خطوة إلى الأمام … خطوتان إلى الوراء

  غسان جان كير
 
على الرغم من أن الإنسان احتاج لعشرات الآلاف من السنين , لتستقيم قامته , وعلى الرغم من عشرات آلاف أُخر , لانفصاله عن المملكة الحيوانية , وارتقائه إلى درجة الإنسانية , الا أن هناك الكثير من الأفعال والتصرفات والتصريحات , التي يمارسها الإنسان , تدفعنا للظن , بل لليقين , بأنه دائم الحنين إلى أصدقائه الحيوانات , ومعيشتها .
هل لاحظنا , بان أكثر التشابيه المُستخدمة فيما بيننا , هي تلك المُستمدة من عالم الحيوان ؟

وهل لاحظنا , أن مُجرد الاختلاف في الرؤى , أو التصرف يدفع بأحدنا – بخاصة إذا كان صاحب نفوذ – أن يُجرد الآخر من إنسانيته , ويُلحقه بعالم الحيوان بقوله و وعيده :(ولاك حيوان , راح امسح فيك الأرض) ؟
وهل قرأ احدنا , أن شاعرا اسمه علي بن جهم) مدح احد الخلفاء , بقوله :
أنت كالكـلب في وفاءك للعـهد   وكالتيس في صراع الخطوب
وهل قرأنا ان نفس الشاعر , بعد أن أغدق عليه الخليفة بالعطاء , وعاش في رغد من العيش , قال شعرا رقيقا , دون ان ينسى الاستعارة من عالم الحيوان بقوله :
عـيــون المها بيـن الرصـافـة والجـسر   جلبن الهوى من حيث ادري ولا ادري
أن نمازج التشبيه بالحيوان كثيرة , وهي بكثرة عدد حيوانات البحر والأرض والسماء , وبكثرة الفاسدين أيضا . بل أن حالة الفساد السرطانية , تدفع المرء لاستنباط تشابيه جديد كل يوم مثل (الحيتان , القرش , الإخطبوط , الذئب , الثعلب , الحمار , الغراب , القطط السمان ……….) . وان كان الفساد مؤلم , فأن الأكثر إيلاما , هو التشبيه الذي لا يرتقي إلى مستوى الفعل , فالحيوانات الأكثر فتكا تبحث فقط عما يُشبعها , لتنام في سُبات عميق , ولكن ما بال هؤلاء الفاسدين لا يشبعون من الاكتناز , أما كان الأجدر أن , تُشَبِه الحيوانات مُفترسيها , بمُفترسينا ؟
والمؤلم حقا , أن نتشبه , بالأرنب والسلحفاة , في القرن الواحد والعشرين , ولكن المؤلم أكثر , أن نتذكر سرعة تطورنا في وقت ما , بل ونتخيل ان (ماليزيا) كانت تتمنى أن تواكب تطورنا , أو أن خليجياً , كان يتمنى أن يعيش في سوريا , والمؤلم أن نتذكر الصوت الرخيم للزميلة (ندى الصالح) في البرنامج الإذاعي (سوريا اليوم) , حيث المصانع والشركات تُنْجِز خططها السنوية , بل وتُزيد عليها , في اقل من المدة المخصصة لها , وان الأرباح التي تُحققها , ستُستثمر في بناء مصانع وشركات أُخرى تنتظرنا , للعمل فيها , لنكتشف الان بان مُعظمها خاسرة , بل مُخسّرة , فهذا يتصور الجمارك ضيعته , وذاك يحسب البريد دكانه , والآخر يرد احتكار استيراد القمح لتخزينه ومن ثم لبيعه على انه قمح سوري بسعر مُضاعف , وفلان يعالج مرضى السرطان بأدوية فاسدة ويبع الصالح منها لصيدليات خاصة , وعلتان يسرق ضبوط الشرطة لكتابة حوادث سير وهمية فيسرق من مال مؤسسة التأمين , والثعلب يبيع الطحين على انه مُنظف الغسيل ……….
والنتيجة أن (51% ) من الشباب السوريين يُريدون الهجرة , وخاصة إلى دول الخليج , وان الماليزيين يُلقون علينا مُحاضرات في التطور.
والحمد لله
GHASSAN.CAN@GMAIL.COM

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…