويلتمسون من أعيادِهم حَطَباً
لِما كتبتْهُ فوق عقولهم أحقادُهُمْ

عمرٌ مضى
وأنا المعبَّأ بالحنينِ وبالحرِيقْ
أُحصي فساتينَ الغيابِ
وأحتمي بالخوفِ
والألم العتيقْ.

( يا جنةً من دون ناسٍ
لا تُداسْ ).
عَطَشٌ..
وصحراءٌ من الذكرى
وقافلةُ اليباسْ،
الآن أرمي جبهتي في النّهرِ
أُلقي دمعةً مكسورةً نحو النجومِ
لكي أرى كلّ الذين
تعوّدَتْ ضحكاتُهم
أن تحتفي بوجوهنا
حتّى نجرِّبَ مرَّةً
أنَّا قُتِلْنا
واكتفينا بارتداءِ قميصِ يوسفَ
واختفينا مثل أذيال النّعاسْ.
يا من يصيرُ غيابُنا حَبَقاً عليهم
يحلمون بأنّهم سيُبلّطون الرّيحَ
لا…
هم يقرعون نوافذ الذكرى
وما قد كان من حُلُمٍ
يغطِّي ساعديهِ الغيمُ
أهملَهُ المطَرْ
والآن يحملُهُ الغبارْ
ماذا أُخبِّئُ في يديَّ
وفي يديكِ خواتمُ الفرحِ المعارْ
ماذا أُخبّئُ في كلامي
والكلامُ هو الحصارْ .

أنثايَ
كوني قرب روحي
واختمي قلبي
فإني لا أريدُ بأنْ أظلَّ بلا ختامْ
أو حطِّمي وجعي
فقد غادرْتُ من زمني
وقلَّبْتُ الشوارعَ في يَدِيْ
وهربتُ مني
كي أحرِّرَ شهقتي
من صوتِ بئرٍ
ساكنٍ في قعْرِ آهْ؛
ووضعتُ عمري
فوق أسوارٍ من الياقوت في شفتيكِ
تختصرُ الأكاليلَ الرّطيبةَ
بين راياتِ الصقيع
وكائناتٍ في الجبـــــاهْ
وتكنِّسُ الماضي من الماضي
وتُعلِنُ أنني
مُتكسّرٌ بين القصائدِ والشّفاهْ.

أَلكلِّ أنثى
في تورُّطِ قلبها
ورَقٌ من البابونجِ المهزومِ من أضلاعنا..؟
ولكُلِّ أنثى
في طفولتنا انكسارٌ نائمٌ..؟
ولكلِّ ما يأتي به الشعراءُ من أوجاعهمْ
طُرُقٌ تُقاتلُ سالكيها….؟

ربّماخانت جهاتي خطوتي
مثل الخريفِ على الرصيفِ
تساقطتْ ما في الشفاهِ من القُبَلْ
وتكحّلَتْ بالرّيحِ
أحلام المسافاتِ الجديدةِ والكلامْ.
أدعوكِ خاتمتي
اختمي بالفجرِ ما تركت لنا الأيامُ
من أيّامنا،
زهري على الشّبّاكِ
ينتظرُ القصيدةَ.. والحبيبةَ..
والولادةَ.. والغناءْ.

E-mail: mner-l@scs-net.org

*******

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…