كأن أنثى اللمعان مرت
و غيرت من درج الوقت الصاعد فوق .. فوق .
هي سحر الأرض بالبهاء البعيد
و الموسيقى التي يحدثها الرنين
تخب بتيهها العظيم نحو الشمال وتمضي مثل الأيائل
القريبة من هذا الرماد .
إن ما يقوله محمد المطرود على لسان ولده الهاذي ليس بوحاً ذاتياً أو كلاماً له مذاقات عابرة و حسب بل انه تهيئة فضاءات تشكيلية و مهندسة بدقة و ترتيب , فضاءات منتشية بالثقافة و الذاكرة الشعريتين , ثقافة المطرود الشعرية تحمل حساسية مشتعلة ومبرقة لكتابة نص تحتمل هذا الصبر في استظهار شرارة الشعر الحقيقية, لهذا تجد إن هذا الشاعر كثير الاهتمام بالوحدة العضوية لبناء نصه, حريص على إن يكون لكلماته مفتاح سري ذو شيفرات ملتبسة , و لجمله الطويلة ذات الأنساق المتقلبّة معان ٍ متعددة لا يمكن الإفصاح عن قصديتها أو دلالاتها العالقة , يخاف هذا المغامر من أفكاره أن تنزلق هكذا هباءً , وتساء تخمينها أو أن تنحو نحو ظلال أخرى تجلب للقارئ الخزي و الحيرة و الظنون:
لأنك ملك
أضئ النص , أكتشف مفاتنه , و لذته
و كن غباره على وردة الحديث
و هيولى المعنى الأول
و المعدن المكسور في أوار اللاشيء
و كن يد الأرض الذكية و لسان التضرع
فالدعوات سماء بين المصلي و الغيمة
بين العاشق و الذكريات , و تاريخ الكتابة
و افتضاح الحلم في يقظة الانوثات
وفي رؤياك الناهضة في رماد الأسطورة.
هذا المقطع من نص طويل مكشوف على إيحاءات أو مجازات تقوم على قشر المفردات و من ثم مضغها ضمن تليين و بسط المعنى و إلحاقه ( بالصور ) التي تلمع بلا نقوش و تسطع بلا صدى و لا تعير شأناً بالبناء الشكلي للنص , فتتماوج متلاحقة أو متجاورة في رصف هندسي أحياناً أو بعثرة مزاجية يتقصدها الشاعر رغبة في التشكيل أو التنويع , فكل جملة هي مشروع بناء ( صورة ) و كل صورة هي مثار حوار ( المفردات ) بين نفسها ( كن حبيبي , في الطريق إلى نجمتنا الشاردة . قالت ( إن الآلهة أجمل هذا الصباح , حيث شمسك الأنثى , تمتد على خمس قارات لا تنام . أنا القارة الجديدة التي ستكتشف البارحة . )
يتأنق نص ( نص الخديعة ) بحركاته الست , يتجول الشاعر فيه كواعظ مليء بالخطايا و كرّبان على ظهر سفينة ملّ من توجيه العالم نحو الخراب , و كعاشق غامض في سيرته يخدع النساء المخدوعات ( أصلاً ) بمديد عسله , انه شاعر يتحدث دائماً عن شعره لينتبه إليه الكون و العالم و الإنسان :
شعرية المطرود ( ما يقوله الولد الهاذي ) مناسبة للتوغل أكثر في تبصير التجربة الشعرية الشابة في سورية في سياقاتها الجمالية , و فرصة سانحة للتقرب من انجازات و مذاقات قصيدة النثر في الجزيرة التي مازالت تقدم الكثير من الاقتراحات و المهارات و التقنيات اللغوية المبدعة للمشهد الشعري السوري .
( ما يقوله الولد الهاذي ) شعر 2009 – محمد المطرود – عن دار الرائي .دمشق 112 صفحة
تشرين